شراكة إستراتيجية لعصر جديد

الإمارات لم تعد مجرد شريك نفطي تقليدي بل قوة إقليمية صاعدة تسعى لتحقيق تفوق صناعي وتقني يواكب التحولات العالمية بما يتماشى مع رؤية الإمارات 2071 لبناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة.
السبت 2024/09/28
دور محوري للإمارات في النظام الدولي

شكلت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى واشنطن علامة فارقة في مسار العلاقات الإماراتية – الأميركية، لكونها أكدت الشراكة الإستراتيجية التي تجمع بين البلدين، وتمتد عبر عقود من التعاون في مختلف المجالات.

ورغم التحولات الجيوسياسية الكبيرة، لا تزال الإمارات شريكا موثوقا وفعّالا للولايات المتحدة، خاصة في ظل الديناميكيات الجديدة التي تشهدها المنطقة والعالم.

وتأتي خطوة إعلان واشنطن دولة الإمارات كـ“شريك دفاعي رئيسي” كإشارة واضحة إلى مكانة الإمارات المتزايدة على الساحة الدولية، وتطورا مهما ليس فقط للعلاقات الثنائية بين البلدين، بل للمشهد الإقليمي ككل. ويفتح آفاقا جديدة للتعاون العسكري، الأمني والتكنولوجي بين الإمارات والولايات المتحدة.

أثبتت الإمارات قدرتها على لعب دور فاعل في القضايا الدولية، من خلال اتباع سياسات متوازنة وحكيمة في التعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية، وتميزت بقدرتها على بناء علاقات قوية مع القوى العالمية الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، روسيا والصين، ما منحها مكانة فريدة في الحفاظ على الاستقرار العالمي.

يبدو أن الإمارات لا تنشغل بنتيجة الانتخابات بقدر اهتمامها بتعزيز الاستثمارات المستدامة والتنسيق المستمر مع الولايات المتحدة.

إعلان الإمارات كشريك دفاعي رئيسي يعكس الاعتراف الأميركي بالدور الإماراتي المؤثر في تحقيق الأمن الإقليمي، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تصاعدا في التوترات الأمنية، بدءًا من الصراعات في غزة ولبنان وصولا إلى الحرب في السودان. وعليه، فإن التعاون الدفاعي المتزايد بين الإمارات وواشنطن سيكون له تأثير إيجابي كبير على أمن المنطقة.

الإمارات كانت دائمًا قادرة على الجمع بين مختلف الأطراف في منطقة مضطربة سياسيًا، ومع تصاعد التوترات الإقليمية، يمكن للشراكة الدفاعية المتنامية مع الولايات المتحدة أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي، في توقيت تتزايد فيه التهديدات من مختلف الجهات، لما تقدمه الإمارات من نموذج فاعل لدولة قادرة على بناء توازنات إستراتيجية بين القوى الكبرى، وحماية مصالحها ومصالح جيرانها.

التحول في العلاقات الإماراتية – الأميركية سينعكس بشكل إيجابي على توازنات القوى في الخليج، فالتعاون العسكري المتزايد سيجعل الإمارات أكثر استعدادًا للتعامل مع التهديدات الإقليمية، وهو ما سيساهم في تعزيز قدرة دول الخليج على مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، وسيشكل حافزًا لدول أخرى في المنطقة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة.

العلاقات بين أبوظبي وواشنطن تتجه نحو المزيد من العمق والتكامل، فالتعاون في المجالات العسكرية سيتوسع ليشمل جوانب جديدة من التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة، وتعزيز التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل عالي المستوى، وتطوير الأنظمة الدفاعية مثل الطائرات المقاتلة من الجيل الخامس، وأنظمة الدفاع الصاروخي مثل “ثاد” و“باتريوت”.

التصنيف النادر الذي لم تمنحه الولايات المتحدة إلا للهند، يعكس التقدير الأميركي للدور الذي تلعبه الإمارات في تأمين المصالح المشتركة وتحقيق استقرار المنطقة والعالم، وسيتيح للإمارات الحصول على تقنيات عسكرية متقدمة، ما سيعزز من قدراتها على حماية أمنها القومي ومحيطها الخليجي والإقليمي، والمشاركة في التحالفات الدولية للحفاظ على الاستقرار العالمي.

سواء فاز المرشح دونالد ترامب أو المرشحة كامالا هاريس، فإن مكانة الإمارات كشريك دفاعي وإستراتيجي ستظل ثابتة، حيث بنيت العلاقات بين البلدين على أسس قوية

الشراكة الإماراتية – الأميركية لا تقتصر على الجوانب العسكرية فقط، بل تمتد لتشمل التعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، واستكشاف الفضاء. الإمارات تدرك أن مستقبل العلاقات بين الدول لم يعد يعتمد فقط على النفط أو القوة العسكرية، بل على الابتكار والتكنولوجيا. ولذا تسعى الإمارات لأن تكون في طليعة الدول التي تستثمر في التقنيات الحديثة لتأمين مستقبلها، فهي تفكر استباقيًا في مراحل ما بعد النفط، وترتكز سياستها الحديثة على قواعد التنمية والازدهار.

ولهذا، كانت زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى واشنطن لتعزز التوجه نحو توطين التكنولوجيا المتقدمة، فالإمارات لم تعد مجرد شريك نفطي تقليدي، بل قوة إقليمية صاعدة تسعى لتحقيق تفوق صناعي وتقني يواكب التحولات العالمية، بما يتماشى مع رؤية الإمارات 2071 لبناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة، ما يجعلها نموذجًا يحتذى به في المنطقة، في كيفية بناء شراكات إستراتيجية متينة مع القوى الكبرى مع الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي وتوجهاتها الاقتصادية.

أبرزت زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة الدور المحوري للإمارات في النظام الدولي، فلم تعد الإمارات مجرد قوة متوسطة في الشرق الأوسط، بل أصبحت لاعبا رئيسيا في القضايا العالمية المتعلقة بالتكنولوجيا المتقدمة، والطاقة النظيفة، والأمن السيبراني، ما يعكس اعترافا أميركيا بأن الإمارات باتت قوة لا يمكن تجاهلها في الساحة الدولية، ما يبرز الدور الإماراتي في بناء نظام دولي متعدد، مع احتفاظها بعلاقات متوازنة مع القوى الكبرى في الشرق والغرب، إذ تعتمد السياسة الإماراتية على بناء تحالفات متنوعة تحمي أمنها الوطني ومصالحها الاقتصادية، ما يعكس نضجا إستراتيجيا ومرونة مميزة في التعامل مع القضايا الدولية.

جاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى واشنطن في وقت دقيق مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسط منافسة حامية بين المرشحين. ويبدو أن الإمارات لا تنشغل بنتيجة الانتخابات بقدر اهتمامها بتعزيز الاستثمارات المستدامة والتنسيق المستمر مع الولايات المتحدة. سواء فاز المرشح دونالد ترامب أو المرشحة كامالا هاريس، فإن مكانة الإمارات كشريك دفاعي وإستراتيجي ستظل ثابتة، حيث بنيت العلاقات بين البلدين على أسس قوية تتجاوز التغيرات السياسية في البيت الأبيض.

9