أمة تنزف والعالم يتفرّج: مأساة السودان يجب أن تنتهي

الحرب في السودان مأساوية لكن المأساة الأكبر هي أنه إذا سكت المجتمع الدولي ولم يحرك ساكنا فسيكون الثمن باهظا.
الاثنين 2025/04/28
المدنيون يدفعون فاتورة باهظة

بلغت الخسائر البشرية للحرب الأهلية السودانية التي دخلت عامها الثالث أبعادا كارثية مع انتشار المذابح والعنف ضد المدنيين. قُتل حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، 28.700 شخص، ونزح أكثر من 12 مليون شخص داخليا حتى أبريل 2025، وفرّ 3.3 مليون شخص إلى الدول المجاورة – تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا. وفي تشاد وحدها، 90 في المئة من اللاجئين السودانيين هم من النساء والأطفال.

اندلعت الحرب الأهلية السودانية مجددًا في عام وهي نتيجة عقود من التوترات العرقيّة والدينيّة والسياسيّة والمظالم التاريخية، تفاقمت بسبب صراع على السلطة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. فبعد الإطاحة بالدكتاتور عمر البشير في عام 2019، شكل قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان “حميدتي” دقلو حكومة انتقالية، لكنهما اختلفا بشأن دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية والانتقال إلى الحكم المدني. تصاعد رفض قوات الدعم السريع الخضوع لسلطة القوات المسلحة السودانية والنزاعات حول السيطرة على الموارد، وخاصة الذهب، إلى حرب مفتوحة في أبريل 2023.

الإرث الاستعماري للسودان خلق حدودًا تعسفية تجاهلت الانقسامات العرقية والثقافية، مما أدى إلى تهميش المناطق غير العربية مثل دارفور وجنوب السودان

خلق الإرث الاستعماري للسودان حدودًا تعسفية تجاهلت الانقسامات العرقية والثقافية، مما أدى إلى تهميش المناطق غير العربية مثل دارفور وجنوب السودان. فرضت حكومات ما بعد الاستقلال في الخرطوم الشريعة الإسلامية على السكان غير المسلمين، مما أثار استياءً عميقًا.

علاوة على ذلك، سادت تفاوتات اقتصادية بين النخب الشمالية ذات الأغلبية العربية والمسلمة، التي سيطرت تاريخيًا على الثروة والموارد، والمناطق الجنوبية والغربية ذات الأديان الأفريقية والمسيحية واجهت نهب مواردها وإهمالها على مرّ السنين. أصبحت المناطق الغنية بالنفط، مثل دارفور وكردفان، نقطة تحول في الصراع على التوزيع العادل للموارد وغياب الشفافية في توزيع الإيرادات الناتجة عن بيع الذهب والنفط.

تريد القوات المسلحة السودانية الاحتفاظ بالسيطرة على الدولة السودانية والجهاز العسكري وقد قاومت مطالب قوات الدعم السريع بالحكم الذاتي أو تقاسم السلطة، معتبرةً إياها جماعة شبه عسكرية مارقة. وتسعى قوات الدعم السريع إلى تأمين الشرعية السياسية ومأسسة نفوذها من خلال حكومة موازية والاحتفاظ بالسيطرة على الأراضي الغنية بالموارد المربحة. وبغض النظر عن الرواية التاريخية والمظالم المستمرة منذ عقود، فإن الفظائع المرتكبة ضد المدنيين الأبرياء، وخاصة النساء والأطفال، تتحدى الوعي الإنساني في جوهره.

ارتكب كلا الطرفين مجازر وإعدامات استهدفت المدنيين. ففي يناير، أعدم أفراد من القوات المسلحة السودانية ما لا يقل عن 18 شخصا في الخرطوم، معظمهم من دارفور أو كردفان، وانتشر مقطع فيديو يُظهر أفرادا من القوات المسلحة السودانية وهم يقرؤون قائمة بأسماء أشخاص يُزعم تعاونهم مع قوات الدعم السريع، مع كتابة كلمة “قُتل” بعد كل اسم. وأكد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فولكر تورك، أن مثل هذه الأفعال تُعدّ جرائم حرب ويجب عدم جعلها أمرا طبيعيّا. وقال تورك “إن قتل مدني عمدًا أو أي شخص لا يشارك أو كفّ عن المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية، يُعدّ جريمة حرب.”

لا شيء يُبرّر أو يُفسّر الفظائع التي تُرتكب يوميًا والتي تُثير الرعب في قلب كل إنسان شريف.

وضع معيشي مزري

يحتاج أكثر من 30 مليون شخص في السودان إلى مساعدات إنسانية، منهم أكثر من 15 مليون طفل؛ ويعاني ما لا يقل عن 635 ألف سوداني من المجاعة. وقد وصف رئيس المجلس النرويجي للاجئين يان إيجلاند، تخفيضات إدارة ترامب للمساعدات بأنها “فشل أخلاقي.” واضطر أكثر من 300 مطعم خيري كانت تتلقى تمويلًا أميركيًا إلى الإغلاق في غضون أيام من تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وتتفشى الأمراض، حيث يتعرض 3.4 مليون طفل لخطر الإصابة بالأمراض الوبائية.

وكما أفاد فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالأطفال والنزاعات المسلحة في ديسمبر 2024، فإن كلا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تجند قُصرًا لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات، بما في ذلك في أدوار قتالية. وقد أيّد هذه النتائج المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام واللجنة الدولية للصليب الأحمر. يعاني الأطفال أيضًا من أشد انتهاكات العنف الجنسي، حيث سُجِّل 221 بلاغا عن اغتصاب أطفال في عام 2024.

أدى فشل المجتمع الدولي في الحد من تدفق الأسلحة أو فرض وقف إطلاق النار إلى تفاقم المعاناة، تاركًا المدنيين السودانيين محاصرين فيما تُسميه الأمم المتحدة “أكبر أزمة إنسانية في العالم.”

يتمتع كلا الجانبين بدعم خارجي، الأمر الذي يُطيل أمد الصراع. أدت هذه الانقسامات إلى فشل محادثات السلام في جدة أواخر عام 2023 بسبب انعدام الثقة المتبادل وتضارب المصالح الإقليمية. وقد ينتهي الأمر بالقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى إقامة دولتين مقسمتين بحكم الأمر الواقع، مما سيزيد من ترسيخ الصراع.

يجب على المجتمع الدولي التحرك الآن وفورًا لوقف القتال وإنقاذ أرواح أعداد لا تُحصى من الناس الذين وقعوا ضحايا لجنرالين متحاربين فاسدين، تتجاوز شهوتهما للسلطة بكثير حياة الجموع، وخاصة النساء والأطفال، الذين يُقتلون ويُشردون ويموتون جوعًا.

استضافت في 15 أبريل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي مؤتمر لندن بشأن السودان الذي جمع وزراء خارجية وممثلين رفيعي المستوى لإيجاد حل للحرب. وقد دعت الدول المشاركة عن حق إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار وإنهاء التدخل الخارجي وتجديد الالتزام بوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه. كما أكدت على أهمية التفاوض على تسوية تُفضي إلى حكومة بقيادة مدنية وشددت على ضرورة حماية المدنيين وتنسيق المساعدات الإنسانية الدولية، ورفضت رفضًا قاطعًا أي جهد لإنشاء حكومتين موازيتين أو تقسيم البلاد.

وعلى الرغم من حسن نيّة تصريحاتهم وضرورتها، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى ما يجب فعله فورًا لإنهاء هذه المذبحة والدمار البشع. في الواقع، حال الخلاف بين الدول العربية الرئيسية، وخاصة تلك التي تدخلت على جانبي الصراع، وبين الرؤساء المشاركين، دون أي مزيد من التنازل أو التوافق بشأن إنهاء الحرب. وللأسف، قد يتحوّل المؤتمر إلى جولة أخرى من الخطابات العبثية ما لم تُتخذ إجراءات ملموسة دون تأخير.

وضع معيشي مزري

يجب على المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والأمم المتحدة قيادة الجهود لإنهاء الحرب من خلال اتخاذ وتطبيق التدابير التالية:

تشكيل حكومة انتقالية: هناك حاجة إلى حلّ سياسي طويل الأمد ومقبول من الطرفين لمنع الحروب المستقبلية التي عصفت بالسودان لعقود. ولتحقيق هذه الغاية، يُعد تشكيل حكومة مدنية أمرًا بالغ الأهمية لعزلها عن الهيمنة العسكرية، هذا مع منح الحكم الذاتي لمناطق مثل دارفور، الأمر الذي يتطلب حلولًا وسطًا وتكاملًا أمنيًا بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية تحت قيادة واحدة.

نشر قوة حفظ سلام دولية: يجب على المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا رعاية قرار يُفوض قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة تضمّ دول الاتحاد الأفريقي – إلى جانب المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا – للقيام بدور إشرافي وتدريبي لحماية المدنيين وردع الهجمات على المدنيين وتأمين الممرات الإنسانية ورصد انتهاكات وقف إطلاق النار وفرض الامتثال لهذه الإجراءات.

ينبغي على هذه الدول فرض حظر شامل على توريد الأسلحة مع حشد دول أخرى لممارسة ضغط دولي.

يجب عليها الاستفادة من تقديم مساعداتها للمطالبة بوصول إنساني غير مقيّد لها، بما في ذلك السماح بإيصال المساعدات عبر خطوط التماس مع دعم المستجيبين المحليين لحالات الطوارئ.

تحتاج هذه الدول إلى ضمان أن تشمل أي عملية سلام منظمات المجتمع المدني وتمول المنظمات الشعبية وتدعم وسائل الإعلام المستقلة لمواجهة التضليل وخطاب الكراهية.

وينبغي عليها تقديم مساعدة فنية ومالية موحّدة للمساعدة في تنفيذ أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه بوساطة.

لقد عانى الشعب السوداني من موتٍ ودمارٍ وتشردٍ ومرضٍ بشكل ٍلا يوصف. على الوسطاء أن يتذكروا أن التاريخ سيُعيد نفسه ما لم يُعالج الاتفاق بين الأطراف المتحاربة الانقسامات الجذرية في السودان وعدم المساواة والفوارق العرقية وليس مجرد إسكات البنادق.

7