بشرى أبوشرار لـ"العرب": الكتابة من مبدع حقيقي لا تحتاج إلى خطة

الرواية لسان العصر الأدبي، إذ صارت الناطقة بكيانات الشعوب وهواجسها ورؤاها وتواريخها وما يعيشه الإنسان المعاصر، من هنا كانت الرواية الفلسطينية أمام تحديات صعبة في أن تمثل الفلسطينيين وقضيتهم بشكل أدبي، يتجاوز ما يظهر على شاشات الأخبار إلى العمق الإنساني. وهذا ما تحاوله الروائية الفلسطينية بشرى أبوشرار التي كان لـ”العرب” معها هذا الحوار.
تحمل الكاتبة والروائية الفلسطينية بشرى أبوشرار في قلمها قوة الكلمة وعمق التجربة الفلسطينية. استطاعت من خلال أعمالها الأدبية أن تعبر عن قصص الوطن والإنسان، وترسم بمداد الحروف معاناة وآمال شعبها.
وفي هذا اللقاء مع “العرب” تتناول الكاتبة رؤاها حول الأدب، ودوره في نقل التجربة الفلسطينية إلى العالم، وكيف تجسد من خلال أعمالها الحنين للوطن والغربة والصمود والأمل.
الكتابة وطن
تكتب بشرى محمد أبوشرار القصة والرواية وهي من مواليد غزة، تلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة القاهرة الابتدائية المشتركة والمرحلة الإعدادية في مدرسة “المأمونية للاجئات الفلسطينيات” والمرحلة الثانوية في “مدرسة الشهيد مصطفى حافظ” ثم أكملت تعليمها في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية.
نسألها عن طفولتها، حيث علمونا أن المطالعة تصنع الكاتب، فهل هذا صحيح؟ تجيبنا أبوشرار “نعم هذا صحيح، لأن طفولتي وصباي كنت أركن إلى عالم القراءة، في الطابق العلوي من بيتنا في غزة. كنت وكتبي وأصوات أخواتي وجيراننا تصلني وأنا في عالمي حيث الكتب. واستقيت ينابيعي الأولى في حبّي للفكرة ودهشتها من خلال عالم القراءة، وعالم القراءة كان عالم والدتي التي أخذتني معها إلى عالم القص، كانت تعيد الحكاية إلينا بأسلوبها هي مرات ومرات وفي كل مرة تنسجها من عالمها وروحها المتقدة بالجمال، فأحب الفكرة وأحب أن أتميز في قلبها، فكان عالم الوصول إليها من عالم القراءة”.
في قصتها القصيرة “رحيل” تطرح الكاتبة سؤالا راود الكثيرين “لمن سأترك أشيائي، قرط أمي ومناديلها؟ لمن سأترك حجرتي؟” نسألها إن كانت متهمة باعتقال الوطن بين جدران ذاتها، أم أنها جعلت من هذه الذات الرقيقة غرفة حميمة اتسعت لتغدو وطنا، ونطالبها باختيار أحد هذين الاتهامين، تقول “قصة ‘الرحيل‘ كنت أنا وروحي المنهكة، كنت أنا ومحطات الرحيل، وكل تفاصيل حاجياتي من وطن، شال أمي، ومعطفها الذي هو الهدية منها يوم عبرت إليها من بوابات العبور، عدت بشال الحرير من خيوط كنعان، عدت ومعطفها الذي يهديني دفء وروح الوطن، الوطن لا يرحل عنا ولا نرحل عنه، هو الساكن فينا في كل الدنيا، شمسه أبدية لن يطالها أفول”.
متانة حبكة روايتها “مدن بطعم البارود” تراودنا عن أحلامنا الشهيدة، نسأل أبوشرار كيف نجحت بإيجاد حبكة غير استعراضية بل عفوية بقوة الحدث وقوية كصوت انسكاب دمهم، دم شهدائنا؟ تجيب “هي مدن بطعم البارود عشت عشرية النار فيها، كيف لي بحبكة وأنا المجدولة بكل تفاصيلها، رواية كتبت نفسها من ملحمة وطن، رواية هي الحدث والصوت الحق وروح الحقيقة، كنت أقابل الليل بنور النهار أتابع الأحداث وأكتب كي لا تذوي الحروف وتغيب تحت قصف نيرانهم، كتبت من مرثية وطن يحيا بروح الصمود والتحدي والمقاومة، حيث شهداء قدموا الروح لأجل وطن يعشقون ترابه”.
وتضيف “‘مدن بطعم البارود‘ كتبتها وكانت دون تخطيط بداية للجزء الأول من ثلاثية روائية ‘قارورة عطر‘ و‘تاج الياسمين‘ و‘أغنية كنعانية‘. اكتملت ثلاثية مدن بطعم البارود ومن له الفضل في ذلك الدكتور نزار بني المرجة، يوم تحدثت معه أن الأحداث لم تنته من عشرية النار وأنا انتهيت من كتابة ‘مدن بطعم البارود‘، وحالة الكتابة ومتابعة الأحداث لم تغادرني، فقال لي ‘استمري ولا تتوقفي‘ فكانت ثلاثية مدن بطعم البارود”.
كأن الكاتبة فلسطين الجميلة وفيها ما يكفي ويفيض لتكتبه، تقول لـ”العرب” إن “الكلمة هي نبض الحقيقة، وعين الحقيقة لا تنام، هذه تجليات الأدب وما يقدمه لتنمية الوعي من روح فكرة تزيح ضاب الوقت، فكرة تهزم المؤامرات التي تحاك ضد شعوبنا، فكرة كما نور شمسنا الأبدية”.
نثر أبوشرار أجمل من قصيدة، نسألها لماذا لم تكتب الشعر ولم تخض بحاره؟ فتجيبنا “أعشق اللغة الشاعرة، أعشق بيت القصيدة، وأنا التي أزهرت مواقيت ربيعي على قصائد محمود درويش. أنا عاشقة لحروف الأبجدية وأنتمي إلى لغتي العربية، وأعشق أن أكتب من عالم حر وحر لا تحكمه الأوزان وعالم القوافي، لغة الشعر تسكنني، وأكتبني من روح قصيدة”.
آراء في الأدب
كتبت أبوشرار الرواية والقصة القصيرة، نسألها هنا سؤالا تقليديا ربما، حول أحب رواياتها وقصصها إلى روحها، تجيبنا “يقول جل الكتاب ‘كلهم أبنائي‘. فكرت في إجابة، وجدتني في رواية ‘شمس‘ وقد كتبتها عن طفولتي في فلسطين، حين أمرّ بها تحضر جدتي فريزة، جدي جاحظ العينين، تحضر مغامرات شمس الطفلة على تراب مدينتها غزة التي تعشق ترابها، رواية رسمت فيها مدينتي، حضرت غزة طازجة على الورق، من ذاكرة تكالبت عليها أقصى ألوان القهر والتغريب وكتبت الإهداء على أول صفحاتها ‘إلى مدينة الحلم الطويل… غزة‘”.
نتطرق للحديث عن رأيها في مسألة المناداة بالتخصص في الكتابة للتركيز على الإبداع في جانب محدد، فتقول “الكتابة من مبدع حقيقي لا تحتاج إلى خطة، بل الكاتب تأخذه الفكرة التي تلح عليه وتؤرقه لأن يكتبها، فيطاوع قلمه ويذهب إليها، لكن الكاتب فكرة وموهبة وجهد ورسالة، الكاتب مشوار حياة، وكما قالت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان ‘الرواية رحلة جبلية صعبة‘. ويبقى للكاتب تجسيد فكرة الرسالة في كل الميادين”.
حول تصورها لفلسطين في نصوصها وهي التي عاشت بعيدا عنها، تقول الكاتبة “حين أكتبني، تكتبني فلسطين وهي في البعد الأشد قربا، هي تسكن روحي ونور شمسها يسري في شرايين دمي، فلسطين هي الأم والأب، الأهل والأحبة، هناك أقتفي آخر ما تبقى لي من حلم لا زال يسكنني، فلسطين تكتبني، وأنا التي دقت بأقدامها على ترابها، هناك تركت مطارح أقدامي على عتبات الانتظار، فتزهر ربيعا يسكن كل الفصول، في البعد كل شروق يوم جديد تتشكل فلسطين في داخلي من عالم حر وحر وحر”.
الرواية هي عبق الحكايات والعرب حياتهم في فن القص وروح الحكاية والرواية جزء من موروثنا الحضاري والثقافي
تسألها “العرب” ماذا أضافت لها مصر التي تقيم فيها؟ وهل تعتبر نفسها مصرية فلسطينية؟ تجيبنا “حين أمرّ في شوارع مصر لا أرى أماكنها، أصير هناك، وحين أرنو لشروق الشمس أرنو لنور جاء لي من بوابتها الشرقية، حيث فلسطين، الحياة بعيدا عن فلسطين أطفأت أنوار كل المدن، إلا نور وطن أعشق مواقيت صبحه ومسائه، أنا لا أجدني إلا من روح فلسطين والروح هناك والجسد هنا، أحيا متجذرة تحت شجرة ‘بلوط’ أرنو إلى ظل شجرة لوز، إن بحثت عني لن تجدني هنا، أنا هناك، أعيش مرثية وجع، ألم وفقد لوطن لم تغب شمسه عن حجرات قلبي”.
الرواية أصبحت فن العرب الأول، تفسر الكاتبة الفلسطينية هذه الظاهرة قائلة “الرواية هي عبق الحكايات، العرب حياتهم في فن القص وروح الحكاية، الرواية جزء من موروثنا الحضاري والثقافي، الرواية تضم شخوصا وأسماء، أحداثا وتجليات وجع، هي معين لن ينضب في قلوبنا ووجداننا، من ينسى رواية ‘دعاء الكروان‘ اسم هنادي رواية ‘الحرام‘ و‘عزيزة‘ وكيف عالجت مشاكل اجتماعية، كما عمال التراحيل، عالم الرواية يشكل ثقافتنا وذواتنا في كل مرحلة زمنية، يكتبها الأديب مرآة لزمن عشناه”.
جوائز عربية كثيرة اليوم مخصصة للرواية خاصة، نسألها عن موقفها من هذه الجوائز ومدى نزاهة نتائجها، فتقول “الجوائز لن تكون هي التقييم الحقيقي لمن ينالها والجوائز لا تشغلني، لأن الفن الحقيقي يعيش بعيدا عن المردود والمعطيات والمكتسبات، الفن الحقيقي هو من روح ووجدان مبدع جائزته الحقيقية أنه قدم إبداعا حقيقيا قد يكتب له الخلود بعيدا عن طقوس مسميات ‘جائزة‘، للأسف الجوائز صارت تخضع لمعايير وحسابات”، مضيفة “نحن نفتقد للنزاهة والمصداقية من خلال هذه المحاور والمسميات، وبسببها أفرغت كلمة جائزة من مضمونها”.