كارلو أنشيلوتي.. الداهية الذي يكتب التاريخ مع ريال مدريد

سطع نجم كارلو أنشيلوتي، المدرب الحالي لنادي ريال مدريد الإسباني، في سماء الكرة الأوروبية كلاعب ومدرب ليخلّد اسمه بحروف ذهبية من بين أساطير عالم الجلد المدوّر، بعد نحت مسيرة طويلة حصد فيها أبرز الألقاب الممكنة في القارة العجوز.
يجمع الخبراء بدواليب لعبة كرة القدم على أن المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي أصبح مدرسة كروية عريقة لها خصوصياتها في التدريب، إلى جانب مدارس أخرى متألقة على غرار الإسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي الإنجليزي، والألماني يورغن كلوب الذي درّب في المواسم الأخيرة نادي ليفربول الإنجليزي.
لكن أنشيبوتي حسب هؤلاء أضفى طابعا خاصا على لعبة كرة القدم مع النادي الملكي الذي توّج معه الأسبوع الماضي بلقب كأس رابطة الأبطال الأوروبية من ملعب “ويمبلي” في العاصمة الإنجليزية لندن، للمرة الخامسة عشرة في تاريخ النادي.
وبعد أن أحرز ريال مدريد لقبه الخامس عشر في دوري أبطال أوروبا بتغلبه في النهائي على بوروسيا دورتموند الألماني بهدفين في الربع ساعة الأخير من المباراة، بات مدربه أنشيلوتي سيد مسابقة دوري أبطال أوروبا من دون منازع باللقب الخامس في مسيرته المهنية.
وولد كارلو أنشيلوتي في 10 يونيو العام 1959، وهو مدرب كرة قدم إيطالي محترف ولاعب سابق، يدرب نادي ريال مدريد، الإسباني و يُلقب بـ”دون كارلو” ويُعتبر أحد أعظم المدربين في التاريخ. ويعتبر أنشيلوتي المدير الفني الأكثر تتويجا بألقاب دوري أبطال أوروبا في التاريخ، حيث فاز باللقب خمس مرات كمدرب (ثلاث مرات مع ريال مدريد ومرتين مع ميلان الإيطالي)، وهو أيضًا الأول والوحيد الذي أدار فرقا في ست نهائيات لدوري أبطال أوروبا.
رقم قياسي
قال المدرب التونسي رضا الجدّي “أنشيلوتي اسم غنيّ عن التعريف في عالم كرة القدم بالأرقام والإحصائيات، حيث حصد 5 ألقاب أوروبية وهذا رقم قياسي يحسب له، كما أصبح لديه من الرصانة والنضج الكثير خصوصا في التعامل مع الرصيد البشري المتغير لريال مدريد بأكثر من 70 في المئة في السنتين الأخيرتين".
وأضاف لـ”العرب”، “تمكّن من حصد الألقاب محليا وقاريا، خصوصا وأن ريال مدريد يلعب دون رأس حربة، وبالتالي هناك تصرف محكم وكثيرا ما يقلب تأخر الفريق في النتيجة إلى انتصار”. وأوضح رضا الجدي أن “كارلو عوّد اللاعبين خصوصا الذين لا يمتلكون نزعة دفاعية مثل فنيسيوس جينيور وجود بيلنغهام بأداء دور دفاعي مع المجموعة، ويعطي حرية أكثر لمدافعي الأطراف مثل دانيال كارفاخال الذي سجل الهدف الأول في النهائي الأوروبي الأخير ضد بوروسيا دورتموند الألماني، فضلا عن التكامل وتغيير الأدوار فوق الميدان، مثل توني كروس الذي نجده أحيانا كقلب دفاع، مع جملة من التغييرات التكتيكية الهجومية الأكثر خطورة".
وفاز أنشيلوتي بكأس أوروبا مرتين مع ميلان في عامي 1989 و1990، مما جعله واحدًا من سبعة أشخاص فازوا بكأس أوروبا أو دوري أبطال أوروبا كلاعب ومدرب، وهو أيضًا المدرب الأول والوحيد الذي فاز بألقاب الدوري في جميع الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا وقد فاز بكأس العالم للأندية ثلاث مرات وهو رقم قياسي، وهو أيضًا المدير الفني الذي حقق أكبر عدد من الانتصارات في كأس السوبر الأوروبي، بعد أن فاز بالكأس في أربع مناسبات، مع ميلان وريال مدريد.
ولعب أنشيلوتي كلاعب خط وسط وبدأ مسيرته المهنية مع نادي بارما الإيطالي، حيث ساعد النادي على الصعود إلى الدوري الإيطالي الدرجة الثانية في عام 1979، ثم انتقل إلى نادي العاصمة روما في الموسم التالي، حيث فاز بلقب الدوري الإيطالي وأربعة ألقاب في كأس إيطاليا، وكذلك لعب مع ميلان في أواخر الثمانينات، والذي فاز معه بلقب الدوري مرتين وكأس أوروبا مرتين، من بين ألقاب أخرى.
أما دوليا، لعب أنشيلوتي للمنتخب الإيطالي في 26 مناسبة، وسجل هدفا وحيدا، وظهر في نسختين من نهائيات كأس العالم، وحصل على المركز الثالث في نسخة 1990 من البطولة، وكذلك بطولة أمم أوروبا 1988، حيث ساعد منتخب بلاده للوصول إلى الدور نصف النهائي. ودرب أنشيلوتي عدّة نواد محلية وأوروبية على غرار ريجينا وبارما ويوفنتوس وميلان وتشيلسي وباريس سان جرمان وريال مدريد وبايرن ميونخ ونابولي وإيفرتون، وحصل على الدوريات الخمس الكبرى وألقاب محلية في إيطاليا وإنجلترا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا.
ودرب أنشيلوتي في ريجينا وبارما ويوفنتوس بين عامي 1995 و2001، قبل أن يرتقي إلى الصدارة مع ميلان، وتم تعيينه كمدير فني في عام 2001، وفاز بدوري أبطال أوروبا (2002 – 2003) وكأس إيطاليا في نفس الموسم، كما فاز بلقب “الكالشيو” الإيطالي برصيد 82 نقطة من 34 مباراة، وبعد ثلاث سنوات فاز بدوري أبطال أوروبا للمرة الثانية مع ميلان.
وخلال فترة عمله مع ميلان، حصل أنشيلوتي على جائزة أفضل مدرب في الدوري الإيطالي مرتين، ثم أعلن استقالته من الفريق بعد موسم (2008 – 2009)، وترك منصبه كأطول فترة لمدرب مع ميلان خلال فترة واحدة.
وفي عام 2009، تم تعيينه مدربًا لتشيلسي، وفاز بالثنائية المحلية الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس الاتحاد الإنجليزي في موسمه الأول، وفي عام 2011، أصبح مديرًا فنيًا لنادي باريس سان جرمان الفرنسي. في الموسم التالي فاز بأول لقب لهم في الدوري الفرنسي منذ 19 عامًا وحصل على جائزة أفضل مدرب بالشراكة لهذا العام.
وبعد نجاحه في فرنسا، تم تعيين أنشيلوتي مديرا فنيا لريال مدريد. وفي موسمه الأول، قاد ريال مدريد للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا العاشر، وفاز أيضًا بكأس الملك.
وعلى الرغم من حصوله على المزيد من الألقاب مع النادي وحصوله على جائزة ميغيل مونيوز لأفضل مدرب بالأداء في الدوري الإسباني لموسم (2014 – 2015)، تمت إقالة أنشيلوتي من ريال مدريد في مايو 2015، وأصبح مديرًا لبايرن ميونخ في عام 2016، حيث فاز بلقب الدوري الألماني في موسمه الأول، وبعد فترات قضاها في نابولي وإيفرتون بين عامي 2018 و2021، عاد إلى ريال مدريد في صيف 2021، حيث واصل الفوز بثنائية الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا.
مسيرة قوية
وقال الناقد والمعلق الرياضي نبيل خيرات “أنشيلوتي بدأ مسيرته مع بارما وروما ثم ميلان، ولعب مع مختلف الأندية وساهم في تتويج كل ناد انضمّ إلى صفوفه، كما درّب بارما ويوفنتوس وميلان وجاء بعد مرحلة ساكي ثم فابيو كابيلو”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “فاز مع ريال مدريد باللقب الأوروبي العاشر، وحقق مع الميرنغي 3 ألقاب ومع ميلان لقبين”، لافتا أن "الإيطاليين هم ملوك الدفاع، ورأينا كيف حسّن أنشيلوتي دفاع مدريد، وفي كل مرة يقبل فيها الفريق اللعب، إلا وقلب الطاولة على منافسيه في الشوط الثاني بفضل حنكة أنشيلوتي".
وأشار نبيل خيرات إلى “المسيرة القوية لريال مدريد هذا الموسم، حيث تغلب على مانشستر سيتي بصعوبة وبطريقة ذكية، ثم واجه ببايرن ميونخ الألماني وتأخر في النتيجة، وقلب الطاولة في دقيقتين بفضل خوسيلو”، معتبرا أن “علاقة أنشيلوتي باللاعبين مميزة مثل رودريغو وفينيسيوس وكامافينغا وكورتوا، بالإضافة إلى قوة الشخصية التي يتمتع بها فوق الميدان والخبرة الطويلة في الميادين، إلى جانب اللعب بعدة خطط تكتيكية في المباراة وحسن توظيف اللاعبين".
وأكد المعلق الرياضي أن "العجوز الإيطالي يخلق معجزة كروية في العالم، وهو ما جعله محط أنظار المنتخب البرازيلي الذي يسعى للتعاقد معه، ولا ننسى أيضا الإدارة القوية لريال مدريد بقيادة فلورنتينو بيريز".
وبدأ أنشيلوتي مسيرته مع كرة القدم في عام 1976 في نادي بارما، وفي عام 1979 انتقل إلى نادي روما، والموسم الأول لأنشيلوتي كان ( 1979 – 1980) حيث حقق أولى البطولات مع الفريق وهي بطولة كأس إيطاليا إذ لعب في ذلك الموسم 27 لقاء حقق 3 أهداف خلالها. وفي موسمه الثاني حقق كأس إيطاليا مع فرقة الذئاب (روما) من جديد ولعب هذا الموسم 29 لقاء أحرز خلالها هدفين.
ولم يلعب في موسمه الثالث (1981 – 1982) سوى 5 لقاءات فقط، ولم يحقق أيّ هدف وكان موسما سيئا لروما فلم يحقق أي لقب يذكر في ذلك الموسم. الموسم الرابـع (1982 – 1983) لم يكن موسما بسيطا للاعب الوسط أنشيلوتي فها هو يحقق مع روما بطولة الدوري الإيطالي الممتاز وهو الإنجاز الأبرز له مع روما، ووصل في الموسم الخامس (1983 – 1984) مع الفريق إلى نهائي دوري الأبطال أمام نادي ليفربول وقدم أداء رائعا ولكنه خسر بركلات الترجيح واحتل الوصافة الأوروبية وحقق الفريق كأس إيطاليا وأنشيلوتي لعب 9 لقاءات فقط ودون أيّ هدف شخصي.
أما الموسم السادس (1984-1985) فقد لعب أنشيلوتي 22 لقـاء وأحرز 3 أهداف ولم يحقق روما أيّ لقب ذلك الموسم، ثم حقق في الموسم السابع وقبل الأخير مع الذئاب من جديد كأس إيطاليا ولعب أنشيلوتي 29 لقاء ولم يحرز أيّ هدف. وفي الموسم الأخير (1986 – 1987) لعب كارلو 27 لقاء وأحرز هدفين، ليكون مجموع المباريات التي لعبها أنشيلوتي 171 لقاء مع روما في ثمانية مواسم سجل فيها 12 هدفا، وكانت تلك نهاية فترة في مسيرة أنشيلوتي لتبدأ مسيرة عظمى في ميلان حيث فاز بالعديد من الألقاب.
ففي عام 1987 انتقل كارلو أنشيلوتي إلى نادي إيه سي ميلان، وارتبط اسمه بالفريق منذ ذلك الوقت، وعندما استلم أريغو ساكي زمام الأمور بعد طلب سيلفيو برلسكوني علما بأنها تجربة الرجل الأولى في الدرجة الأولى قام بغربلة كاملة في الفريق.
واستدعى أنشيلوتي النجوم وعمل بخطط جعلت من الميلان ذلك الوقت من أفضل الفرق في التاريخ من حيث الأداء الممتع والنتائج، فقد أحضر أنشيلوتي النجمين الهولنديين ماركو فان باستن وفرانك رايكارد، إلى جانب وجود فرانكو باريزي وباولو مالديني وروبيرتو دونادوني ورود غوليت وغيرهم.
ومنذ الموسم الأول لأنشيلوتي في ميلان مع ترسانة من النجوم، بدأ الفريق في حصد الألقاب المتوالية، فأحرز في الموسم الأول (1987 – 1988) الدوري الإيطالي الممتاز تاركا خلفه نابولي بقيادة أسطورة الكرة العالمية الأرجنتيني، دييغو أرماندو مارادونا كما حقق الفريق كأس السوبر الإيطالي أمام سامبدوريا، ولعب ذلك الموسم أنشيلوتي 27 لقـاء وسجل فيها هدفين.
وفي الموسم الثاني (1988 – 1989) بدأت ميلانو يعطي الاستحقاقات العالمية اهتماما أكبر بعد أن حصد الفريق الكالتشيو بتميز في موسم ساكي الأول.. ففي الكالتشيو حقق المركز الثالث ولكنه حقق البطولة الأكبر وهي دوري أبطال أوروبا أمام ستيوا بوخارست الروماني وبرباعية كاملة، وفي الموسم الثالث مع الميلان (1989 – 1990) حقق أنشيلوتي الوصافة بفارق نقطتين فقط عن نابولي المتصدر كما حقق الفريق وصافة كأس إيطاليا لكرة القدم أمام يوفنتوس، ولم يكتف الفريق بما لديـه بل حقق دوري أبطال أوروبا من جديد بعد انتصاره على بنفيكا البرتغالي، فضلا عن تحقيق كأس السوبر الأوروبي وفي كأس العالم للأندية انتصر على أتلتيكو الكولومبي ليصبح بطلا للعالم.
أفضل فترة
وحقق أنشيلوتي في الموسم الرابع وقبل الأخير(1990 – 1991) كلاعب، الوصافة مع ميلان بعد سامبدوريا بفارق 5 نقاط وهي الوصافة التي تكررت من جديد. ولكن الفريق من جديد يعلنها بأنه بطل للعالم للسنة الثانية على التوالي أمام أوليمبكا من الباراغوي كما حقق كأس السوبر وكان الفريق قد خرج من دور ربع النهائي من دوري الأبطال. ولعب أنشيلوتي ذلك الموسم 21 لقاء وسجل هدفا وحيدا. تلك الفترة هي أفضل فترة في تاريخ أنشيلوتي كلاعب.
ووصل في الموسم الأخير(1991 - 1992) إلى ميلانو مدرب جديد وهو المخضرم فابيو كابيلو خلفا لأريغو ساكي. وكان آخر موسم لأنشيلوتي كالمسك فبعد أن كان أول موسم له يحقق فيه الكالتشيو لم يرض إلا أن يختتم مسيرته بلقب الكالتشيو مجددا. حينها كان قد وصل إلى سن الـ33. لعب في موسمه الأخير 12 لقاء سجل فيها هدفين. لينهي أنشيلوتي تلك المسيرة الناجحة مع ميلان.. ليكون إجمال ما لعب مع ميلان 112 لقاء سجل فيها جميعا 10 أهداف، وسطّر اسمه كلاعب من أنجح اللاعبين مع الفريق.
ولكارلو أنشيلوتي ابنان وهما كاتيا ودافيد، والذي لعب في فريق الشباب في ميلان ثم انضم إلى نادي بروجومانيرو. كان متزوجا من لويسا جيبيليني لمدة 25 سنة، لكنه انفصل عنها في عام 2008، قبل أن يتزوج عام 2014 من سيدة الأعمال الكندية ماريان بارينا، كما عرف عنه موقف مهم أثناء مرض والده وتدريبه لتشيلسي في لندن، حيث كان يسافر بشكل دوري ومتكرر كي يكون قرب والده المريض، والذي توفي لاحقاً في 29 سبتمبر 2010 عن عمر يناهز 87 عاما، وعن ذلك قال أنشيلوتي "أنا مطالب بأن أكون قريبا من والدي بقدر ما أنا مطالب بإدارة الفريق، لا أواجه مشاكل في الأمرين".