صناعة قوس قزح للبلاد التي مزّقتها الحرب

في البلاد التي مزقتها الحروب الأهلية يجب تصميم قوس قزح خاص لهم ويكون معلقا إلى أن تضع الحرب أوزارها ويهدأ النقع ويعيد الرجال الأسلحة إلى صناديقها.
السبت 2024/06/01
قوس قزح ينهي الحروب

أبلغ حاليًا التاسعة والثلاثين من عمري، جرت السنون بسرعة، كنت أحسّ الشهر بطول يوم، والعام بطول شهر، والعقد بطول عام. للمرة الثالثة في حياتي أرى قوس قزح، وكأنه تاج السماء، هذا التاج لا ترتديه العلياء في كل الأوقات، أعتقد أنها ترتديه عندما يورّث ملك مّا العرش لأحد أبنائه، ملك المطر، ملك الغمام، ملك الضياء، ملك النور، لا أعتقد أنه بإمكاني أن أعرف أيّ ملك. لكن ما أنا موقن به حقًا، أنه بسبب وجود مناسبة ما، ترتدي السماء تاج الألوان.

للأسف الذي ما زالت مرارته تعتمل في صدري حين رأيت قوس قزح وأنا في الشارع، كنت منتهيًا من صلاة العصر في المسجد، أسرعت أحث الخطى إلى المنزل، لكي أُري بناتي الصغيرات قوس قزح للمرة الأولى في حياتهن، فأوقفني جاري ثقيل الدم والخلق في الطريق، وراح يحدثني بأمور تافهة جدًا لم أعد أذكر ما هي، لكنني أذكر بشدة وحرقة أنها تافهة، وكلما كنت أحاول التهرب منه، كان يشدني من يدي ليكمل حديثه المقيت، فتفلت منه بسرعة معتذرًا، وحين وصلت إلى المنزل، كانت السماء قد خلعت تاجها الملون، استغرق التتويج عدة دقائق فقط، شعرت بحنق كبير، وفكرت لم لا يشتري الآباء أو يستأجرون قوس قزح لأبنائهم يعلقونه في سقف البناء، أو حتى في سقف الغرفة، كما يشترون لهم أرجوحة حمراء.

لم يحدث هذا من قبل، حتى أن الولايات المتحدة، سيدة العالم المتحضر وأمّ القيم الإنسانية وازدواجية المعايير، والتي تنظر بعين رمداء إلى ما يجري من مذابح على مدار الساعة في قطاع غزة المسحوق ولا تعتبرها جرائم إبادة جماعية أو أنها لا تبلغ مبلغ جرائم الإبادة الجماعية؛ لم تفعل هذا من قبل وتصنع قوس قزح لشعبها بالمناسبات الوطنية.

أيا كان اسمه قوس قزح أو قوس الرحمن، فإن الدكتاتوريين وقادة الانقلابات العسكرية، سيخربونه حتما. وبالتأكيد سيهرع علماء البلاط المتملقين إليهم ويخبرونهم أنهم سيُظهرون وجوهم على جسد قوس قزح

حتى دول الخليج العربي، صاحبة الكف الندية مع شعوبها والرفاه والرخاء الكامل، لم تبتع لهم أو تطلب من خبراء أجانب أن يخترعوا لهم قوس قزح، لا يهم إن كان طبيعيًا أو مصنعًا، المهم أنه قوس قزح ليتأمله اليتامى والثكالى والأرامل والمطلقات والفقراء والمرضى. أعتقد أن استئجار قوس قزح لمدة شهر، سيكون أجمل من تنظيم كأس العالم لمدة شهر.. أعتقد ذلك.

ولكن في البلاد التي نهشها الاحتلال، الأمر سيكون مختلفا جدا، في فلسطين على سبيل المثال لا الحصر، يجب أن نعلّقه لمدة 76 عاما، هذا دون حساب سنوات الاحتلال البريطاني.

أما في البلاد التي مزقتها الحروب الأهلية، فيجب تصميم قوس قزح خاص لهم ويكون معلقا إلى أن تضع الحرب أوزارها ويهدأ النقع ويعيد الرجال الأسلحة إلى صناديقها.

ولكن حتى لو تمكنا من خلق قوس قزح نعلّقه بسمائنا، كما يقوم العلماء بعملية استمطار السحب، سيكون اسمها عملية استقزاح السّماء.

وبالعودة إلى اللغة العربية الفصحى، فإن قزح هو اسم من أسماء الشيطان، فالأفضل أن يكون اسمه قوس الرحمن. على أي حال أيا كان اسمه قوس قزح أو قوس الرحمن، فإن الدكتاتوريين وقادة الانقلابات العسكرية، سيخربونه حتما. وبالتأكيد سيهرع علماء البلاط المتملقين إليهم ويخبرونهم أنهم سيُظهرون وجوهم على جسد قوس قزح، أو أن قوس قزح نفسه سينشق إلى قسمين، فلو افترضنا أنه في السودان، سيكون هناك قوسان الأول تتوسطه صورة لحميدتي وهو يركبه كناقة، والثاني للبرهان وهو يهزه كعصا. وكذلك في ليبيا والعراق واليمن و.. و.. و.. الخ.

أمّا قوس قزح فلسطين سيعتقله الاحتلال الإسرائيلي ويعتبره معاديا للسّامية، ويحكم عليه بثلاثين عاما وخمسة مؤبدات.

9