ماذا يريد التونسيون أكثر من إيطاليا

تونس لم تعد دولة عبور فقط، فهي قد تتحول إلى دولة وصول إذا شدد الأوروبيون الحراسة وفعّلوا الإجراءات الأمنية.
الأحد 2024/04/21
استراتيجية جديدة لصد المهاجرين

عاد الجدل في تونس عن موضوع توطين اللاجئين بعد نهاية زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني ولقائها الرئيس قيس سعيد وإطلاقها تصريحات تظهر الرهان على تونس ودورها في شراكة متعددة الأوجه ضمن مقاربة التصدي للهجرة غير النظامية.

ميلوني، التي زارت تونس أربع مرات في أقل من سنة، وجهت رسائل طمأنة للرئيس التونسي هدفت من خلالها إلى تبديد فكرة أن تونس يمكن أن تُترك لوحدها في المعركة مع فيالق المهاجرين الذين يتدفقون من جنوب الصحراء، وبصفة أوضح عملت رئيسة الحكومة الإيطالية على تبديد المخاوف من “المؤامرة” التي تقول إن روما تضغط على تونس لتكون مركز إيواء واستقطاب للمرحّلين من أوروبا.

وقالت ميلوني إن “تونس لا يمكن أن تصبح الدولة التي يُرسل إليها المهاجرون القادمون من بقية بلدان أوروبا”، وهو ما يعني أن مخاوف التونسيين، وأولهم الرئيس سعيد بشأن التوطين غير مبررة ومبالغ فيها، وتقف وراءها مخاوف سياسية داخلية ومزايدات أكثر منها توجسا من خطط أوروبية لتحويل تونس إلى “مخيم” كبير للمهاجرين الذين لا يستوفون شروط القبول الأوروبي.

◄من مصلحة تونس وقف موجات الهجرة الفوضوية واعتماد الهجرة النظامية، فلديها يد عاملة متخصصة مطلوبة في أوروبا ويمكن أن توسّع الشراكة مع دول أخرى لاستقبال هذه العمالة

يشار إلى أن البرلمان الأوروبي أقرّ قبل أيام، ضمن تعديل سياسات اللجوء، فكرة بناء مراكز حدودية لاحتجاز طالبي اللجوء، داخل بلدان الوصول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، وليس داخل بلدان العبور كما يروّج الكثير من التونسيين ضمن سياسة التشويش والخلط التي ترافق أيّ اتفاقيات تخطط تونس لإبرامها مع أيّ بلد مثلما حصل في الاتفاق الخاص بفتح مقر لصندوق قطر للتنمية.

وذكّرت ميلوني التونسيين في زيارتها التي استمرت بضع ساعات بأن “مرسوم التدفقات ينص على دخول 12 ألف تونسي بصفة قانونية إلى إيطاليا”.

وذكر مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية، الأربعاء، أن إيطاليا ستقدم إلى تونس تمويلات حكومية نقدية وتسهيلا ائتمانيا بقيمة إجمالية تبلغ 105 ملايين يورو (111.7 مليون دولار)، وذلك في إطار جهود روما لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية والحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

وقالت ميلوني عقب اجتماعها مع الرئيس قيس سعيد إن “الطاقة هي إحدى القطاعات التي يجب أن يستمر تعزيز التعاون بين إيطاليا وتونس في إطارها”.

وقال مسؤول بمكتب ميلوني إن روما عرضت على تونس تمويلات حكومية نقدية بقيمة إجمالية تبلغ 50 مليون يورو في إطار عدة اتفاقيات تهدف إلى مساعدتها على تعزيز مشروعات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.

وأضاف أن هناك اتفاقية منفصلة تنص على تسهيل ائتماني بقيمة 55 مليون يورو تهدف إلى دعم الشركات التونسية الصغيرة والمتوسطة.

◄ جورجيا ميلوني وجهت رسائل طمأنة للرئيس التونسي هدفت من خلالها إلى تبديد فكرة أن تونس يمكن أن تُترك لوحدها في المعركة مع فيالق المهاجرين
جورجيا ميلوني وجهت رسائل طمأنة للرئيس التونسي هدفت من خلالها إلى تبديد فكرة أن تونس يمكن أن تُترك لوحدها في المعركة مع فيالق المهاجرين 

وبالتأكيد فإن إيطاليا تكون قد عملت ما عليها، وبالقدر الذي تقدر عليه، لمساعدة تونس وإظهار جديتها في الوقوف معها للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها، لكن ذلك ليس مجانيا والجميع يعلمون أن ذلك جزء من خطط تحفيز أوروبية لدعم تونس حتى تكون شريكا فعالا في مواجهة الهجرة.

وكأن آخر خطط التحفيز اعتزام الاتحاد الأوروبي تقديم ما يصل إلى 164.5 مليون يورو (177.74 مليون دولار) لقوات الأمن التونسية بهدف مساعدتها على تطوير أدائها في التصدي للهجرة غير النظامية.

تبقى الآن الكرة في ملعب تونس. كيف ستتعامل مع الرغبة الأوروبية في “الشراكة الإستراتيجية” التي تقوم على ثنائية الدعم مقابل دور تونسي أكبر في معركة صد موجات الهجرة. هل ستقبل بأن تكون شريكا فعالا ميدانيا ومستفيدا اقتصاديا أم ستظل على موقف الشك والريبة، مع العلم أن الوضع اختلف هذه المرة، فزيارة ميلوني جاءت بعد قرارات أوروبية ملزمة وجماعية وأكثر تشددا في مواجهة الهجرة، وهو ما يعني أن تونس ستواجه موقفا أوروبا موحدا يبدأ بالمرونة وقد ينقلب إلى تشدد.

التشدد لا يخص تونس بشكل مباشر، ولكن من خلال حملات أمنية قوية لصد المهاجرين غير النظاميين ما يجعل من الصعوبة بمكان على من ينطلقون من تونس أن ينجحوا في دخول دول الوصول وسيعودون إلى الأراضي التونسية لتتحول البلاد من غير خطة مسبقة إلى مركز كبير لمن فشلوا في العبور مع استمرار تدفق الآلاف من الحدود البرية الجزائرية والليبية نحو تونس مستفيدين من رخاوة رسمية في البلدين الجارين وتركيز تونس على مواجهة التدفقات من البحر.

ما يزال الكثير من الناس يتعاملون مع موضوع الهجرة بمفردات قديمة ذات مدلول يضمر الاستهجان والاستنقاص من نوع أن تونس ترفض أن تكون حارس حدود أوروبا، وهو اصطلاح لا يراعي التطورات، فتونس لم تعد طرفا محايدا، فقد صارت جزءا من المشكلة وأمنها القومي يفرض عليها أن تتحرك ضمن شراكة جماعية مع أوروبا لمواجهة تدفقات الهجرة، في ظل غياب مفهوم الشراكة لدى دول العبور (تونس والجزائر وليبيا ومصر والمغرب) التي تتحرك بشكل منفرد.

وضمن هذا التوجه، دعا الرئيس التونسي إلى اعتماد “مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر وبأعضاء البشر في جنوب المتوسط وفي شماله”. كما استجابت ميلوني لمقاربة الرئيس التونسي التي تحث على معالجة الأزمة من جذورها من خلال دعم التنمية في أفريقيا، وقالت إن مكافحة الهجرة غير القانونية “تتطلب تنمية البلدان الأفريقية، واستثمارات تسعى إلى تعزيز هذه المقاربة الجديدة” على المستوى الأوروبي.

تونس لم تعد دولة عبور فقط، فهي قد تتحول إلى دولة وصول تماما مثل إيطاليا، وإذا شدد الأوروبيون الحراسة وفعّلوا الإجراءات الأمنية من جانب واحد فسيصبح الأمر معقدا، وسيكتشف الذين ينظرون إلى المشهد من منظار المؤامرة أن تونس صارت في قلب الأزمة.

◄ البرلمان الأوروبي أقرّ قبل أيام، ضمن تعديل سياسات اللجوء، فكرة بناء مراكز حدودية لاحتجاز طالبي اللجوء، داخل بلدان الوصول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا

وفي هذا السياق، يرى الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن ميلوني تستبق تحسن العوامل المناخية التي يقترن معها تصاعد في عمليات الهجرة غير النظامية من أجل الضغط على تونس لحراسة الحدود الأوروبية.

لا شك أن مقاربة الدولة التونسية تختلف كليا عن مقاربة المتحدثين باسم المنظمات الحقوقية أو باسم الأحزاب وخاصة الأحزاب ذات النفس الشعبوي الذي يرى في كل ما يأتي من الجهة المقابلة مؤامرة وأن على تونس أن تغلق الأبواب في وجهها.

من جانبه، يقول محمود بن مبروك، أمين عام حزب مسار 25 جويلية (يوليو) الموالي للرئيس سعيد “تونس لن تتصدى أمنيا وعسكريا للهجرة غير النظامية للفضاء الأوروبي، لأنها أولا غير مسؤولة عن المجال الكامل للبحر المتوسط، وثانيا لن تقبل الضغوط”.

ويضيف في تصريح للأناضول “نرفض إبرام اتفاقية بهذا المجال، وحتى البنية التحتية في تونس غير قادرة على احتواء الآلاف من المهاجرين الذين يهددون القدرة الشرائية للتونسيين ويتسببون في ندرة عدة مواد أساسية”.

هؤلاء يتحركون من مواقع مريحة، ووجودهم مبني على تصعيد الخطاب للفت الأنظار أو البحث عن الاستقطاب من بوابة الشعارات، فيما الدولة تتحرك بميزان المصلحة، ومصلحة تونس في أن تحمي أمنها القومي من بوابة الشراكة الإقليمية في مواجهة الهجرة، لا أن تكتفي بالفرجة نكاية في أوروبا فينقلب عليها الضرر مضاعفا بأن تتحول إلى دولة وصول وتخسر فرص الدعم الأوروبي.

مع الإشارة إلى أن من مصلحة تونس وقف موجات الهجرة الفوضوية واعتماد الهجرة النظامية، فلديها يد عاملة متخصصة مطلوبة في أوروبا ويمكن أن توسّع الشراكة مع دول أخرى لاستقبال هذه العمالة مع تعديل برامجها التعليمة بما يتماشى مع مطالب السوق الأوروبية، وهو برنامج تم البدء بالعمل عليه ضمن مقاربة الشراكة الأوروبية – التونسية قبل ثورة 2011.

6