معلقة صوتية سورية تتخطى بصوتها الحدود

بات التعليق الصوتي فنا مستقلا وأداة ثقافية هامة علاوة على انه أداة تجارية يمكن استعمالها في الإعلان والترويج وغيره. وبتنا نجد الكتب الصوتية والأعمال السينمائية والدرامية المدبلجة بأصوات أخرى وغيرها من الأعمال التي يدخل فيها فن التعليق الصوتي. “ألعرب” كان لها هذا الحوار مع المعلقة الصوتية السورية مزنة الخن حول فن التعليق وتجربتها فيه.
في عالم الإعلام والصوت، تبرز أصوات تأسر القلوب وتأخذنا إلى عوالم جديدة من خلال كلماتها. وبينما يتزايد استخدام الصوت كوسيلة للتواصل والإلهام والتثقيف، من بين من يتصدر المشهد صوت عربي رائد، استطاعت صاحبته أن تحجز لنفسها مكانة فريدة في قلوب المستمعين عبر العالم العربي.
انها المعلقة الصوتية السورية مزنة الخن الأولى عربياً، التي أثرت في متلقيها بسحر صوتها في مجالات عدة، من التعليق على الأحداث الرياضية إلى البرامج الوثائقية والإعلانات. صوتها ليس مجرد أداة، بل هو قوة تعبيرية تحمل رسائل عميقة وتصل إلى أعمق المشاعر.
الموهبة والتتويج
الخامة هي جزء من الأداء الصوتي بالإضافة إلى أجزاء أخرى مثل اللغة الصحيحة والنطق السليم ولكنها ليست كل شيء
عن بدايتها وقصتها مع التعليق الصوتي تبيّن مزنة الخن أن نيّتها لم تكن في البدايات إلا ممارسة موهبة وشغف، ليتحول الأمر إلى مهنة ومصدر دخل، فبعد حضورها لعدة تدريبات ضمن دورة تدريبية متواضعة في دمشق في صيف 2019، تطور الأمر بها سريعا للقيام بملف تجاري تعريفي بسيط وهوية بصرية ووضع سياسة تسعير ودراسة تسويقية، فقامت بحملة ترويج شخصية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي استمرت لعدة شهور، واستهدفت العديد من الزبائن والشركات المحتملة بشكل مكثّف ويومي.
وتضيف “كما ذكرت علناً أمام البيئة الاجتماعية المحيطة بأنني بدأت مهنتي كـ‘معلقة صوتية‘ بدءا من العائلة وانتهاء بالمعارف والأصدقاء على أرض الواقع، لأحصل بعدها على أول مشروع حقيقي. كانت ‘الجودة‘ هي السر وراء تحصيلي لمشاريع حقيقية بعد شهرين فقط من التدريب، فكنت أدفع رسوم إيجار استديو احترافي من ميزانيتي الشخصية”.
وتتابع “بمعنى آخر، جميع أرباحي في تلك الفترة تم دفعها كتكاليف مقابل التسجيل في استديو مختص، ثم تتالت المشاريع والأرباح لأتوّج ذلك بشرائي لعدة صوتية خاصّة بي، وهنا تطوّرت الأمور بشكل متسارع كوني قمت بتسريع عملية الإنتاج، ومنه زاد عدد المشاريع المنفذة كما وارتفع سعر تنفيذي للمشاريع الصوتية المطلوبة، وبعد ذلك مررت بعدة مراحل تطورت بها بشكل ملحوظ، فقدمت العديد من الورشات لمساعدة الأشخاص في بدء عملهم الحر، كما أصبحت مقدمة فعاليات ومتحدثة في مؤتمرات، وغيرها”.
تذكر الخن أنها حصلت على لقب أفضل معلق صوتي عربي في مسابقة عالمية شارك فيها أكثر من 200 عمل صوتي، من عروض وكالات إعلانية وعروض بودكاست ووجوه إعلامية، شهيرة ولها اسم في مجال التعليق الصوتي المحلي والعربي، هذه هي الحصيلة المرحلية بعد أكثر من خمس سنوات على بدأ رحلتي في هذا الفن.
تسألها “العرب” هل أي شخص يمكن أن يكون معلقا صوتيا؟ فتجيبنا “لا يوجد صوت يصلح أو لا يصلح، جميع الأصوات تصلح، وكل صوت له استخدام بمجال معيّن، وبالفعل هناك أصوات قد تكون غير مرغوبة، لكن يمكن توظيفها بمجال صوتي معين، عملياً، التعليق الصوتي هو التحدّث بشكل واضح ليعكس معنى وهدف النص المقروء، وهذه المهمة ليست اختراعاً أو حكراً على حنجرة بشرية ما، بل هي مهمة من الممكن احترافها باحتراف جميع العوامل التي تؤدي لذلك، مثل تعلم النطق الصحيح، التنفس السليم، إبراز المشاعر والأحاسيس، وغيرها”.
وتتابع “بشكل عام، هذا السؤال يشكل جدلاً واسعاً في جميع المجالات الفنية فلا يمكن الحسم فيه، إذ توجد ثلاثة فرق بشكل عام: الفريق الأول يقول إن الموهبة الفطرية هي الأساس والتدريب هو مجرد صقل بسيط لتلك الهبة للوصول إلى الاحترافية. والثاني يرى أن التدريب المستمر والصحيح سيعطي نفس نتيجة الموهبة، والموهبة الفطرية مجرد تسريع لعملية الوصول إلى الاحترافية، بل إن هناك موهبة بدون تدريب والتي تعد بلا فائدة. أما الثالث فيقر بأن الموهبة والتدريب هما بنفس الوزن والأساس في الوصول إلى الاحترافية والمضي بالمجال الفني بشكل متساو”.
عمليا التعليق الصوتي هو التحدث بشكل واضح ليعكس معنى وهدف النص المقروء ولكن فيه جانب الموهبة والتدرب
وتواصل الخن “أنا أقول وحسب رأيي الشخصي أن اختلاف أصواتنا هو السر الأعظم في مجال فن الأداء الصوتي، ولو تخيّلنا أن جميع التعليقات الصوتية بصفة أو بصمة صوتية واحدة فسيكون هذا الأمر مملا للغاية، فلكل شخصية صوت، ولكل صوت شخصية يدل عليها، والتدريب هو جزء لا يتجزأ من أي مجال في الحياة وهذا الذي يقود أي شخص ليتكلم بشكل احترافي سواء امتهن مهنة التعليق الصوتي أم لا، إلّا أن الموهبة الفطرية من الممكن – خطان تحت من الممكن – أن تعطي طابعا ‘مميّزا للمؤدي الصوتي”.
وعن الجائزة التي توجت بها عام 2022 وحصولها على مركز أفضل معلق صوتي عربي في المسابقة العالمية لفنون علوم الصوت، تقول “مسابقة Voice Arts Award، هي مسابقة سنوية تقام في الولايات المتحدة الأميركية لتكريم المتميزين في مجال فنون الإلقاء والتمثيل الصوتي. يشارك بها الكثير من العاملين في مجال الفن أو الإنتاج الصوتي حول العالم، بهدف الحصول على اللقب وليس المال. وكأي مسابقة تتعلق بالألقاب فالمشاركة بمسابقة voice arts awards مدفوعة وبشروط معينة، هذه المسابقة تنظمها جمعية فنون وعلوم الصوت sovas وهي اختصار لـ‘Society of Voice Arts and Sciences‘ وهي منظمة مهنية غير ربحية تأسست عام 2013 تهدف إلى الارتقاء بمهنة الأداء الصوتي والحفاظ على معايير الجودة في هذا المجال”.
وتتابع “يتم اختيار الفائزين من قبل لجان تحكيم مؤلفة من خبراء في هذا المجال وذلك ضمن حفل توزيع الجوائز في أميركا سنويا، وعلى الهامش، توجد جوائز إضافية غير متعلقة بالأداء، مثل الجوائز المتعلقة بالإنتاج الصوتي، كجائزة أفضل مهندس صوت، أو جوائز تتعلق بالبرامج الصوتية مثل جائزة أفضل سلسلة بودكاست”.
وتضيف “مشاركتي في المسابقة، كانت في أواخر شهر يونيو عام 2022، وخلال الأيام الأخيرة المتاحة للالتحاق بالمسابقة وبعد محاولة إقناعي من أكثر من شخص، اقتنعت أنني سأرفع عملا من أعمالي الرسمية كمحاولة للمشاركة في المسابقة، مع أنني كنت متأكدة وبنسبة مئة في المئة أنها مجرد ضربة حظ، لأنني لا أتمتع بسنين خبرة طويلة، وقبل إغلاق استمارة التسجيل بـ24 ساعة، وجدت عملا رسميا قمت بتسجيله مؤخراً، وفعلاً كان من أعمالي الصوتية القوية والمميزة وهو عبارة عن تعليق صوتي كراوية عن إنجازات مؤسسة مهمة تمت إذاعته خلال فعالية عالمية في تركيا، وبعد شهرين تم الإعلان عن ترشحي لجائزة أفضل معلق صوتي عربي مع خمس مشاركات منافسة في نفس الفئة، وكانت فئتي تملك أكبر عدد مرشحين من بين باقي الفئات، يعني احتمالية الفوز أصعب”.
وتواصل الخن “يوم 19 ديسمبر عام 2022 وصلتني رسالة من الأستاذ وائل حبال –سفير الصوت العربي للمسابقة- يقول فيها: ‘مبروك مزنة ربحتي الجائزة‘، وبعد هذه الجائزة تغير أسلوبي باتخاذ القرارات أكثر من مجرد مشاعر سعادة الفوز والتتويج. ويوما بعد يوم، بدأت نتائج الفوز بالظهور. فتمت استضافتي في حلقة لبرنامج إذاعي مشهور محليا عبر الراديو، وببرنامج شبابي تلفزيوني معروف على قناة عربية. بالإضافة لذلك والأهم اندمجت بالمجتمع الصوتي الاحترافي أكثر، سواء على صعيد الفنانين الخبراء أو المحكمين أو حتى شركات الإنتاج. وبالطبع زاد ذلك من قوة علامتي الشخصية التجارية، كما وزادت عروض المشاريع ومنها الأرباح”.
صوت صداه العالم
حول سر نجاح المعلق الصوتي هل هو بالأداء أم بخامة الصوت، تقول المعلقة السورية “يجب توضيح العلاقة بينهما، خامة الصوت معناها هو طبيعة الصوت الذي نتكلم به بدون إجراء أي تعديل أو تمثيل، وهذا الأمر هو أحد أجزاء الأداء، فالخامة هي جزء من الأداء الصوتي بالإضافة إلى أجزاء أخرى مثل اللغة الصحيحة والنطق السليم، والنجاح والتميز في الأداء الصوتي لا يتطلب خامة من نوع معين (مثل أن تكون خامة الصوت منخفضة bass وهي الخامة التي يُعتقد أنها الأجمل دائماً) وإنما يتطلب كلمة واحدة وهي ‘التوظيف‘، توظيف خامة أو طبيعة الصوت في نوع معين من الأداء، وبالطبع خامة أي صوت قد تُوظّف في أكثر من نوع أداء، وليس شرطا أن يكون نوعاً واحداً، ولمعرفة ذلك يحبذ أن يقوم المعلق الصوتي بالبدايات باكتشاف خامته من خلال التجريب والتسجيل والاستماع وطلب التقييم لمعرفة النقاط الارتكازية في صوته ليصل بها إلى النجاح الحقيقي في هذا المجال”.
وعن انتقالها من تخصصها الأكاديمي إلى عالم الصوت والدوبلاج، تقول “في سياق خلفيتي الأكاديمية في الهندسة المعلوماتية باختصاص هندسة البرمجيات ونظم المعلومات، فهذا لم يكن في الواقع انتقالًا من اختصاص إلى آخر، بقدر ما كان توظيفًا لمعارفي ومهاراتي في سياق مختلف. هناك مفهوم شائع ولكنه غير دقيق في المجتمع يقول إن على الشخص العمل فقط ضمن إطار مناصب بمسميات محددة بسبب اسم تخصصه، لكنني أرى أن العلم والمعرفة والشهادات الأكاديمية هي القاعدة الصلبة التي يمكن الانطلاق منها إلى أي نشاط عملي”.
لا يوجد صوت يصلح أو لا يصلح، جميع الأصوات تصلح، وكل صوت له استخدام بمجال معيّن، وبالفعل هناك أصوات قد تكون غير مرغوبة، لكن يمكن توظيفها بمجال صوتي معي
وتضيف “على وجه الخصوص فهندسة البرمجيات، ليست مجرد برمجة وتصميم نظم برمجية، بل هي مجموعة من المفاهيم والمهارات في التفكير المنظم، إدارة الموارد، والتنظيم، وحل المشكلات. هذه المهارات هي التي مكنتني من دخول عالم الصوت والتعليق الصوتي بثقة وإبداع كنشاط وظيفي وليس فقط هواية وشغفا. بالإضافة إلى ذلك، دعمتني هندسة المعلوماتية بشكل كبير جدًا في سرعة التعلم والتأقلم مع التقنيات الجديدة والأدوات عبر العمل على الشبكة، وهو ما يعتبر أمرًا بالغ الأهمية في عصرنا الرقمي حيث تتغير الأدوات والمنصات بشكل مستمر”.
وبسؤالها عن طموحها الشخصي والعملي، تجيبنا الخن “الحلم الأكبر، أن أكون قدوة بصفتي أنثى استطاعت تأسيس عمل فني متميز وراق، وأن أكون رائدة مؤثرة بشكل إيجابي على حياة الآخرين من خلال إظهار تجاربي والحديث عنها من باب التشجيع ودب الأمل، ومن خلال القيام بالكثير من المشاريع الاجتماعية أو حتى التجارية التي تفيد البشرية وتطورها”.
وتتابع “على وجه الخصوص أحب أن أكون يوماً ما محط استشارة لمساعدة أي شخص يريد أن يبني شيئا مفيدا في حياته المهنية، أما فيما يخص التعليق الصوتي وانطلاقاً من شعاري الخاص ‘صوت صداه العالم‘، فالحلم الأول هو أن أكون من بين الأصوات النسائية الرائدة والمميزة في هذا المجال، وأن يصل صوتي إلى جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى ذلك، أطمح لزيادة وضخ إنتاج المحتوى باللغة العربية الفصحى عبر الإنترنت، وأرغب في تشجيع الناس على الاستماع إلى هذه اللغة الجميلة في مختلف المنتجات الصوتية، بغض النظر عن هدفها. أؤمن بأن العربية الفصحى يجب أن تكون جزءًا من حياة الناس اليومية، وأسعى للمساهمة في تعزيز وجودها عبر الشبكة”.
وعن أعمالها وتعليقاتها الصوتية تقول “بحصيلة أعمال تجاوزت الـ200 مشروع صوتي حول العالم، أبرز أعمالي والتي أود ذكرها هي: الفيلم السنوي لمؤسسة منتدى الشرق (العمل الحاصلة به على جائزة أفضل معلق صوتي عربي عن فئة الراوي المتميز في الإنترنت أو التلفزيون أو السينما في مسابقة voice arts awards عام 2022) والأفلام الوثائقية ‘التغير المناخي في سوريا‘ اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فيلم لشركة التراميديكا للصناعات الدوائية، فيلم لمؤسسة سوريا الغد – مصر”. كما تذكر عددا من تسجيلاتها لصوتها في المجيب الآلي لعدد من الشركات علاوة على الفيديوهات الإعلانية وغيرها.