وضحى حمدان الغريبي: التشكيل الإماراتي يتطور جامعا بين الأصالة والمعاصرة

لا ترسم الفنانة الإماراتية وضحى حمدان الغريبي لمجرد حبها للرسم، وإنما لأنها تتشافى عبره من مشاعرها التي تثقل روحها، فهي ترى الفن تعبيرا عن المشاعر وتحريرا لها، خصوصا تلك التي تشعر بها المرأة، وهي ترى أيضا أن المرأة العربية نجحت في فرض أسلوبها والتعبير عن نفسها في التشكيل العربي، رغم معاناته من الكثير من التحديات.
القاهر - تحمل الفنانة التشكيلية الإماراتية الدكتورة وضحى حمدان الغريبي رؤاها الخاصة للحراك التشكيلي الإماراتي والعربي ومكانتهما عالميا، وهي تتبع أسلوبا يميزها يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مكنها من حجز موقع لها في هذا النمط الفني.
وترى الغريبي أن حركة الفنون التشكيلية ببلادها انطلقت في بداية السبعينات من القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم وهي تواصل مسيرتها نحو التطور جامعة بين الأصالة والاتصال الحميم بروح العصر، مع نظرة حية ومتجددة إلى التراث، منفتحة على العالم.
وأكدت أن الحركة التشكيلية العربية أصبحت تنافس مختلف الحركات التشكيلية بالعالم، وأن كثيرا من الفنانين العرب وصلوا إلى العالمية لأنهم سعوا إلى الارتقاء بالفن والوصول به إلى أعلى درجات السمو والإبداع من خلال الموضوعية وتقديم أعمال تتواكب وروح العصر.
وحول رؤيتها لما يعاني منه التشكيليون العرب، قالت إن الفنانين التشكيليين العرب يعانون من بعض المشكلات بينها صعوبة تسويق أعمالهم الفنية، إضافة إلى تأثرهم بالأزمة الاقتصادية التي يشهدها ويتأثر بها العالم أجمع.
ونوهت إلى أن الفن التشكيلي لا يجلب لصاحبه رزقا وفيرا، وذلك لأن الوطن العربي لا تنتشر فيه ثقافة شراء الأعمال الفنية واقتنائها.
أما حول رؤيتها لمكانة المرأة في المشهد التشكيلي العربي، قالت إن المرأة العربية أوجدت لنفسها مكانة كبيرة في ذلك المشهد، وشددت على أن الفن لا يميز بين الرجل والمرأة، وأن المقياس الوحيد هو الموهبة التي تميز عملا فنيا عن آخر.
وأضافت الفنانة الإماراتية أن المرأة دائما حساسة أكثر وينبثق الجمال من داخلها لتخرج عبر أعمالها التشكيلية كل ما في خلجات روحها من طاقات إيجابية أو سلبية تجسدها في العمل الفني وتشكله بالفرشاة والألوان، ولفتت إلى أن الحركة التشكيلية العربية بها الكثير من النساء اللاتي درسن الفن وتشبعن به وامتلكن أدواتهن الفنية بشكل جيد.
ورأت أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل وأن هذا الاختلاف لا بد أن يظهر في العمل الإبداعي الذي ينتجه كل منهما، مبينة أن إبداع المرأة مختلف، وأن الاختلاف لا يعني التفوق إنما هو اختلاف وميزة يحتمها نوع الجنس وطبيعة الحياة التي تحكمه.
وحول تجربتها التشكيلية وعلاقتها بالمدارس الفنية المختلفة، قالت الغريبي إن الرسم هوايتها منذ الصغر حيث كانت ترسم وتسترسل في الرسم والتلوين، وتقضي معظم وقتها مع كراسة الرسم والألوان، ترسم النخيل والبيوت في داخلها الأشجار والأطفال، وتفاصيل صغيرة لأدوات المنزل وأثاثه، كما كانت ترسم ألعابها، وتشارك دائما في المعارض الفنية وهي طالبة مما ساعدها على الاستمرار في تعلم الرسم أكثر، وازداد شغفها وكبرت هوايتها، ونمت محبتها للألوان، وبسبب حبها للرسم قررت أن تكمل مسيرتها التعليمية الجامعية بدراسة الفن، ونالت درجتي الماجستير والدكتوراه في الفنون، وزادت علاقتها بالألوان والفرشاة وأصبح الفن هو الصديق الحاضر دائما معها.
وأوضحت أن دراستها الأكاديمية للفنون منحت أعمالها الصياغة الفنية المعاصرة من خلال الجمع بين اللغة التشكيلية الحديثة والتوظيف الثري لمعطيات الفنون، المرتبطة بالبيئة والتراث الإماراتي، حيث تستخدم دائما مفردات فنية خاصة مرتبطة بالهوية الإماراتية، وبعد ذلك وبسبب الاطلاع على تجارب الفنانين تغيرت نظرتها للفن كثيرا، بعد أن شاهدت لوحات الفنانين العرب المتميزين، واطلعت على تجارب بعض الفنانين الانطباعيين والتكعيبيين والتجريديين من جيل الرواد.
وحول عوالمها الفنية وشعورها لحظة ممارستها للرسم، قالت إنه حين ترسم تشعر بالسعادة والفرح، وإن الفن لديها شكل من أشكال العلاج النفسي والخروج من دائرة الحالات النفسية، وهو يساعدها كثيرا على التعبير عن مشاعرها وخبراتها ومشاركة الناس أفكارها من خلال الرسم، فكانت تركز على التفاصيل الجمالية في الحياة، وعندما تنتهي من رسم لوحة تشعر بالراحة التامة لكونها انتهت من القيام بعمل تحبه.
وحول رؤيتها للعلاقة بين اللوحة الفنية والقصيدة الشعرية، قالت الغريبي “إننا نجد في الشعر ذلك الوهج الأدبي الجميل الذي يشكل اللغة وأبعادها التخيلية، ورأت أن العلاقة بين اللوحة الفنية والقصيدة الشعرية علاقة ذات سمات وأبعاد فكرية وشعورية وجمالية مشتركة”، واعتبرت أن العمل التشكيلي هو قصيدة متداخلة بخطوط وألوان شفافة بين عناصر اللوحة.
وحول موضوعات لوحاتها وحضور المرأة والرجل في أعمالها، قالت إن أعمالها مستمدة من مقومات جمالية وفنية مستوحاة من التراث الإماراتي، وتعتمد على الموضوعات المرتبطة بواقع الحياة الإماراتية وما تشتمل عليه من عادات وتقاليد ومعتقدات، وكذلك على دراسة السمات الفنية في تصوير الفن الحديث وربطها بالاتجاهات الفنية المعاصرة، ومحاولة الاستفادة من الحلول التشكيلية والمعالجات الفنية التي تحققت في أعمال الفنانين الذين تأثروا بالتنوع الثقافي.
وأشارت إلى حضور الرجل في أعمالها التي تستحضر فيها عناصر من البيئة البدوية لدولة الامارات العربية، وقالت إن “لديها عملا فنيا استلهمت فيه لباس الرجل الإماراتي التقليدي وجعلته محور الرؤية الفنية وهو عبارة عن الخيمة البدوية وقد صورتها بشماغ وعقال بأسلوب رمزي خيالي، لتعبر عن الهوية الإماراتية التي تلخص رمز الأصالة والتمسك بالعادات والتقاليد وتبرز دور الرجل في دولة الإمارات.
وأكدت أن المرأة تحتل مكانة مهمة في أعمالها الفنية، ووجود المرأة ضروري من الناحية التكوينية والجمالية، لتحقيق القيم التعبيرية من خلال رسمها لها بحجم كبير لتكون الشخصية الرئيسية في دلالة على قوة شخصيتها مع الالتزام بارتدائها الزي الإماراتي، كما تركز على نظرة المرأة في ثبات وقوة للتعبير عن مكانتها المهمة ودورها البارز في المجتمع.
يذكر أن الدكتورة وضحى حمدان الغريبي، فنانة تشكيلية وكاتبة إماراتية درست الرسم والتصوير الفني بجامعة حلوان المصرية، وصدر لها كتاب بعنوان “التنوع الثقافي في المشهد الفني الإماراتي المعاصر”، ولها العديد من البحوث والدراسات في مجال الفنون البصرية، إلى جانب مشاركتها في المعارض والملتقيات الفنية داخل الإمارات وخارجها.