"نقطة انتهى".. دراما الشخصيات المأزومة

نص العمل كان متماسكا ومشوقا يحمل من الجدة الكثير لعمل درامي عربي ويقدم شخصيات تظهر لأول مرة دراميا بجمالية خاصة.
الاثنين 2024/06/03
صيدلاني يتورط في مشاكل وفضائح لا تنتهي

بعد أن قدم في العام الماضي شخصية عمران، المرابي الجشع الذي يقرض سكان الحي الأموال بالفائدة ويتحكم بكل مفاصل حياتهم المالية، في مسلسل “النار بالنار” المقتبس عن مسرحية “تاجر البندقية” للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير ومن تأليف رامي كوسا وإخراج محمد عبدالعزيز، عاد النجم السوري عابد فهد هذا العام للظهور بمسلسل جديد وهو “نقطة انتهى” وهو مسلسل لبناني – سوري مشترك أيضا وبطولة نخبة من النجوم السوريين واللبنانيين مثل عادل كرم وندى أبوفرحات وأنس طيارة.

المسلسل من تأليف فادي حسين وإخراج محمد عبدالعزيز وتدور أحداثة ضمن حي البستان أحد الأحياء التي يقطنها سوريون ولبنانيون في منطقة برج حمود في بيروت.

يحكي العمل قصة الصيدلاني السوري فارس (عابد فهد) الذي يتورط بقصة قتل أخ زوجته عن طريق الخطأ فتنقلب حياته بعدها رأسا على عقب. ففي إحدى الأمسيات وبعد انتهائه من العمل في الصيدلية هو وزوجته كارما (ندى أبوفرحات) يقرران الذهاب لزيارة أهله كالمعتاد وفي طريقهما يتذكر فارس أنه نسي إحضار دواء السكري لأمه المريضة من الصيدلية فيطلب من زوجته أن تسبقه إلى منزل أهله ويقرر العودة إلى الصيدلية بغية إحضار الدواء واللحاق بها.

بوكس

أثناء وصوله إلى الصيدلية يرى أن بابها مفتوح فيدخل إليها ويجد شخصا ملثما يسرق محتويات الدرج فيتصادم معه ويحدث عراك بينهما. يحاول اللص المقاومة ويفتح سكينا في وجه فارس فيدفعه فارس بقوة فيسقط اللص على الأرض وأثناء سقوطه يرتطم رأسه بحرف الطاولة الخشبية فينزف بشدة من رأسه ويموت على الفور يقترب فارس منه ويزيل اللثام عن وجهه وهنا تكون الصدمة الكبرى حين يكتشف فارس أن الشخص الذي مات ليس سوى لؤي أخ زوجته كارما وابن خالته في نفس الوقت الذي كان يعتبره أخا صغيرا له وابنا معنويا له ولزوجته كارما.

لؤي الذي قرر أن يسرق فارس بغية دفع المال للشخص الذي يبتز لينا أخت فارس التي تكون عشيقته، يبتزها بفيديو جنسي صوره لها لؤي ووصل للمبتز بعد أن سرقه أحد الأشخاص من  هاتفه – يتبين لاحقا أنه صديقه المقرب – ويخبرها أنه يريد خمسة آلاف دولار كي لا ينتشر الفيديو فتخبر بدورها لؤي بهذه المصيبة وتطلب منه أن يؤمن المبلغ بأي طريقة فيلجأ للسرقة من أقرب الأشخاص إليه فأخته كارما التي لم ترزق بأبناء من فارس تعتبره ابنا لها وتحبه كثيرا.

يبدأ فارس بالبكاء والنحيب بعد أن رأى وجه لؤي وهو جثة هامدة على الأرض لكنه سرعان ما يتمالك نفسه ويقدر حجم المصيبة التي أصابتهُ يسحب الجثة إلى خارج الصيدلية ويقوم بوضعها في صندوق السيارة ثم يعود وينظف أرض الصيدلية ويزيل آثار الدماء ومن ثم يصعد بسيارته ويذهب إلى أحد البساتين البعيدة ويدفن الجثة بها ويأخذ موبايل لؤي ويبقيه معه فيكتشف أشياء كثيرة منها فضيحة أخته لينا.

يعتقد فارس بعد دفن لؤي أن القصة انتهت ولن يعرف بها أحد لكنه لم يكن يعلم أن غزوان حفار القبور (أنس طيارة) قد شاهده وهو يسحب الجثة من الصيدلية وقام بتصويره. في اليوم التالي أرسل الفيديو لهُ، الأمر الذي صدمه لكنه لا يعرف من الذي صوره أو هوية مرسل الفيديو ويبقى في حيرة من أمره ليبدأ مسلسل الابتزاز لفارس من قبل غزوان الذي يخبره أنهُ إذا أراد ألا يفتضح أمره وتنكشف جريمته أمام زوجته كارما وأهالي الحي عليه أن ينفذ الأوامر التي يطلبها منه ليدخل فارس في أزمة جديدة لم تكن بالحسبان فيمتثل لأوامر غزوان وينفذها ويكون أولها هي إيصال كمية من المخدرات إلى رجل الأعمال وأحد أمراء الحرب السابقين (الشمالي) حيث قام غزوان بإخفائها في أحد القبور التي حفرها حديثا بجانب جثة المتوفي.

يذهب فارس إلى القبر ويخرج المخدرات ويقوم بإيصالها إلى المدعو (شمالي) الذي كان يعتقد أن البضاعة لن تصله بعد أن أخبره محاميه سامي (عادل كرم) أنه أخبر الأمن بموعد العملية بغية الإيقاع بعزام (خالد السيد)- مغسل الأموات وصاحب جمعية دفن الموتى– ألد أعداء شمالي كي يمسكوه متلبسا لكن غزوان ذراع عزام الضاربة في حي البستان ومعاونه كان أذكى منهم واكتشف أنه مراقب يوم العملية لذلك قرر أن يستخدم شخصا لا يشك أحد فيه وهو الصيدلاني المسالم والمهذب فارس.

يفاجأ شمالي حين تصل بضاعته في موعدها المحدد ويقوم باحتجاز فارس معتقدا أنه يعرف من قتل ابنه الوحيد كونه أحد أزلام عزام الذي يعتقد شمالي أنه وراء مقتل ابنه لكننا نكتشف لاحقا أن غزوان هو من قام بقتله، فيقع فارس في ورطة جديدة لم تكن في الحسبان ولا يخلصه منها سوى المحامي سامي أحد رجال الشمالي الذي يصل في الوقت المناسب قبل أن يقتله الأخير مؤكدا له أنه يعرفه جيدا وهو بريء من مقتل ابنه.

يطلق الشمالي سراح فارس لكن القصة لن تنتهي هنا لأن فارس سوف يدخل في دوامة جديدة من دوامات الابتزاز بطلها هذه المرة سامي عشيق زوجته السابق الذي يخيره إما أن يعمل لحسابه الخاص ويساعده بكشف أعوان عزام في المنطقة أو أنه سيخبر زوجته بأنه يعمل في تجارة المخدرات لصالح عزام فتبدأ حياة فارس بالتغير ويصبح شخصا مرتبكا دائم القلق واقعا بين فكي كماشة غزوان من جهة وسامي من الجهة الأخرى وكلاهما يحبان زوجته كارما ومن مصلحتهما أن يزيحاه من طريقهما.

لم يكن الصيدلي فارس يعقوب يعتقد أن عودته في تلك الليلة إلى الصيدلية ستقلب حياته رأسا على عقب فيتحول من فارس المهذب المسالم الذي يساعد أهله في الحي إلى فارس المجرم وتاجر المخدرات، هي لعبة القدر ولا يستطيع إلا أن يمتثل لها وغير مسموح له بالعودة إلى الوراء لأن العودة تعني نهايته.

ولا تمكننا مشاهدة العمل دون التوقف عند الشخصية التي أداها الفنان أنس طيارة بأداء لافت، وهي شخصية غزوان حفار القبور والسفاح الهادئ الكتوم الذي أصبح القتل عنده عاديا فيمارسه بكل قلب بارد دون أن تهتز له شعرة. غزوان شخص متماسك لا تظهر انفعالاته إلا في مكانها الصحيح، شخصية تعمل بالسر الأمر الذي جعلها تحرك الكثير من أحداث العمل دون أن يشك فيها أحد.

أما الشخصية الثانية التي يجب أن نتوقف عندها فهي شخصية المحامي الشجاع والطموح سامي ذي الحضور الطاغي، فقد أدى الفنان عادل كرم هذه الشخصية بتلقائية كبيرة وأريحية واضحة فكان أداؤه متميزا وملفتا.

أما قصة العمل – التي كانت هذه الحارة الصغيرة التي يسكنها سوريون ولبنانيون مسرحا لأحداثها – فهي مميزة فكان هذا الحي بمثابة المجتمع المصغر الذي تجتمع فيه كل المكونات الطبقية فتحدث داخله الصراعات والنزاعات التي تعكس أزمة الإنسان الوجودية نتيجة الحروب الكثيرة التي تعرضت لها هذه البلدان في العقد الأخير.

ويمكن القول إن نص العمل كان متماسكا ومشوقا يحمل من الجدة الكثير لعمل درامي عربي ويقدم شخصيات تظهر لأول مرة دراميا بجمالية خاصة وعلى الرغم من قلتها إلا أنها تخدم الحدث وتبتعد عن الحشو والإقحام.

15