سياسة المد والجزر الأميركية في المنطقة

الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل وتوسيع مشروعها الإستراتيجي القائم على بث الفوضى والقلاقل في المنطقة، أدّيا إلى تكريس خطاب الكراهية وتغذية الصراع الطائفي وتعميق الأزمات في المجتمعات الإسلامية.
الجمعة 2024/10/04
مرحلة جديدة في حرب تستعمل فيها كل أنواع الأسلحة

لا أتجاوز الحد عندما أقول إن أبواب الجحيم قد فتحت بعد الأحداث الدراماتيكية المتلاحقة التي شهدتها غزة ولبنان بعد الهجوم الواسع الذي شنته حركة حماس على المستوطنات والمطارات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023، والرد العسكري الإسرائيلي الساحق على الحركة وقطاع غزة ولبنان، والذي أسفر عن تدمير البنية التحتية الكاملة لغزة وقتل أكثر من 40 ألفا من مواطنيها، وعلى رأس هؤلاء إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي تم اغتياله في قلب إيران وفي عقر دار الحرس الثوري، وهو ما يثبت مدى قوة وقدرة إسرائيل على اختراق الحواجز الأمنية لواحدة من أقوى النظم العسكرية في المنطقة!

ثم أعقبت هذه العمليات العسكرية عملية أخرى استخباراتية (17 سبتمبر) وهي الهجوم السيبراني الواسع على أجهزة الاتصال اللاسلكي المحمولة (البيجر) التي تستخدمها عناصر حزب الله اللبناني في عملياتها العسكرية، والتي أسفرت عن قتل وجرح الآلاف من صفوفه (عشرات القتلى و3500 جريح). وتعتبر هذه العملية التكنولوجية النوعية تصعيدًا خطيرًا في المواجهة بين إسرائيل وحماس وحزب الله ومن ورائهما إيران التي تحرك الخيوط وتقود منظومة عسكرية واسعة من فصائل وميليشيات ولائية لا حصر لها تنتشر على طول المنطقة وعرضها.

ليأتي بعد ذلك اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي يعتبر مرحلة فاصلة بين الحرب المحدودة التي تستعمل فيها الأسلحة التقليدية وبين الحرب غير التقليدية التي تستعمل فيها الأسلحة التكنولوجية الفتاكة.

◄ الازدواجية الأميركية في التعامل مع الآخرين حيرت الأصدقاء قبل الأعداء، فهي مثلًا تعادي الميليشيات والفصائل العراقية وتدخل بعضها في قوائم الإرهاب ولكنها مع ذلك تسمح لها بتنظيم صفوفها داخل مؤسسة كبيرة

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال صراحة إن إسرائيل “في بداية مرحلة جديدة في الحرب” تستعمل فيها كل أنواع الأسلحة وعلى جبهات متعددة في ظل غياب القانون الدولي وصمت المجتمعين الدولي والعربي. الظروف الآن مهيأة جدًا لشن توغل بري كاسح على لبنان لإنهاء الوجود العسكري والسياسي لحزب الله وقد تستمر عمليات التوغل هذه إلى أبعد من الجنوب اللبناني بدعم ومباركة أميركية وأوروبية.

إسرائيل لن توقف عملياتها العسكرية أبدًا إلى أن يمحى من ذاكرة العالم والمنطقة الهجوم الفلسطيني في 7 أكتوبر الذي جرح كبرياءها وألحق بها هزيمة نكراء على حد قول غادي أيزنكوت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق. وكان عليهم أن يزيلوا وصمة العار هذه عن جبينهم بأي ثمن حتى لو أدى ذلك إلى قتل 40 ألف إنسان في غزة و40 ألفا آخرين في لبنان والقضاء على بنيتهما التحتية بالكامل.

الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل وتوسيع مشروعها الإستراتيجي القائم على بث الفوضى والقلاقل في المنطقة، أديا إلى تكريس خطاب الكراهية وتغذية الصراع الطائفي وتعميق الأزمات في المجتمعات الإسلامية. وهذه الأزمات تفاقمت وازدادت سوءًا أكثر عندما مارست الولايات المتحدة سياسة المد والجزر مع أنظمة الحكم في المنطقة سواء الحلفاء منها أو الأعداء، مما أدى في النهاية إلى الاضطراب الدائم وعدم الاستقرار السياسي والمجتمعي. الازدواجية الأميركية في التعامل مع الآخرين حيرت الأصدقاء قبل الأعداء، فهي مثلًا تعادي الميليشيات والفصائل العراقية وتدخل بعضها في قوائم الإرهاب ولكنها مع ذلك تسمح لها بتنظيم صفوفها داخل مؤسسة كبيرة وبميزانية ضخمة لتشكل دولة قوية داخل دولة رسمية.

ولطالما وصفت الأوساط السياسية الدولية علاقة الولايات المتحدة بالكرد وإقليم كردستان بالقوية، تصل إلى حد “الشراكة والتحالف”، ولكنها مع ذلك تركت الإقليم تحت رحمة الميليشيات والفصائل لتدك عاصمته بالصواريخ والدرونات. وكذلك موقفها السلبي من الاستفتاء للانفصال عن العراق الذي أعلنه الزعيم مسعود بارزاني في 2017.

9