ملتقى الشارقة الدولي للراوي يستحضر حكايات الطيور في المخيال الشعبي

ضيوف الملتقى يدعون إلى تدوين التراث ومفرداته.
الاثنين 2024/09/23
التمسك بالتراث الثقافي تمسك بالهوية

قدم "ملتقى الشارقة الدولي للراوي 2024" الذي ينظمه معهد الشارقة للتراث بمقره، فعالياته ما بين جلسات حوارية ومعارض وورش عمل. وقد اهتم في دورته الجديدة بـ"حكايات الطيور" إذ تحضر الطيور في الأدب والمخيال الشعبيين بكثافة وبطرق متنوعة وهو ما جعلها عنصرا أساسيا من عناصر التراث الحكائي.

اختتمت الأحد فعاليات الدورة  الـ24 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي، والتي انطلقت في الثامن عشر من شهر سبتمبر الجاري، بمشاركة 145 راويا وخبيرا وباحثا ينتمون إلى أكثر من 32 دولة.

الملتقى الذي يُنظمه سنويا معهد الشارقة للتراث، وحمل هذا العام شعار “حكايات الطيور”، واصل نجاحاته في الإضاءة على دور الرواة في حماية الموروث الشعبي الإماراتي والعربي والإنساني، وقدم مجموعة كبيرة من الإصدارات التي دارت في فلك حكايات الطيور وحضورها في التراث.

بحسب قول رئيس معهد الشارقة للتراث، ورئيس اللجنة العليا للملتقى، الدكتور عبدالعزيز المسلّم، فإن الملتقى عبر مختلف دوراته، استطاع أن يكون بمثابة “منصة لاستعراض ثراء وتنوع الثقافة الشعبية وأهمية التراث الشفهي في حفظ الهوية الوطنية والثقافية. وأصبح قِبلة يؤمها حملة التراث الشعبي من كل حدب”.

الطيور في الثقافة

وكان الملتقى قد اختار في دورته هذا العام دولة موريتانيا لتكون ضيف شرف هذه الدورة، فيما اختير الدكتور موسى ولد أبنو الشخصية الفخرية والراوي الراحل يحي ولد الراجل الشخصية الاعتبارية، مع الإضاءة على التراث الحكائي الموريتاني.

وقالت عائشة الحصان الشامسي، مديرة مركز التراث العربي التابع للمعهد، إن اختيار “حكايات الطيور” لتكون العنوان الرئيسي لفعاليات هذه الدورة من الملتقى، جاء لما تمثله الطيور من رمزية وحضور في مختلف الثقافات والحضارات، لافتة إلى أن الملتقى يهدف إلى صون التراث الشفهي وحفظه ونقله إلى الأجيال جيلا بعد جيل.

إلى ذلك أشاد متخصصون وباحثون في الشأن التراثي الموريتاني بدعم الشارقة لموريتانيا – ضيف شرف الدورة الحالية لملتقى الشارقة الدُولي للراوي 24 – معتبرين أن هذا الدعم يرسي أواصر المحبة والأخوة، ويعزز مجالات التبادل الثقافي والمعرفي، ويدفع باتجاه استدامة رعاية علوم وثقافة وتراث العرب ونقله بين الأجيال.

◄ البرنامج الفكري للملتقى، احتفى بالمعارف الشعبية وحملة الموروث الثقافي وحكايات الطيور عبر مشاركات جادة سعت لاكتشاف كنوز التراث ومكنوناته

كانت الجلسة الرئيسية من البرنامج العلمي بعنوان “دراسة الطيور بين الشفاهية والمكتوب”، بمشاركة الدكتور عبدالعزيز المسلّم ومجموعة من المتخصصين وإدارة الباحث الدكتور حمد بن صراي.

وقال المسلّم في ورقته “إن الكثير من التراث، والمفردات، يضيع إذا لم يدون، وقد قام المعهد بإثراء المكتبة الوطنية بالأبحاث والدراسات التراثية العامة، والتراث الثقافي للطيور بشكل خاص. ولديه الكثير من الخطوات التي ترسخ أصالة الموروث، انطلق بها من الطفولة، حيث خصص فعاليات عدة للتعريف بالتراث الشعبي والمفردات الشعبية، لإيمان المعهد بأن التمسك بالتراث الثقافي هو جزء أصيل وحي من التمسك بالهوية الوطنية”.

وتحدث حمد الحميري، مدير إدارة البحوث والخدمات المعرفية في الأرشيف والمكتبة الوطنية الإماراتي، عن دور الأرشيف والمكتبة الوطنية في حفظ تراث الطيور في الإمارات، قائلا “إن الطير رمز عظيم من رموز الدولة، والصقر خير مثال على ذلك. وكان الشيخ زايد الداعم الأول لهذا التراث منذ البدايات، ولاسيما إقامة مؤتمر البيزرة الأول في أبوظبي عام 1976. وقد سُمي في مهرجان الصداقة لأن حب الصقر يجمع الكثير من الشعوب، فكانت هذه فرصة لجمعهم ولقائهم في أجواء من المحبة في بلد المحبة والسلام”.

وبينت فاطمة المنصوري، مديرة مركز زايد للدراسات والبحوث بنادي تراث الإمارات، أن الطيور تشكل ثقلا معرفيا وتاريخيا واقتصاديا، ولها اهتمام كبير في دولة الإمارات. وقد انعكس ذلك في جهودها بتسجيل رياضة الصيد بالصقور في التراث العالمي لليونسكو بعد محاولات طويلة بذلتها في هذا المجال.

أما الباحث الإماراتي جمعة بن ثالث، فقد تحدث عن ببليوغرافيا الطير في المكتبة التراثية العربية، وبين أن للطيور فوائد عظيمة في تحديد بداية المواسم ونهاياتها، والإشارة إلى وجود الرياح والأمطار، وظهور نجم معين. وقد تصدر الطيور بعض الأصوات خلال هجرتها في الليل لإرشاد بقية الطيور إليها، مبينا أن هناك طيورا برية وأخرى بحرية وأخرى تعيش في البيوت، ولكل منها دور وتأثير وحضور في حياة الإنسان عبر العصور، لذلك تستحق كل الاهتمام والرعاية.

واختتم الدكتور عيسى صالح الحمادي، مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالشارقة، الجلسة بالحديث عن تصورات الطير في التراث اللغوي العربي، منطلقا من قصص “كليلة ودمنة” التي تحمل الكثير من القيم والرسائل الموجهة لمختلف شرائح المجتمع. ودعا إلى ضرورة تأليف المزيد من الكتب والدراسات في مجال الطير في الأدب والشعر العربي والإماراتي لسد الفراغ الحاصل في هذا المجال، بما يمكن ربط الأدب الماضي بالأدب الحاضر كحلقة وصل بين الأجيال.

خلال أمسية “حكايات الطيور في المخيال الشعبي الإماراتي” التي أقيمت على هامش الملتقى، اتفق الحاضرون على أن الإنسان الإماراتي منح الطيور عبر العصور مكانتها المستحقة احتضانا ورعاية، وامتد ذلك إلى أدبه وتراثه الشعبي. وصارت العناية بالطيور وتهيئة البيئات الآمنة لها من الوصايا المهمة التي تتناقلها الأجيال على أرض الإمارات.

وقال المسلّم في ورقته “حكايات الطيور والكائنات الخرافية المحلقة”، “إن للطير في الإمارات رمزية محددة، فالحمام يرمز للمسالمة، والصقر للشجاعة، والغراب للمرشد في الدفن، والنورس يُطمئن بالوصول إلى الساحل، والحمام يدل على البراءة والطيبة والأمان”. ثم ذكر أمثلة لعدد من القصص الشعبية المحلية المتداولة، مبينا أهمية وضرورة الإسراع في تدوين أدق التفاصيل التراثية للحفاظ عليها من الاندثار والضياع، ومؤكدا أن هذا العمل مسؤولية الجميع ولا يتوقف على شخص معين أو جهة محددة.

وفي ورقته المعنونة بـ”أسطورة الهدهد في تراثنا الشعبي”، تحدث الدكتور راشد المزروعي عن صورة هذا الطائر الفريد في تراثات الشعوب، مبينا أن حضوره الأقوى كان في الثقافة الإسلامية، ومنها قصته المعروفة مع النبي سليمان في القرآن الكريم، بالإضافة إلى حضوره المؤثر في التراث الشعبي المحلي.

◄ الملتقى عبر مختلف دوراته استطاع أن يكون بمثابة منصة لاستعراض ثراء وتنوع الثقافة الشعبية وأهمية التراث الشفهي

كما تطرق إلى ذكر الهدهد في الأمثال الشعبية، وأشار إلى المثل المحلي المعروف “هذه ضيافة هدهد” للدلالة على قلة الجود في الضيافة.

وتحدثت فاطمة المغني عن “رمزية الطير في الحكايات والمعتقدات الشعبية الإماراتية”، مبينة أن جميع رموز الحب والجمال والبهجة، وحتى الشؤم والحزن والخبر اليقين، تأتي من الطيور. وشرحت بعض هذه الرموز، ذاكرة أمثلة عن علاقة الغراب بقدوم ضيف، وعلاقة الدجاجة بالطمع، وعلاقة الحمامة بالسلامة، وغير ذلك.

وأشارت الدكتورة بديعة الهاشمي في ورقتها “الطير في الحكايات الشعبية الإماراتية” إلى أن اختيار الطيور في المخيال الشعبي له علاقة بنوع الرواية ومدى كونها فاعلة في السرديات. وذكرت أن الأدب الشعبي يعطي للطيور حكايات متناقضة؛ فتارة يجعلها علامة للأحزان، وتارة للأفراح، وأخرى للكره أو المحبة. وقد توسع الخيال حتى ساق قصصا شعبية عن تحول الإنسان إلى طير بسبب فعل خاطئ أو سحر وقع عليه.

وحول “عالم الطيور في الخرافات والحكايات الشعبية”، تحدثت الدكتورة هند السعيدي عن كيف جذب عالم الطيور الإنسان منذ القدم، بما يحمله من شكل وصوت وفوائد أثرت في حياته. وشرحت عددا من الأساطير التي تميزت بها المعتقدات حول العالم، مبينة أن الاهتمام بالطيور انعكس في تناول معظم ما له علاقة بها، كالأجنحة والريش والأعشاش والبيض. وتطرقت أيضا إلى الحديث بين الطيور والإنسان، وأخرى تحدثت عن الشخصيات البشرية التي تتحول إلى طيور.

فعاليات متنوعة

وضمن فعاليات الملتقى، أبدع مسرح القاهرة للعرائس في تقديم المسرحية الفنية التراثية المصرية “الليلة الكبيرة”، حيث نالت المسرحية إعجاب الجمهور الغفير من مختلف الفئات العمرية، بعد عرض الفقرات المتنوعة التي صورت جوانب متعددة من تاريخ مصر الاجتماعي بأسلوب فني محترف وجميل.

وفي هذه المناسبة، قال الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية ومقرر لجنة التراث الثقافي غير المادي في المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، “يمثل هذا العرض فرصة لاستذكار الزمن الجميل، رغم أنه لا يزال يؤثر في أطفال اليوم. تجد في هذا العرض مختلف عناصر الثقافة الشعبية مثل الآلات الموسيقية، والملابس التقليدية، والمهن القديمة، والحكايات، والأمثال، والقصص، وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية القديمة بصورة قريبة”.

وأضاف شبانة “الليلة الكبيرة عمل تراثي بكل المعايير، وقد دخل في الملكية التراثية الإنسانية بعد مرور أكثر من 63 عاما على عرضه الأول. نشكر معهد الشارقة للتراث على هذه الدعوة، ونحن سعداء بالحضور هنا في الشارقة، لما تمثله لنا من مكانة كبيرة ومحبة عميقة بين أدباء ومثقفي وفناني مصر”.

◄ اختيار "حكايات الطيور" عنوانا رئيسيا لهذه الدورة جاء لما تمثله الطيور من رمزية وحضور في مختلف الثقافات والحضارات

وكانت قاعات ‏ومرافق معهد الشارقة للتراث، قد تزينت خلال الأيام الماضية بالعديد من الصور التراثية والمجسمات التي تنسجم مع ‏موضوع الدورة الحالية لملتقى الشارقة الدُولي للراوي بدورته الـ24.

حيث حرص المعهد على تزويد أرض الفعاليات بأجواء تراثية ‏تتجاوز الزمان والمكان الحاضرين، لتكون فرصة تستنطق الماضي وتقدم مجموعة من الصور الشعبية عبر الألحان والكلمات والقصائد المحلية والخليجية التي تفاعل معها جمهور الملتقى. وكان هذا من نصيب فرقة زينة الشارقة للفنون ‏الخليجية التي تشارك ضمن برنامج “كرنفال الراوي”.

‏وعن هذه المشاركة، قال علي خميس السويدي، مدير فرقة زينة الشارقة للفنون التراثية الخليجية، “نحن فرقة تراثية يتدفق التراث في عروقنا كما يتدفق الدم، ونعيش معه متجاوزين المرحلة الزمنية الحالية، فنحرص على تصوير أنواع الفنون ‏الغنائية التي نقدمها كي نكون قادرين على أداء الرسالة التي تحملها عبر العصور والأجيال. نحن فخورون بأن تسمية الفرقة أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الداعم الأول للتراث في الإمارات العزيزة، وهي مسؤولية كبيرة ‏نحرص على أن نكون جديرين بها”.

يُذكر أن البرنامج الفكري للملتقى، احتفى هذا العام بالمعارف الشعبية وحملة الموروث الثقافي وحكايات الطيور عبر مشاركات جادة سعت لاكتشاف كنوز التراث ومكنوناته، إضافة إلى إقامة 37 ورشة وفعاليات وأنشطة أخرى متنوعة دارت جميعها في فلك حكايات الطيور، وذلك بمشاركة مجموعة كبيرة من الدول العربية والأجنبية بينها: اليمن، السودان، كينيا، النمسا، جزر القمر، البحرين، الأردن، العراق، تركيا، إنجلترا، الكاميرون، السعودية، فلسطين، مصر، قيرغيزستان، أسكتلندا، عُمان، سوريا، تونس، إيطاليا، فنلندا، الكويت، المغرب، الجزائر، إسبانيا، سريلانكا، قطر، موريتانيا، الصين، أستراليا والهند، بجانب دولة الإمارات العربية المتحدة.

13