"نفائس" ترويج لثقافة الأنتيك وتحفيز للاهتمام بالتراث في البحرين

ثقافة المزادات المخصصة للأنتيك وللقطع القديمة والنادرة لا تلقى رواجا كبيرا في منطقة الخليج العربي وتحديدا في البحرين، أين تحاول مؤسسة “نفائس” التي يقودها الدكتور عبدالله السليطي التأسيس لثقافة الاقتناء ومهارة التمييز بين القطع الأصلية ذات الأهمية التاريخية والحضارية والقطع المزيفة.
يأتي مزاد “نفائس” في البحرين كمنصة لعرض وبيع القطع التراثية النادرة التي تحمل في طياتها جزءًا من تاريخ شبه الجزيرة العربية، فيما يسعى لتعزيز ثقافة جمع الأنتيكات وتوعية المجتمع بقيمتها التاريخية، بهدف زيادة احترام الجمهور وتقديره لهذه الأصول. وبينما يواجه عالم المزادات تحديات عدة، يواجه فريق “نفائس” هذه التحديات بطموح إلى جعله مركزًا ثقافيًا متميزًا.
ومن رحم خبرته العميقة في مجال التحف والمقتنيات القديمة (الأنتيك)، تبلورت فكرة إنشاء مزاد “نفائس” لدى د. عبدالله السليطي، مؤسس مؤسسة نفائس، الذي رأى أن هناك ضرورة ملحة في البحرين ودول الخليج لغرس ثقافة الاقتناء المعرفية، التي يقول عنها إنها “ثقافة لا تتجلى فقط في زيادة الوعي حول القطع الأصلية وكيفية التمييز بينها وبين النسخ المقلدة، بل في بناء منصة تمكّن الأفراد من تجنبها بفعالية”.
ويؤكد السليطي – الحاصل على درجة الدكتوراه في الجغرافيا التاريخية، وله دراسات عديدة في تاريخ البحرين الحديث والمنطقة العربية – أنه “متى ما أتيح للمشروع فرصة النمو، فإنه سيصبح بمثابة اللبنة الأساسية لسوق المزادات في البحرين والخليج، متطورا إلى أبعد من مجرد مزاد، ليصبح مركزا ثقافيا متنوعا يُعتمد عليه في الإثراء الثقافي والمعرفي”.
وشهد مزاد “نفائس”، الذي انطلق عام 2018 وأقيم خمسة عشر مرة حتى اليوم، عرض المئات من المقتنيات الفريدة، من بينها وثائق تاريخية قديمة تعود إلى عهد الدولة السعودية الثانية، وأطباق نادرة من الموائد الملكية السعودية، وهو ما يستقطب حضورا من المملكة العربية السعودية للمزايدة على القطع المعروضة في البحرين. كما تصاحب المزاد منصة إلكترونية لتسهيل المشاركة الدولية.
ويتحدث السليطي عن أبرز المقتنيات التي تم بيعها في المزاد بالقول “برزت قطعة مذهلة تتمثل في طبق ملكي خاص صنع في عهد الملك عبدالعزيز والتي بيعت بما يقارب ثمانية عشر ألف دولار أميركي. بالإضافة إلى ذلك، تم بيع نسخة نادرة من صحيفة ‘الشعلة’ البحرينية، التي طُبع منها عدد واحد فقط، بما يقارب ستة عشر ألف دولار، وتبع النجاح ذاته شجرة عائلة آل الصباح التي بيعت بالسعر نفسه”.
كذلك لفتت الأنظار الكسوة القادمة من الحرم المكي الشريف والمدينة المنورة. أما القطعة الأغلى التي تم بيعها فهي ستارة منبر المسجد الحرام، المصنوعة من الحرير الأسود والأصفر عام 1899 في مصر، ومزينة بالفضة ونقوش نباتية وآيات قرآنية، بمبلغ 132 ألف دولار مع شهادة أصالة.
وحول المعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار في عملية التقييم، لاسيما المقتنيات المتعلقة بشخصيات عربية بارزة، يؤكد السليطي أن “وجود تاريخ موثّق لهذه القطع يُسهّل بشكل كبير من عملية التقييم ويرفع من قيمتها”، لافتاً إلى أن تقييم المقتنيات المرتبطة بشخصيات تاريخية أو مهمة يكون أسهل وأكثر دقة للمقيّمين، ما يعزز من جاذبيتها في سوق المزادات.
ويشير إلى أن “عملية تقييم القطع التراثية تتم بمساعدة خبراء ذوي خبرة واسعة، سواء داخل البحرين أو خارجها، إذ يجرون دراسة علمية دقيقة لكل قطعة، ثم يقدّمون رأيهم حول قيمتها ومدى صلاحيتها للبيع”.
وإثر سؤاله عن كيفية التعامل مع القطع ذات الأهمية التاريخية والثقافية الكبيرة، مثل قطع كسوة الكعبة المشرفة أو ستارة الحجرة النبوية الشريفة، أوضح أنه “يتم اتخاذ خطوات دقيقة ومعمقة للتقييم، إذ يبدأ العمل بأخذ عينات من الأقمشة والأسلاك الفضية المستخدمة في صناعة الستارة وإرسالها إلى مختبرات متخصصة. هذه المختبرات تقوم بدراسات مفصلة لتحديد أصالة المواد المستخدمة ونوع الحرير – إذا كان صينيا أو يابانيا – ومن ثم التحديد التقريبي لعمر الكسوة أو الستارة”.
ويتابع لافتا إلى المعايير المتبعة لضمان شفافية وعدالة عملية التقييم ” يُكتب بعد ذلك تقرير كامل عن الستارة يتضمن كافة النتائج والاكتشافات التي توصلت إليها المختبرات. هذا التقرير يُرسل إلى خبراء في مجال القطع التراثية والتاريخية، الذين بدورهم يدلون بآرائهم بناءً على المعلومات المقدمة. أخيرًا، عند عرض القطعة للجمهور أو للبيع، يُصدر معها شهادة توثق نتائج الدراسة والتقييم، وتُرفق مع القطعة لتأكيد قيمتها وأصالتها. وهذا النهج المنهجي يضمن الشفافية والوضوح للمهتمين والمقتنين، ويحافظ على قيمة هذه القطع التاريخية الثمينة”.
ويرى مؤسس “نفائس” أن تحقيق التطور في ثقافة المزادات في المنطقة لن يكون ممكنا دون وجود أساس راسخ يتمثل في بنية تحتية قوية، تضم خبرة معرفية واسعة وفهما عميقا للتاريخ والآثار. “من هذا المنطلق، حرصنا على إصدار كتيب مفصل بكل مزاد، مطبوع باللغتين العربية والإنجليزية، ليكون بمثابة مرجع غنيّ للباحثين والمهتمين بعالم المزادات”.
ويواجه هذا النوع من المزادات جملة من التحديات، وهو ما يتطلّب وجود فريق متخصص ومتعاون، يكرّس وقته وجهده لبناء مؤسسة موثوقة وسمعة ممتازة في عالم مزادات الأنتيك، وفقا للسليطي.
ولدى سؤاله عن أبرز التحديات أجاب “التحقق من الأصالة والقيمة، أي تحديد ما إذا كانت القطعة أصلية أو نسخة مقلدة، وتحديد قيمتها بدقة، وما هو يتطلب خبرة واسعة وأحيانًا دراسة معمقة وتحليلا في مختبرات متخصصة. ويتوجب علينا الإلمام الدقيق بكل قطعة قبل أن نقرّر عرضها في المزاد. في بعض الحالات، نكتشف أن القطع مقلدة، بينما في أحيان أخرى، نصادف قطعًا نادرة للغاية. كذلك الحفاظ على حالة القطع ومنع تلفها خلال عملية العرض والتخزين يعد تحدياً، خصوصاً للقطع القديمة والهشة”.
ولضمان نجاح المزاد، يشدد مؤسس “نفائس” على ضرورة تأمين القطع والتحقق من مصادرها، وذلك للحماية من التزوير والسرقات، بالإضافة إلى التأكد من التزام المزاد بجميع اللوائح والقوانين المحلية والدولية الخاصة ببيع وشراء الأنتيكات والقطع التراثية، وصولاً إلى بناء الثقة المتمثلة في ثقة المشترين والبائعين في العملية وفي أصالة القطع المعروضة.
من جانب آخر، فإن “فهم السوق وتقلباته والتنبؤ بالاتجاهات والاهتمامات يمكن أن يكون صعبا، ولكنه ضروري لنجاح المزادات”، وفقاً لقوله.
وعمّا إذا كان هناك توجه لإقامة في دول أخرى إلى جانب البحرين، بيّن السليطي أن “هناك حاجة للقيام ببحث السوق أولا، وتقييم النظم القانونية والضريبية المحلية، وتحديد الجمهور المستهدف في المناطق الجديدة. كما أن توسعة النشاطات قد تستدعي تعديلات في الإستراتيجيات التسويقية، للتأكد من أنها تلبّي توقعات الأسواق الجديدة واحتياجاتها”.