الروائية السورية ريما بالي: الأدب الخجول ليس أدبا

تشهد كتابة الرواية طفرة كبيرة في الأدب العربي، ولكن ليس الجميع يحملون مشاريع روائية واعية، الكثيرون يتوقفون عند الرواية الأولى، وقليلون من يستمرون في البناء والتجديد والتجريب، واعين بشكل لافت بالحدود الصعبة بين الخيال والواقع والذات والشخصيات الروائية، على غرار الكاتبة السورية ريما بالي التي كان لـ"العرب" معها هذا الحوار.
ريما بالي كاتبة وروائية من مدينة حلب السورية، درست التجارة والاقتصاد وعملت في مجال التسويق والسياحة وصولا إلى إدارة الفنادق. وغادرت ريما سوريا واستقرت في العاصمة الإسبانية مدريد، وقد صدرت لها روايات "ميلاجرو"، "غدي الأزرق"، "خاتم سليمى"، "ناي في التخت الغربي". ولم تتوقف في كتاباتها على الرواية بل لها كتابات في الشعر، وقد شاركت بقراءات شعرية في عدة ملتقيات ثقافية داخل سوريا وخارجها، كما تُرجمت بعض أعمالها إلى عدة لغات.
"ميلاجرو" وتعني بالإسبانية “المعجزة” العنوان الذي اختارته ريما بالي للعمل الروائي الذي يحكي قصة موطن وقصة حب بدأت في حلب السورية وانتهت في النمسا، حول الرابط المشترك بين حلب والنمسا، ومكامن المعجزة في روايتها، تقول بالي "ميلاجرو عنوانها الفرعي ‘بين طاحونة الحرب ومعجزة الحياة’، هي رواية الوطن الأصلي والوطن البديل الذي يصل إليه اللاجئون بطرق غير شرعية، ورمزت لهما في العمل بالحب الشرعي وغير الشرعي، المعجزة كانت فيما أثمر عنه ذاك الحب، الحياة التي انبثقت من الموت، النور الذي ولد من الظلمة، أو بشكل أدق ‘معجزة الحياة التي خرجت من طاحونة الحرب'".
كتابة الرواية
ونسألها هل ميلاجرو انعكاس لتجربة وجدانية مرت بها في حياتها، لتجيبنا "قد تكون انعكاسا لتجربة مر بها معظم السوريين كما اللاجئين الآخرين، وأنا واحدة منهم. في ميلاجرو استعنت بالكثير من التفاصيل التي عشتها في حياتي ومرت على مدينتي ووطني وشعبي، بعد أن وظفتها ضمن السرد الروائي والحبكة الدرامية".
قالت بالي في تصريح سابق إن ترشيح رواية “خاتم سليمى” لجائرة البوكر العربية “إنصاف لمعاناة مدينتي العظيمة حلب، وفيها حالة عشق للمدينة، رغم أن الرواية تاريخها لأكثر من 35 عاما”، نسألها عن عوالم هذه الرواية لتقول “المخطط الزمني لـ’خاتم سليمى’ يستمر حتى العام 2017، هي رواية التساؤلات والتناقضات والثنائيات، والبحث عن الحقيقة والبحث في مفهوم الحقيقة بشكله المجرد، وتشريح لعدد من القيم والمفاهيم التي تتحكم في حياتنا كالعشق والانتماء وحرية الاختيار، وتحضر حلب بشخصيتها الطاغية الفاتنة في المحور الذي يناقش التمسك بالأرض والتقاليد أو التخلي عنهما، وقد قلت عن هذا العمل إنه ليس رواية عن الحب وليس رواية عن الحرب، بل قد يكون نصف رواية تحتاج إلى مخيلة قارئ كي تكتمل".
وحول إمكانية تحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي حسب رأيها، تقر بالي بأن ذلك يسعدها، وتضيف “قد نحتاج إلى خبرة مخرج سينمائي ليجيبنا عن توافر هذه الإمكانية في النص من عدمها". في جديدها الروائي "ناي في التخت الغربي” نشعر بطاقتها على السرد، وخزينها الوافر من البوح، مع ذلك تلتزم الكاتبة بالجملة القصيرة فلا تسترسل هذه أو تفيض على ضرورات المشهد. جملة رشيقة كما لو كاميرا تتنقّل سريعا على وجوه ومكامن ومواجع. نسألها هل تقصد التكثيف كشرط ينهض بفنية الرواية الحديثة؟
تجيب بالي "أنا قبل أن أكون كاتبة، قارئة ذات نفس قصير، أي لا أحتمل المط في السرد والإسهاب في الشرح، لذلك أتقصد حين أكتب أن أرضي القارئة في داخلي قبل أن أفكر بغيري من القراء، نعم أنا أتعمد التكثيف كشرط تفرضه ذائقتي الفنية الخاصة قبل النظر في النواحي الفنية للرواية الحديثة". وبصفتها روائية عربية نسألها إن استطاعت الرواية العربية شق طريقها عالميا وتمكنت من احتلال واجهات المكتبات وأسواق الكتب والمعارض؟
تقول بالي “ليس بعد للأسف، وأقصد على المستوى الشعبي وليس الأكاديمي، ففي واجهات المكتبات غير العربية (الأوروبية أو الأميركية وغيرهما) نادرا ما تجد رواية لكاتب عربي (أي كتبت بالأصل بالعربية قبل أن تترجم)، وأظن أن السبب يعود إلى قلّة الأعمال العربية المترجمة ومن ثم إلى ضعف التسويق وعلى الرغم من تكاثر المتطفلين على مجال الرواية مؤخرا، وبشكل مخيف أثّر على المستوى العام والذائقة العامة (وهي آفات يعاني منها الأدب في كل مكان وليس في العالم العربي فقط) فأجد ثمة روايات عربية كثيرة تستحق وبكل جدارة أن تصل إلى العالمية، أما إن كانت قد وصلت بالفعل أم لا، وكما ذكرت في إجابة سابقة، فمازالت الرواية العربية تخطو خطوات خجولة في مجال الترجمة والانتشار العالمي".
الغربة والجرأة
حين يشعر الإنسان بالغربة وهو وسط أهله حتما سيكون الرحيل أفضل حل لهذه المعاناة، نتطرق مع بالي إلى الحديث عن وطن الغربة، لتقول “عندما تبتلي بلعنة الغربة وأنت في وطنك، فهي لن تزول بمغادرته، الوطن لا يعوّض ولو كان غربة بحد ذاته، ثمّة فراغ مزمن في زاوية ما من القلب لا فائدة من محاولة ملئه، لكنني تعايشت معه، وخلقت لنفسي عالما موازيا دافئا مع أحباء وأصدقاء يشبهونني أهدتهم لي الحياة، وكانت الكتابة ملجئي وملاذي، وهويتي الجديدة”.
تمتاز الروائية ريما بالي بالجرأة في كتاباتها، ففي الكثير من رواياتها وقصصها نجد الجرأة ماثلة للعيان، نسألها إن كانت رواياتها تمثل انعكاسا لشخصيتها أم شخصية الأبطال التي تستوحي منهم هذه الأحداث أم هي رغبة في التحرر التي غالبا ما تجتاح الأديب والروائي والشاعر؟
◙ تصدر الرواية عرش الأدب العربي في المرحلة الراهنة يعود إلى ذائقة الجيل الحالي التي تحكمها عدة عوامل
تجيبنا الروائية السورية “الأدب الخجول ليس أدبا، والروائي الجبان لا مكان لأعماله في عالم الإبداع، الجرأة مطلوبة والحرية ضرورية لرسم عوالم حقيقية أو حتى خيالية تقنع القارئ وتمتعه وتثري فكره. مع وجوب التمييز بين الجرأة والإسفاف، إذ ليس صحيحا إن ما يفصلهما خط رفيع، بل حدود واضحة وبون شاسع”. أما عن مكانة الرجل في حياة ريما بالي، فهي تقر بأنه شريكها في ورطة الحياة وبهجتها، الذي يحمل جنسا مختلفا.
وعن موقعها الذي تراه بين كتاب القصة والرواية العرب، تقول “أنا لا أضع نفسي إلا بين كتبي وعوالمي وشخصياتي، أنا أحبها وأحترمها ومخلصة لها، وكذلك للقارئ الذي يعوّل عليها، والبقية تأتي، والتصنيف لا يهمني. أما بالنسبة إلى الرواية، فأنا مازلت أبحث لنفسي عن موطئ قدم في عالمها السحري المدهش”.
نسأل بالي لماذا يتجه الكاتب اليوم إلى جنس الرواية بالتحديد؟ فتجيب “لا أعرف بالتحديد ما هي دوافع غيري من الكتّاب، أما عن نفسي، فأنا أفعل هذا لأنه الجنس الذي يمتعني وأجيده أكثر من سواه، أما عن تصدّر الرواية عرش الأدب العربي في المرحلة الراهنة، فأظن أنها ذائقة الجيل الحالي التي تحكمها عدة عوامل".
في نهاية الحوار مع "العرب" تتحدث ريما بالي عن جديدها مبينة أن بعد روايتها "ناي في التخت الغربي" التي صدرت منذ أشهر قليلة، ثمة مشروع لرواية جديدة مازال في قيد تحضير الأفكار العامة والخطوط الرئيسية ولم يدخل طور البحث والكتابة بعد.