هل تغير زيارة السوداني إلى أميركا سياسة العراق تجاه الأكراد

مهما كانت قدرة نيجيرفان على الحوار والتعامل بدبلوماسية لن يصل إلى نتيجة تذكر ولن يحقق أي شيء ملموس وذلك لعدة أسباب منها اختلاف الآراء والتوجهات السياسية للأحزاب والفصائل داخل الإطار التنسيقي.
الخميس 2024/04/18
زيارات يعود منها محملا بوعود لا تنفذ

منذ فوز الائتلاف العراقي الشيعي الموحد برئاسة عبدالعزيز الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عام 2005 في الانتخابات وتولي إبراهيم الجعفري من حزب الدعوة الإسلامية تشكيل أول حكومة شيعية لإدارة البلاد، والقوى الكردية المتمثلة بالأحزاب العلمانية والإسلامية تحاول بشتى الطرق أن تتناغم مع النظام الجديد، وتجد أرضية مشتركة مع الائتلاف الشيعي، من خلال المشاركة في العملية السیاسیة وكتابة الدستور وإعادة بناء المؤسسات الحكومية وتشكيل الحكومة، ولكن دون جدوى.

حاولت القوى الكردية القيام بالمستحيل للتعامل مع القوى الشيعية التي سيطرت تماما على كل مفاصل السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهيمنت على الموارد المالية والنفطية وطوعتها لخدمة أهدافها السياسية والطائفية، ومن ثم عملت على عسكرة المجتمع من خلال تشكيل قوات الحشد الشعبي لتكون جيشا ميليشياويا رديفا للجيش النظامي ومهيمنا عليه، يضم في طياته أكثر من سبعين فصيلا ولائيا متطرفا، ويأخذ من موازنة الدولة حصة الأسد تصل (2.6 مليار دولار عام 2023)، بينما تمنع عن إقليم كردستان حصته القانونية من تلك الموازنة، وتستعمل ورقة ضغط ضده للحصول على المزيد من التنازلات السياسية.

منذ عام 2014 والحكومات العراقية المتعاقبة تحاصر الإقليم وتمارس أشد أنواع التجويع ضد الشعب الكردي، وكل المحاولات الدبلوماسية التي بذلتها حكومات الإقليم والاتفاقات السياسية التي أبرمتها مع سلطات بغداد لثنيها عن اعتماد هذه الطريقة القاسية في التعامل مع الإقليم الذي هو جزء من العراق، باءت بالفشل الذريع. ولو أحصينا الزيارات التي قامت بها الوفود الكردية إلى بغداد منذ 2005 للتطبيع وحل الأزمات التي تثيرها الحكومات العراقية المتعاقبة، نجد أنها لا تعد ولا تحصى، وعلى وجه الخصوص الزيارات المكوكية التي قام بها نيجيرفان بارزاني والاجتماعات التي عقدها مع مسؤولين في الحكومة والدولة ورؤساء الأحزاب الشيعية بين حين وآخر، وهو على رأس رئاستي الحكومة والإقليم.

◄ القوى الكردية حاولت القيام بالمستحيل للتعامل مع القوى الشيعية التي سيطرت تماما على كل مفاصل السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهيمنت على الموارد المالية والنفطية وطوعتها لخدمة أهدافها

آخر زيارة قام بها نيجيرفان لبغداد كانت في 6 أبريل الحالي، وأتت على خلفية قرار المحكمة الاتحادية إلغاء كوتا الأقليات في انتخابات برلمان الإقليم والخلاف حول أموال الموازنة ومرتبات الموظفين، وهي أسباب بمجملها دفعت قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى إعلان تعليقه المشاركة في انتخابات الإقليم المحلية المقررة في يونيو/حزيران المقبل، وكالعادة تم استقبال رئيس إقليم كردستان بحفاوة وترحيب والاجتماع معه بكل سلاسة ورحابة صدر. ورغم الثقة الكبيرة التي يحظى بها بارزاني من جانب قادة الشيعة كشخصية سياسية محترمة ودبلوماسي مرن وقدرة عالية على حلحلة الأوضاع والوصول إلى نقاط وطنية مشتركة، حسب تقييمهم للرجل، لم يصل معهم إلى نتيجة تذكر إلى حد الآن ولم يأخذ منهم كلمة حق أو باطل!

وكما في كل مرة، تلقى منهم وعودا معسولة وأماني حلوة، ولكن ما أن يترك بغداد ليعود إلى الإقليم حتى ينقضوا عهودهم ويعودوا إلى عادتهم القديمة ويستمر النزاع.. وهكذا دواليك!

الجانب الكردي يحاول جرّ الجانب الشيعي إلى العمل بالدستور وتطبيق أهم مادة فيه وهي المادة 140 والجانب الشيعي يتهرب من تنفيذها من خلال إثارة أزمات جانبية مثل استمرار فرض الحصار وقطع الرواتب وإلغاء قانون النفط والغاز الكرديين والتدخل بشؤون انتخابات الإقليم.. إلخ.

مهما كانت قدرة نيجيرفان على الحوار والتعامل بدبلوماسية لن يصل معهم إلى نتيجة تذكر ولن يحقق أي شيء ملموس على أرض الواقع وذلك لعدة أسباب منها تباين واختلاف الآراء والتوجهات السياسية للقادة والأحزاب والفصائل داخل الإطار التنسيقي وهو ما يؤثر على اتخاذ قرار حاسم، فالسياسة الحكومية التي ينتهجها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لخفض التصعيد مع الإقليم تختلف تماما عن السياسة العدائية التي تتبناها الفصائل.

إضافة إلى العادة التي درج عليها قادة الأحزاب الشيعية منذ توليهم الحكم، وعدم التزامهم بالوعود السياسية ولا بالمواثيق والاتفاقات المبرمة مع الأكراد وفقا لمبدأ “التقية” الذي يمارسونه في السياسة على نطاق واسع، وحتى الدستور الذي صوت عليه الشعب، ركنوه جانبا ولم يلتزموا به ولم ينفذوا مادة واحدة مفيدة منه!

ولعل الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة العراقية إلى أميركا تضع حدا لسياسة الصراع القائمة بين بغداد وأربيل منذ 2005 وتغير بعضا من الأسلوب العدائي في فرض الأجندات بالقوة على إقليم كردستان.

9