العمانيون يربطون الماضي بالحاضر في بناء نهضتهم

معارض الكتب ليست فقط مجالا لتداول الكتب وبيعها أو هي مناسبات للقاءات والفعاليات الثقافية، بل هي أيضا شريك هام في تحقيق التنمية الشاملة والحراك الحضاري الذي تسعى كل دولة من خلاله إلى تطوير بناها الفوقية والتحتية والتطلع إلى مستقبل أفضل، وهذا ما استوعبه العمانيون بشكل كبير.
قضيت أياما في سلطنة عُمان، شهدت خلالها بعضا من فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته الـ28، وتجولت خلالها في العاصمة مسقط، وفي نزوى العاصمة التاريخية للبلاد، والتقيت بمسؤولين ومثقفين وزرت مؤسسات واطلعت على جوانب من خطط السلطنة في مجالات عدة بينها الثقافة والاستثمار والإعلام، ورأيت ما تحقق من تطور ومظاهر نهضة حديثة وذلك الحضور العُماني البَهيْ الذي يربط الحاضر بالماضي، ويبدوا فيه جليا ذلك الاهتمام بالتراث الذي يعملون على صونه وإحيائه ونقله للأجيال، ويستلهمون منه العِبر والدُروس ويوظفونه في التخطيط للمستقبل.
في ردهات وأجنحة المعرض، كانت الصورة كافية لتعرف حجم اهتمام العُمانيين بالثقافة والكتاب وبتاريخهم وموروثهم، وكانت الطوابير الممتدة للأطفال من تلاميذ المدارس، وحضور الأطفال، وانتشار الشباب والكبار في كل موقع بالمعرض دليل كافٍ على الحضور القوي للثقافة في عُمان، إضافة إلى تنامي أعداد دور النشر العُمانية، وبروز الدور الثقافي لها بالمعرض من خلال تلك الفعاليات التي نظمها الناشرون العمانيون.
وكان استمتاعنا بذلك الحضور المُبهر للثقافة والتراث والآداب والفنون العُمانية، ومثقفي السلطنة ومُبدعيها، وتلك الوجوه البشوشة التي ترتسم على ملامحها ابتسامة لا تُنسى، والأحاديث التي تكشف عن ثقافة أصيلة وفكر مستنير.
الكتب والثقافة
ولا أنسى الحلوى العُمانية من الباحث والكاتب الشيخ سعود الحارثي، وجلسات الحوار مع مفكرين ومثقفين عُمانيين وعرب في جناحي دار لبان وصاحبها محمد سيف الرحبي، الروائي المُبدع وأحد الأقلام العربية المهمة في حقل أدب الرحلات، ودار الفلق للنشر والحوار الذي لا ينسى مع الدبلوماسي العُماني المخضرم والمفكر الشيخ سيف المسكري.
ويلعب الإعلام العُماني دورا مهما في تحقيق النهضة الثقافية التي تشهدها البلاد، وقد أكد لنا وزير الإعلام الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي، خلال لقاء جمعنا به على ضرورة وجود إعلام قوي يدعم خطط النهوض بالأوطان، وكشف عن متابعته الشخصية لتنفيذ الخطط الموضوعة للنهوض بوسائل الإعلام ببلاده، وحرصه على أن يكون حاضرا ومتابعا لكل خطط التطوير داخل كل مؤسسة إعلامية بما في ذلك صحيفة عمان التي يقول وزير الإعلام بأنه يقف على رأس العمل بها من أجل أن تكون المنبر القوي المُعبر عن سلطنة عُمان محليا وخارجيا.
◙ ردهات وأجنحة معرض مسقط كانت كافية لتعرف حجم اهتمام العُمانيين بالثقافة والكتاب وبتاريخهم وموروثهم
ويلعب قطاع الإعلام الخارجي، والعاملون به وعلى رأسهم الخبيرة الإعلامية شيخة بنت أحمد المحروقي، دورا لافتا في إطلاع الإعلام الدولي على ما يجري من منجزات على أرض السلطنة، والتعريف بتاريخها وتراثها ومعالم نهضتها.
ولعل من اللافت ذلك التعاضد والتكامل بين الوزارات والمؤسسات العُمانية المختلفة من أجل إنجاح فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب، فهذه وزارة الإعلام تستقبل وفود الإعلاميين من أجل تقديم صورة شاملة للمشهد الثقافي العُماني للعالم أجمع، وهذه وزارة الثقافة والرياضة والشباب تنجح في صنع شراكة مع كافة الوزارات والهيئات من أجل خدمة الثقافة، وهو الأمر الذي تجلّى بوضوح في فعاليات المعرض المتنوّعة والثّرية والتي أشرف على تنفيذها مثقف بشوش الوجه هو أحمد الرواحي مدير المعرض، الذي يتمتع بشبكة علاقات واسعة مع جموع الكُتّاب والناشرين والمثقفين داخل الوطن العربي وخارجه.
وإذا ما توجهنا إلى قطاعات أخرى مثل قطاع الاستثمار فقد أدهشتنا تلك الخطط الطموحة والأرقام المحققة في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية، وكانت أوجه تلك الدهشة، أن من استقبلنا خلال زيارتنا لمؤسسات وزارة الصناعة والتجار وترويج الاستثمار، وشرح لنا تلك الخطط، هم شباب يمتلكون الخبرة والحماس.
وبحسب ما استمعنا إليه من الخبراء، فإن سلطنة عمان استكملت بالفعل منظومة الأدوات اللازمة لتنمية المشروعات والاستثمارات، وبجانب إطلاق صندوق عُمان المستقبل، تم أخيرا إطلاق بنك الاستثمار العُماني المملوك بالكامل للحكومة، كأول بنك استثماري متخصص في سلطنة عُمان، وذلك بعد حصوله على التراخيص ذات الصلة من البنك المركزي العُماني والهيئة العامة لسوق المال.
تنمية شاملة
وقد جاء إنشاء البنك لدعم الأهداف والطموحات الإستراتيجية لسلطنة عُمان وجذب وخدمة المستثمرين محليا وإقليميا، عبر تقديم مجموعة واسعة من الخدمات المالية تتنوع بين الاستشارات المالية للشركات وتطوير أسواق الأوراق المالية المحلية والإقليمية.
وفي القطاع السياحي، شاهدنا تلك الأعداد الكبيرة من السياح العرب والأجانب في مطار مسقط الدولي، وفي سوق نزوى وقلعتها وحصنها التراثي، وفي متحف عمان عبر الزمان، وغير ذلك من المناطق السياحية والتراثية في السلطنة، الأمر الذي يشير إلى نجاح خطط عُمان للنهوض بهذا القطاع وجذب أعداد أكبر من السياح لزيارة البلاد.
وإذا ما توجهت أعيننا صوب قطاع آخر وهو قطاع التنمية الاجتماعية، فقد أُعلن حديثا عن اعتماد مسقط عاصمة للمرأة العربية نحو الإبداع والابتكار، وذلك خلال رئاسة سلطنة عُمان ممثلة في وزارة التنمية الاجتماعية أعمال اجتماع الدورة الـ43 للجنة وضع المرأة العربية بجامعة الدول العربية، وهي الدورة التي ترأست أعمالها معالي الدكتورة ليلى بنت أحمد النجار وزيرة التنمية الاجتماعية.
ولا يفوتنا أن نُشير إلى ما شاهدناه وسرنا عليه من شبكة طرق حديثة تخدمها مجموعة من الكباري التي أقيمت من أجل تحقيق السيولة المرورية واستيعاب النمو المتسارع في أعداد المركبات وحركة النقل. وقد تجسدت كل مراحل النهضة التي تشهدها سلطنة عمان منذ قيامها وحتى اليوم في قاعات العرض بمتحف عُمان عبر الزّمان، الذي يروي لزوّاره تفاصيل أهم محطات تلك النهضة وذلك الحضور العُماني البَهيْ.