المواجهة بين القانون والتكنولوجيا.. كيف نحاكم الروبوتات

عصر المواجهة سيحول البشرية والكون من تكنولوجيا نشأت لمساعدة الإنسان الطبيعي إلى تكنولوجيا ولدت لمواجهته.
الأحد 2024/07/07
من الصعب تطبيق القانون على الروبوتات إذا أجرمت

أول من صاغ مصطلح التكنولوجيا التحويلية أستاذ القانون الدولي بجامعة واشنطن البروفيسور ريان كالوا (Ryan Callow) في كتاب بعنوان “الإنسان الآلي ودروس قانون الإنترنت”.

 وعبر عنها بالتحول السريع والهائل نحو التقنيات الروبوتية وثورة الذكاء الاصطناعي، والذي ترجم باللغة العربية عام 2020، من قبل الباحث الليبي في مجال التكنولوجيا الرقمية وقانون الإنترنت، الأكاديمي عمر محمد بن يونس مستشار موسوعة التشريعات العربية، والذي يعتبر امتدادا للعالم العربي محمد بن يونس، مؤسس أكبر قاعدة بيانات معاصرة في العالم، وفق تقويم موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعنوان “موسوعة التشريعات العربية”.

وتواكب الموسوعة آخر ما توصلت إليه حركة البحث العلمي في مجال التكنولوجيا وتطوراتها السريعة والمتلاحقة، وكذلك تفتح آفاق المعرفة للباحثين والأكاديميين ورجال الفقه والقضاء والقادة والساسة، ولدعم المكتبات العلمية بآخر ما توصلت إليه الجامعات الكبرى والعملاقة في مجال التكنولوجيا والقانون.

◄ التكنولوجيا التحويلية هي تحول الشخص الرقمي إلى شخص إلكتروني وولادة إنسان آلي بعقل الذكاء الاصطناعي، له القدرة على التفوق على الإنسان الطبيعي في كافة المجالات

وبالتالي فإن جذور قواعد البيانات تعود إلي الفلاسفة العرب، وأول قاعدة بيانات في العالم كانت كتاب الفهرست لأبن النديم، العالم العربي في العراق. ومن خلال تطورات البشرية وانتقالها من عصر إلى عصر عبر مراحل متزامنة وخلال فترات متفاوتة نستطيع أن نقول إن عصور تطور الإنسان هي عصور تعاونية، وكل عصر يعتبر رافداً للعصر الذى يليه مباشرةً، وبصرف النظر عن التعمق في التاريخ القديم والحديث نستطيع أن نقول إن العصر الرقمي هو عصر تعاوني وقد برز نتيجة للمشاكل والصعوبات التي واجهها الإنسان الطبيعي في العالم المادي، ليجد البديل لها عبر الشخص الرقمي والمتمثل في “الحاسب الآلي”، وبالتالي فإن العصر الرقمي هو عصر تفاعل الإنسان الطبيعي مع الحاسب الآلي وما نتج عنه من بزوغ فجر الإنترنت، وتشكل العالم الافتراضي الذي أنتجه تواصل الحواسيب والشبكات حول العالم، دون اعتبار للحدود الدولية.

 ومن أبرز سمات العصر الاعتراف بالشخص الرقمي من قبل الفقه والقضاء المقارن، بينما يستوجب على الأقل استمرار العصر الرقمي لمدة قرن أو قرنين من الزمان لتكتمل تطورات العصر الرقمي وابتكاراته ويتفاعل الإنسان الطبيعي مع الحوسبة والرقمية وتكون نهاية الحوسبة والرقمية نهاية طبيعية مع ما تشهده نهاية كل عصر وتفاعلاته مع الكون والطبيعة والإنسان.

ما نشاهده اليوم هو منعطف خطير جدا وتحول سريع ومفاجئ، عجز علماء التكنولوجيا، وفقهاء القانون، وخبراء المستقبل، وفلاسفة التاريخ، والقادة العظماء، والساسة الأفذاذ، والمفكرون الإستراتيجيون، والباحثون، والأكاديميون، عن فهمه وتفسيره أو حتى التنبؤ به.

وهو تحول الحوسبة والرقمية نحو التكنولوجيا التحويلية تحولا تكنولوجيا بسرعة الضوء، التحول الذي ستكون له أبعاد عميقة ستجعل الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري والشخص الرقمي أمام هول الصدمة وداخل المواجهة.

◄ جذور قواعد البيانات تعود إلي الفلاسفة العرب، وأول قاعدة بيانات في العالم كانت كتاب الفهرست لأبن النديم، العالم العربي في العراق

ما نشاهده نحن اليوم وما فيه البشرية من تحول دون سابق إنذار ودون مرحلة تمهيدية تحقق عملية تدريجية تسمى عملية الإشباع الفكري أو التدرج الذهني لما سيحصل من تغيرات في كافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكذلك الثقافية، قد تؤدي إلى مسخ الهوية، واندثار العادات والتقاليد والانتقال إلى عصر تكنولوجيا التجسيم التي حولت الآلة إلى مجسم الإنسان الآلي الذي لا تستطيع أن تميزه عن الإنسان الطبيعي من الوهلة الأولى مع اقتران ذلك بتكنولوجيا الاستعرافية (الذكاء والعقل)، التي جعلت للآلة عقلا تفكر به وشعورا وإرادة تستشعر بها، وهذا هو مكمن التحول.

كل ذلك يقودنا إلى أن التكنولوجيا التحويلية هي تحول الشخص الرقمي إلى شخص إلكتروني وولادة إنسان آلي بعقل الذكاء الاصطناعي، له القدرة على التفوق على الإنسان الطبيعي في كافة المجالات، وله قدرات خارقة يعجز الإنسان الطبيعي عن تحقيقها، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر من أجل التأمل والتفكير والاستنتاج للبحث بعمق في مستقبل التكنولوجيا التحويلية.

عصر المواجهة الذي سيحول البشرية والكون من تكنولوجيا نشأت لمساعدة الإنسان الطبيعي إلى تكنولوجيا ولدت لمواجهة الإنسان الطبيعي.

وبصفتي باحثا في مجال التكنولوجيا التحويلية ومؤلف الكتاب الأول على مستوى العالم العربي بعنوان “الذكاء الاصطناعي ومسار قانون الإنسان الآلي”، أنوّه إلى أزمة حادة وخطيرة جدا وهي مسألة تأثير الاستبدال وكيفية توزيع الحقوق والحريات التي يجب أن يتمتع بها الإنسان الآلي في حالة ارتكابه لجرائم جنائية أو أخلاقية بمعزل عن الإنسان الطبيعي، وهل سيتم تطبيق المسؤولية الشخصية للروبوت؟ أم الولوج لمبدأ المسؤولية الناشئة عن أفعال الغير؟ وكيف سيواجه قانون الإجراءات الجنائية هذه القضايا الخطيرة والمثيرة للجدل القانوني.

وهل سيتفوق الإنسان الآلي (robot) باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي على الإنسان الطبيعي ويصبح خطرا عليه؟ وهل تعطيل نظام الإنسان الآلي أو إغلاقه يعتبر جريمة قتل يعاقب عليها القانون في المستقبل المنظور؟

 

8