الأبعاد النفسية الأربعة وراء هجوم حماس والرد الإسرائيلي

هجوم حماس وحرب إسرائيل هما نتاجان ثانويان لعقود من العوائق النفسية والأيديولوجية التي أعاقت أي تقدم نحو حلّ.
الاثنين 2024/09/23
مخاوف أيديولوجية عميقة الجذور بشأن بقاء اليهود

إن الهجوم الوحشي الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي على إسرائيل والحرب الانتقامية الضخمة التي شنتها الأخيرة متجذران في أربعة أبعاد من العوائق النفسية – التاريخية والأيديولوجية والدينية والإنسانية. وكان كلا الجانبين مدفوعين بهذه الأبعاد النفسية التي استمرت لعقود من الزمان، وساءت على مر السنين، ما جعل التوصل إلى حل لصراعهما مستحيلاً تقريبا. ورغم أن الرعب المتكشف لهذه الأحداث المأساوية قدم فرصة لتحقيق اختراق، فإنهما يظلان أسرى لهذه العوائق الأربعة ويرفضان الحديث عن حل طويل الأجل. ومع ذلك، يدرك الجانبان أن الصراع لن يُحَل أبدًا من خلال الحروب والعنف اللامتناهي، ولن يتم التوصل إلى حل دائم إلا من خلال تخفيف هذه العوائق عبر عملية المصالحة.

من وجهة النظر الفلسطينية، يُنظَر إلى هجوم السابع من أكتوبر باعتباره ردًا على الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود، ومأساة اللاجئين والقمع والتشريد وخنق قطاع غزة الاقتصادي من خلال الحصار، وهدم المنازل وبناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية وإنكار الحقوق الفلسطينية. والواقع أن استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني لمسح السياسات والبحوث في ديسمبر 2023 وجد أن ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة فلسطينيين يعتقدون أن قرار حماس بالهجوم كان صحيحًا. وقد برر تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والآمال المتلاشية في التوصل إلى حل سياسي الهجوم باعتباره مقاومة لما يعتبرونه جرائم إسرائيلية. ويتلخص هدف حماس في إنهاء الاحتلال والحصار المفروض على غزة وتحرير السجناء الفلسطينيين وإعادة فلسطين التاريخية إلى أصحابها الشرعيين.

من المنظور الإسرائيلي، كان هجوم السابع من أكتوبر عملاً إرهابيا غير مبرر ضد المدنيين، والانتقام منه مبرر لأن إسرائيل لها الحق في الوجود والدفاع عن نفسها، وهو ما يذكرنا برفض حماس الاعتراف بإسرائيل والتزامها بتدميرها. وعلاوة على ذلك عزز تاريخ الإرهاب الفلسطيني الممتد لعقود من الزمن ضد المدنيين الإسرائيليين وجهة النظر التاريخية الإسرائيلية القائلة بأن الفلسطينيين، وخاصة حماس، لا يمكن إصلاحهم؛ فهم يشكلون تهديدا وجوديا ويجب القضاء عليهم.

إن الهجوم والحرب التي تلته هما أحدث مظاهر الصراع الذي قامت بتغذيته تطلعات وطنية غير متوافقة وصدمات تاريخية على الجانبين تعود إلى حرب الاستقلال الإسرائيلية في عام 1948 والكارثة (النكبة) التي تحملها الفلسطينيون، والتي لا تزال راسخة في نفسيتهم الجماعية.

أيديولوجيا حماس

oo

يدعو ميثاق حماس التأسيسي وأيديولوجيتها إلى تدمير إسرائيل وإقامة دولة إسلامية في كل فلسطين التاريخية، هذا على الرغم من أن ميثاقها المعدل لعام 2017 يقبل دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967. أدى هذا المبدأ الأيديولوجي الأساسي بشكل مباشر إلى تخطيط وتنفيذ هجوم 7 أكتوبر. تنظر حماس إلى المقاومة العنيفة ضد إسرائيل كوسيلة مشروعة وضرورية لتحقيق أهدافها، حيث صرحت بأن “مقاومة الاحتلال بكل الوسائل والأساليب حق مشروع… وفي قلب هذه كلّها المقاومة المسلحة”. وتمجد أيديولوجيا حماس الاستشهاد والتضحية في القتال ضد إسرائيل. وقد أعطت حماس الأولوية لأهدافها الأيديولوجية على الحكم البراغماتي لغزة، واختارت شن الهجوم على الرغم من علمها أنه سيؤدي إلى انتقام هائل.

وتؤكد الأيديولوجيا الصهيونية الإسرائيلية على الحاجة إلى وطن يهودي آمن، ما يؤدي إلى استجابة عسكرية قوية للتهديدات الوجودية المتصورة. كما تؤكد على الحقوق التاريخية والدينية اليهودية في الأرض، ما يؤثر على نهج إسرائيل في السيطرة الإقليمية والمستوطنات. لقد أثار هجوم السابع من أكتوبر مخاوف أيديولوجية عميقة الجذور بشأن بقاء اليهود، وهو ما دفع إسرائيل إلى الانتقام غير المسبوق. فضلاً عن ذلك، تبنت الميول الأيديولوجية اليمينية المتطرفة للحكومة الإسرائيلية الحالية موقفًا عدوانيًا للغاية تجاه الفلسطينيين وقررت أن الصراع الحالي يوفر فرصة تاريخية لتحقيق مبدئها الأيديولوجي الرئيسي المتمثل في اغتصاب معظم إن لم يكن كل ما تعتبره أرض إسرائيل التوراتية.

لقد خلقت كلتا الأيديولوجيتين حلقة مفرغة من العنف وانعدام الثقة العميق، حيث عززت تصرفات كل جانب السرد الأيديولوجي للجانب الآخر. ويمكن أن تُعزى شدة وحجم هجوم حماس ورد إسرائيل بشكل أساسي إلى هذه المواقف الأيديولوجية العميقة على كلا الجانبين.

حماس منظمة إسلامية تنظر إلى كفاحها ضد إسرائيل من خلال عدسة دينية. وتجمع أيديولوجيتها بين القومية الفلسطينية والأصولية الإسلامية. ويؤكد ميثاقها اعتقادها بأن “أرض فلسطين وقف إسلامي مقدس للأجيال المسلمة القادمة إلى يوم القيامة… وأي إجراء يتعارض مع الشريعة الإسلامية في ما يتعلق بفلسطين باطل ولاغ”. وتستخدم حماس الخطاب الديني لتبرير العنف ضد إسرائيل، وتؤطره باعتباره “مقاومة” ضد الاحتلال والقمع. وتمجد حماس الاستشهاد والتضحية في القتال ضد إسرائيل، والتي كانت إلى حد كبير الدافع وراء العديد من المهاجمين في السابع من أكتوبر الذين تبرر معتقداتهم الدينية العنف وتشكل أهدافها على المدى الطويل.

بالنسبة إلى إسرائيل تؤثر المطالبات الدينية والتاريخية بالأرض على نهجها في التعامل مع الأمن والسيطرة الإقليمية. ويتأثر رد إسرائيل بالأيديولوجيا الدينية الصهيونية التي تؤكد على الحاجة إلى وطن يهودي آمن وعلى الحقوق التاريخية والدينية اليهودية في الأرض. وتستخدم آيات مثل سفر التكوين 17: 8 (NKJV)، “أعطي لك ولنسلك من بعدك الأرض التي أنت غريب فيها، كل أرض كنعان، ملكًا أبديًا؛ وسأكون لهم إله”، لتأكيد مثل هذه الادعاءات والمطالبات الدينية. وقد استخدم بعض القادة الإسرائيليين، بمن في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مراجع توراتية لتأطير الصراع، وشبهوا الفلسطينيين بأعداء إسرائيل القدامى.

لقد أدى الهجوم الذي وقع في عطلة يهودية (سيمخات توراه) إلى زيادة الشعور بالضعف والغضب بين الإسرائيليين، ما قد أدى إلى تكثيف الاستجابة. وقد أثار التوقيت مقارنات بحرب يوم الغفران عام 1973، والتي بدأت قبل 50 عامًا في 6 أكتوبر خلال عطلة يهودية مهمة أخرى واعتُبرت شنيعة ورمزية بشكل خاص.

لقد لعبت المعتقدات الدينية لكل من حماس وإسرائيل أدوارًا مهمة في تشكيل هجوم 7 أكتوبر والاستجابة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة، وإن كان ذلك بطرق مختلفة. لدى الجانبين انجذاب قوي إلى ما يعتبرانه أرضهما المقدسة، وخاصة القدس، موطن جبل الهيكل/الحرم الشريف – أقدس الأماكن لدى اليهود وثالث أقدس الأماكن لدى المسلمين. ومن وجهة نظرهما، يضيف البعد الديني حماسة تتجاوز النزاعات الإقليمية، ما يجعل التوصل إلى تسوية أمرا بالغ الصعوبة.

نزع الشرعية

iuo

إن أيديولوجيا حركة حماس ترفض بشكل أساسي حق إسرائيل في الوجود وتدعو إلى تدميرها، وهذا الموقف ينزع الشرعية عن إسرائيل كدولة وينزع الصفة الإنسانية عن الإسرائيليين من خلال مساواتهم بالغزاة الأشرار و”الكفار”، كما ورد في ميثاقها الأصلي. ومثل هذا الخطاب يجعل من السهل تبرير العنف ضد المدنيين. والواقع أن العنف الشديد واستهداف المدنيين أثناء هجوم حماس، بما في ذلك قتل الأطفال وكبار السن والاغتصاب والخطف، أظهرا نزع الصفة الإنسانية عن المدنيين الإسرائيليين بشكل واضح، وهو ما انعكس في تعليمات المهاجمين بقتل أكبر عدد ممكن من الناس وأسر أكبر عدد ممكن من الرهائن.

إن الرد العسكري الإسرائيلي العنيف الذي أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والدمار واسع النطاق في غزة يشيران إلى استعداد إسرائيل لإلحاق أضرار جانبية واسعة النطاق في ملاحقة حماس. ويؤشّر هذا النهج على درجة عالية من نزع الصفة الإنسانية عن المدنيين الفلسطينيين. وينظر العديد من الإسرائيليين إلى حماس باعتبارها منظمة إرهابية بحتة ليس لها أي ادعاءات أو مظالم مشروعة، في حين أطلق العديد من الإسرائيليين العاديين من اليمين المتطرف وبعض المسؤولين على أعضاء حماس وصف “حيوانات بشرية”.

لقد خلق الصراع طويل الأمد صدمات عميقة الجذور على كلا الجانبين، ما يجعل من الأسهل النظر إلى الآخر باعتباره عدوًا وليس مجرد إنسان. وقد تم استخدام نزع الشرعية المتبادلة عن الآخر ونزع صفته الإنسانية لتبرير أفعال كانت ستعتبر غير مقبولة لولا ذلك، وخلقت بيئة يمكن فيها تبرير العنف الشديد وتنفيذه.

وفي التحليل النهائي يجب على الجانبين أن يقبلا بأنه على الرغم من هذه العوائق النفسية لن يتمكن أي من الجانبين من اقتلاع الآخر، ليس الآن وليس في أي وقت قادم. ويتعين على الجانبين أن يعودا إلى رشدهما ويبدآ عملية مصالحة لتخفيف هذه العوائق والتحرك نحو التعايش السلمي. وإلا فإن الحرب المروعة الحالية لن تكون سوى فصل مأساوي آخر في تاريخ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وسوف تتكرر مرة أخرى مع الموت والدمار اللذين لا يمكن تصورهما. وأداة الاستفهام مرة أخرى لن تكون “هل” بل “متى”.

6