كارول سماحة: ابتعدت عن المسرح لأنه لا يضمن الانتشار

بعد غياب طويل عن المسرح الغنائي أعلنت الفنانة اللبنانية كارول سماحة من تونس أنها ستعود إلى خوض التجربة من مدرسة جديدة، هي مدرسة المخرج اللبناني روي الخوري، مؤكدة أنها احتاجت سنوات طويلة لتجد مقترحا جادا يمنحها فرصة إكمال مسيرة بدأتها مع أشهر مدرسة متخصصة في المسرح الغنائي عربيا وهي مدرسة الأخوين الرحباني.
“من اشتغل مع منصور الرحباني في مسرحيات غنائية مهمة مثل ‘زنوبيا’ ليس من السهل أن يعود إلى المسرح بعمل ضعيف”، هكذا بررت الفنانة اللبنانية كارول سماحة غيابها عن المسرح الغنائي لسنوات طويلة، اتجهت فيها نحو الموسيقى والغناء، بعد أن قطعت أيضا حبلها السري مع أسامة الرحباني، الموسيقار اللبناني الكبير، سليل الرحابنة الذي راهن هو الآخر على صوتها وحضورها المسرحي وكان له دور كبير في بداياتها الفنية.
هذه الفنانة اللبنانية أحيت سهرة ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي في دورته الثامنة والخمسين، أكدت من خلالها أن تكوينها المسرحي بالأساس وتتلمذها على أيدي أهم صانعي الفن في لبنان والوطن العربي جعلاها علامة موسيقية مميزة، فنانة ذات صوت قوي وحضور مسرحي متكامل وكاريزما لا تمنح لأي كان.
كارول سماحة، الفنانة التي يعرفها الجمهور اليوم بإنتاجها الموسيقي، قالت في مؤتمر صحفي إنها ترددت كثيرا قبل التفكير في خوض تجربة المسرح الغنائي من جديد رغم الأعمال الكثيرة التي عرضت عليها في السنوات الماضية.
هذه الفنانة كانت بدايتها الحقيقية من مدرسة الرحابنة، وتحديدا منصور الرحباني (1925 – 2009)، فبعد انقطاع حبال الوصل بين الرحابنة وفيروز ورغبة الأبناء في استكمال مسيرة الآباء وبث روح التجديد في هذه المدرسة الفنية، لم يجد أسامة الرحباني أفضل من كارول سماحة لتكون بطلة لأعمال الرحابنة الجديدة، فشاركتهم في مسرحيات مهمة وناجحة هي “آخر أيام سقراط” عام 1998 و”أبو الطيب المتنبي” عام 2001 و”ملوك الطوائف” عام 2003 و”زنوبيا” عام 2007.
منحت هذه الأعمال كارول بطاقة عبور نحو الفن العربي من مدرسة عريقة لا يزال يشهد لها بالإبداع والكفاءة. وذلك بالرغم من أن دخولها هذا “المعسكر الفني” بضوابطه وقوانينه المشددة لم يكن بالأمر الهين، ففي إحدى تصريحاته أكد أسامة الرحباني أنه هو من فرض كارول على مسرح الرحباني، مشيرا إلى أنه “لا يرى موهبة غنائية جديدة” يمكن أن تمنح فرصة شبيهة بفرصة كارول. لكن هذه القاعدة كسرت مرة أخرى، بعد مغادرة سماحة المسرح الغنائي لتحل محلها هبة طوجي. وطوجي أخذت أيضا دور سماحة في المسرحية الغنائية “ملوك الطوائف” التي كانت آخر عروضها في تونس خلال مهرجان قرطاج الدولي في عام 2019.
غابت كارول عن المسرح الغنائي، وبررت ذلك بالقول “ابتعدت عن المسرح لأنه حقيقة لا يضمن الانتشار الكافي للفنان، وخصوصا المسرح في منطقتنا العربية”، معتبرة أن أشهر الفنانين الذين بدأوا من المسرح حتى على مستوى عالمي، حين أرادوا تحقيق انتشار أكبر، اضطروا إلى الابتعاد عن تقديم أعمال مسرحية.
وبعد انقطاع دام 17 عاما أعلنت كارول أنها قررت العودة إلى الخشبة بعمل “ميوزيكال” مع المخرج والمنتج اللبناني روي الخوري، الذي وصفته بأنه “متخصص ودارس وفاهم” للمسرح، حيث سيعيدها بنسخة عربية للمسرحية العالمية “anything goes” (كل شي مباح)، ستحافظ على العنوان الأصلي للعمل المسرحي العالمي، بمشاركة مغنين وراقصين وموسيقيين لبنانيين، وسيكون أول عرض لها في أكتوبر المقبل في كازينو لبنان.
تكوين كارول المسرحي وتتلمذها على أيدي أهم صانعي الفن في لبنان والوطن العربي جعلاها علامة موسيقية مميزة
هذه المسرحية هي واحدة من أشهر المسرحيات الغنائية العالمية، التي ستقدم للمرة الأولى عربيا، وستكون فيها كارول سماحة فنانة استعراضية حيث سترقص للمرة الأولى إلى جانب التمثيل والغناء.
“أنيثينغ غوز” التي عرضت للمرة الأولى عام 1934، في مسرح ألفين (المعروف الآن بمسرح نيل سيمون) في برودواي، تم اقتباسها عدة مرات في الولايات المتحدة وبريطانيا وتم تصويرها ثلاث مرات، كما عرضت بلغات مختلفة.
النسخة الأصلية، موسيقى وكلمات كول بورتر. وتدور قصتها حول مغامرات مجنونة على متن سفينة ركاب متجهة من نيويورك إلى لندن. والأغاني التي تم تقديمها في المسرحية، أصبحت فيما بعد معايير البوب والجاز، هي “أنيثينغ غوز” و”يو أر ذا توب” و”آل ثراو ذا نايت”.
هكذا إذًا يبدو أن روي الخوري نجح في إقناع الفنانة بالعودة إلى المسرح الغنائي من بوابة مدرسته، فهو قد اعتاد نقل مشاهد من مسرحيات عالمية على خشبة المسرح اللبناني، وهو ما زوده بخبرة لافتة في المسرح الغنائي.
المسرح كان بدايتها في التمثيل، لكنها لعبت أيضا دور البطولة في مسلسل “الشحرورة” الذي عرض عام 2011، وتناول حياة الفنانة اللبنانية الراحلة صباح. عرّض هذا المسلسل كارول لانتقادات حادة على مستوى الأداء وقدرتها على تقمص الشخصية، جعلتها تعزف عن العودة إلى التجربة الدرامية مرة أخرى، وهي ترى أن “الدراما شحيحة عليها”، في إشارة إلى أنها لم تتلق عروضا لإعادة التجربة الدرامية.
وبعد ابتعادها عن المسرح الغنائي ركزت الفنانة على الإنتاج الموسيقي، ورغم ذلك لم تنتج العديد من الألبومات الموسيقية بل اكتفت بـ8 ألبومات طوال 20 عاما. وتقول الفنانة إنها لا تهتم بالكم إنما تهتم بالكيف، فالألبومات الثمانية كانت من بينها أغان ناجحة حفرت في ذاكرة الجمهور، مثل “اتطلع في” و”أضواء الشهرة” وخليك بحالك”.
وأكدت الفنانة اللبنانية أنها تحرص على انتقاء مواضيع مهمة في أغنياتها، كأغنية “في صباح اليوم الثالث” التي غنت عن الجوعى والمشردين والمحرومين، إلى جانب اتباعها سلوكا واعيا يهتم بتطوير مستواها فكريا وفنيا، متبنية فكر عاصي الرحباني (1923 – 1986) الذي يرى أن “الفنان هو ابن الفن لكنه قبل ذلك هو ابن الوعي”.
هي أيضا يبدو أنها ابنة الوعي، ففي حين يتجه أغلب النجوم إلى الأغنية العاطفية الخفيفة، غامرت العام الماضي بإصدار ألبوم موسيقي بعنوان “الألبوم الذهبي” ويتكون من 12 أغنية من أشعار الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ما عرضها لانتقادات حادة، وصمت عن تحليله أهل الاختصاص من موسيقيين وصحافيين، لكنها قالت إنه ألبوم موجه إلى من يحبون الشعر العربي الملتزم والأغنية ذات الفكر والمعنى، وإن المستمعين لن يدركوا أهميته إلا بعد سنوات، رغم كل من اتهمها بأنها “مجنونة” لمجرد إقدامها على إنتاج أغان إنسانية.
وفي سهرتها بمهرجان الحمامات الدولي في تونس بررت كارول اختياراتها الموسيقية برغبتها في تخفيف حدة الألم والحزن عن جمهورها، قائلة “كلنا متأثرون بما يحصل في غزة، وأنا شخصيا قادمة من بلد عانى كثيرا ولا يزال أهله يعانون.. بداخلنا غصة، لكن الناس الذين يستجمون على البحر يحتاجون الابتعاد قليلا عن الأجواء”. واعتبرت أن الحفلات الصيفية فرصة للترفيه وتغيير المزاج العام للشعوب التي تبدو عاجزة عن تغيير العالم الذي يغلي من حولنا.
“صوت قوي وطاقة حضورية وإحساس مرهف وتناغم مع الجمهور أبرز سمات عرض الفنانة اللبنانية التي شكلت مسيرة مختلفة طرزتها بسحر الفن الرابع الذي تجلى في إحساسها وأدائها طيلة العرض”، هكذا وصفها البيان الخاص بالمهرجان، وهي بالفعل كذلك.