الدجاجة التي تبيض هزائم

المشكلة الأكبر تكمن في طريقة تعاطي حركة حماس مع هذا الفشل الواضح بالاستمرار على نفس النهج؛ فهي تعتقد أنها ستؤثر وتغير الواقع العام في فلسطين بل والمنطقة ككل.
الخميس 2024/09/26
حرب لا يراد لها أن تنتهي

ليس من العسير القول إن حركة حماس في فلسطين كانت بمثابة الدجاجة التي تبيض هزائم؛ فهي باضت في مجتمع غزّة، المعروف بوطنيته ووسطيته واعتداله، التخوين والانقسام واستباحة دم الأخ الفلسطيني (وهذا أخطر شيء قامت به حماس). وهو ما أثّر سلبًا على أصغر خلايا المجتمع الفلسطيني من العائلات والأسر، وأدى إلى ظهور شرخ واضح داخل المجتمع الفلسطيني تعذّر إلى اليوم جبره.

كما لم تبخل حركة حماس بالقمع وتكميم الأفواه وبتعميم الجهالة المسربلة بالتدين الفارغ. وإن كانت بعض أنظمة الاستبداد على مر التاريخ تستعين بالمنجمين والعرافين لتخدير الشعوب، فحماس تستعين بأشخاص ملتحين يمارسون التضليل والتخدير وبيع الوهم وهم يتحدثون عن أحلامهم المشفوعة بالآيات القرآنية الكريمة التي تبشر بالنصر المؤزر والذي هو منذ ما يقارب عاما على بعد ساعة فقط.

◄ حماس هي التي أحالت أحلام أفراد هذا الشعب من الحصول على دولة مستقلة ومتقدمة إلى الحصول على حذاء لينتعلوه أو قميص ليلبسوه أو ربطة خبز أو بضع حبات بندورة ليظلوا على قيد الحياة

وضعت حماس أهل غزة الكرام في واجهة التنين الناري الذي أحرق الأخضر واليابس وجعل قطاع غزة، الذي كان يسمى سنغافورة العرب سابقًا، عاصمة الدمار العالمي والخراب. ولكن المستفز حقيقة، أنه رغم ما حدث من هزائم وخسارات وانكسارات، لا يفتقد قياديو الحركة الكثير من الصلف والتبجح بأنهم سيستمرون في حكم القطاع بعد الحرب وأنهم سيقاتلون حتى آخر غزي وهم يستجمّون على الشواطئ.

هذا الحديث متوقع من حركة فُطِرت على الأخذ من الشعب الفلسطيني وحسب، ولم تقدم له سوى الهزائم المتلاحقة والفقر المستدام. إذ لا يمكن للاستبداد بسبب طبيعته البنيوية أن يقبل أي شكلٍ من أشكال مراجعة الماضي أو التعاطي مع أفكار جديدة مختلفة عن أيديولوجيته المتهافتة، أو شراكة أطراف أخرى في اتخاذ القرار وإدارة الدولة معه.

من الواضح أن لدى حماس انفصالًا في الإدراك بين القضية الفلسطينية والفلسطينيين الموجودين على الأرض؛ فهي لا تكترث بهم، وجلّ همها أن تؤذي إسرائيل دون الالتفات إلى تبعات هذا الفعل، وهو ما يفسر الرغبة الجامحة المتجلية في الخطب الرنانة التي تحضّ على إحداث خسائر ما بإسرائيل حتى لو كان الثمن فقدان الفلسطينيين لكل شيء بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وتكلفتها لا تطاق من الناحية الإنسانية، فهذه يتم النظر إليها على أنها خسائر جانبية وضرورية في سياق حرب الإبادة الحالية.

فما جدوى قتل جندي إسرائيلي في غزة، وهذا لا يحدث يوميًا، مقابل قتل أربعين أو خمسين فلسطينيّا في يوم واحد وهذه مقتلة عظيمة تحدث كل يوم!

لكن المشكلة الأكبر تكمن في طريقة تعاطي الحركة مع هذا الفشل الواضح بالاستمرار على نفس النهج، فهي باعتقادها أنها ستؤثر وتغير الواقع العام في فلسطين بل والمنطقة ككل، عوضًا عن تكيفها مع الإرهاصات السلبية التي أنتجتها غارة السابع من أكتوبر والبحث عن مكان لها على الأرض.

إسرائيل اليوم هي من أثّرت بحركة حماس ولقنتها درسًا مبرحًا لا العكس، وعملت وتعمل بنجاح على تفكيك بنيتها. فإن كان يوم السابع من أكتوبر هو يوم نصر لحماس، فقد قابلته أسابيع وشهور هزائم كثيرة بعد هذا اليوم، والأنكى من كل ما سبق أن الشعب الفلسطيني ككل هو من دفع الثمن.

◄ حماس وضعت أهل غزة الكرام في واجهة التنين الناري الذي أحرق الأخضر واليابس وجعل قطاع غزة، الذي كان يسمى سنغافورة العرب سابقًا، عاصمة الدمار العالمي والخراب

ليس هناك أي شيء تراهن عليه حركة حماس في المستقبل، فالشارع الفلسطيني الذي كانت تحكمه عنوة وقسرًا زاد رفضه لها وبات قاطعًا وحاسمًا أكثر من ذي قبل، فلسان حال الغزيين اليوم هو “أنقذونا من إسرائيل وحماس”.

فالطرف الذي باشر بإعلان الحرب هو الذي يجب أن يُسأل عن الأهداف التي حققها من الحرب وليس الطرف الثاني. فماذا حققت حماس من هذه الحرب التي لا تريد إسرائيل لها أن تنتهي؟

وفي الأيام السابقة ذكرت تقارير إعلامية أن الجيش الإسرائيلي حرّك الفرقة 98 النخبة من غزة نحو الحدود اللبنانية. ومن يتابع يوميات الهزيمة في غزة يلاحظ أن الجيش الإسرائيلي بات يتعامل مع غزة كما يتعامل مع الضفة الغربية عسكريًا، فهو يبحث عن أي خلايا تقاومه ويقوم بضربها، لكن كلفة الخسائر البشرية وعدد الشهداء في غزة أعلى بسبب الاكتظاظ في المخيمات نتيجة النزوح المتكرر.

فقدت حماس في هذه الحرب كل شيء؛ فقدت الأهلية لتطرح نفسها كشريك في الحكم، بعدما فقدت الوطنية بانقلابها في صيف العام 2006. فقدت المصداقية بعدما سرقت وتسرق قوافل المساعدات الإنسانية وتبيعها لوكلائها في قطاع غزة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، فهي شريكة في تجويع وإذلال الشعب الفلسطيني العظيم، وهي التي أحالت أحلام أفراد هذا الشعب من الحصول على دولة مستقلة ومتقدمة إلى الحصول على حذاء لينتعلوه أو قميص ليلبسوه أو ربطة خبز أو بضع حبات بندورة ليظلوا على قيد الحياة.

8