نظرية "الزمن الجميل" وأزمة قراءة الزمن

الحاضر الذي نمقته والمستقبل الذي نخاف منه لم ينزلا علينا من السماء، بل هما صناعة أيدينا، وبدل أن يتم النظر إلى الأمام يجري دائما الهروب إلى الخلف.
الثلاثاء 2024/05/21
الهروب إلى الماضي

بين حنين إلى الماضي وصراع أجيال تختفي نظرية “الزمن الجميل” التي يتغنى بها الكثيرون في الوطن العربي، فكلما أراد الكثير منا التنديد بما لا يعجبهم في زمانهم لجأوا إلى مخزونات أو ذكريات جميلة من الماضي، ليثبتوا للناس ملاذ الماضي وعدم جدوى الحاضر.

ولا تتوقف مدلولات نظرية “الزمن الجميل” عند الحنين إلى الماضي ولا عند أزمة صراع الأجيال وعدم القدرة على التداول أو التعايش السلمي بين الجميع، بل تتعدى ذلك إلى أزمة تمزق كينونة هؤلاء، فالماضي لا يزال بالنسبة إليهم هو كل شيء، وأن كل شيء حديث لا يتواءم مع مزاجهم وهواهم هو انحراف عن الخط.

لا بد أن نعترف بأننا أمة تبجل الماضي، تمقت الحاضر وتخاف من المستقبل، وإلا لما كنا نسير حاضرنا ونخطط لمستقبلنا بموروث لا نملك الجرأة على إخضاعه للحقيقة والمنطق. ورغم أننا منبهرون بحاضر الأمم وبتخطيطها للمستقبل، ننكص إلى الخلف عندما يتعلق الأمر بأنفسنا، وهو سلوك ينطوي على أزمة متشابكة في تفكيرنا ووجداننا.

الحاضر الذي نمقته والمستقبل الذي نخاف منه لم ينزلا علينا من السماء، بل هما صناعة أيدينا، وبدل أن يتم النظر إلى الأمام يجري دائما الهروب إلى الخلف، بدعوى الزمن الجميل، وهو في الحقيقة زمن صنعته واحتوته أجياله، ولا يمكن أن يكون صالحا لنا إلا في حدود البنية الطبيعية لأي أمة.

سعينا لإضفاء الجمالية على الماضي، رغم أننا نعترف بأنه هو الآخر لا يسلم من السلبيات والأخطاء، هو محاولة لتعطيل آلة الزمن، وتوقيف العقارب بين أدراجه، لأننا عجزنا عن مواكبة الحاضر وعن التخطيط للمستقبل، أو لأننا لم نساهم في صناعة هذا العصر، ولذلك فإن اللجوء إلى الزمن الجميل هو نوع من الاعتراف بأننا أمة نعيش على الهامش ولا مكان لنا في هذا الزمن ولا في الزمن القادم.

الذكريات هي جزء من تركيبة المرء والحنين إليها شيء طبيعي لاستحضار الزمن أو الجيل، وهي لحظات قد تكون للترفيه كما قد تكون للتقييم والتقويم، لكن لا يمكن أن تكون قطْعا مع الحاضر والمستقبل، خاصة وأن شعوبا وأفرادا مازالوا يعيشون على أمجاد الماضي، بينما تم تدمير تلك الأمجاد في حاضرهم لأنهم لم يفهموا لعبة الزمن بأبعاده الثلاثة، ولذلك ضاع حاضرهم ومستقبلهم لأنهم أفرطوا في العيش بماضيهم.

قديما قالت الحكمة “ليس الفتى من يقول كان أبي، بل الفتى من يقول ها أنا ذا”، وهي مقولة حملت وصفة لنظرية الزمن الجميل، ووضعت التوازن المطلوب للتعامل مع الزمن، فلا تفريط في الماضي ولا إفراط فيه، لأن رسالة الفرد والشعب هي تحقيق القيمة المضافة للمجموعة وللإنسانية، وإلا كان عبئا على عالم لا يقبل المتفرجين في مسرح الحياة.

18