عملية رفح.. المحطة الأخيرة

دوافع نتنياهو الرئيسية من عملية رفح هي تحقيق نصر معنوي عبر القضاء على ما تبقى من حماس للتعويض عن إخفاق حكومته الأمني في عملية طوفان الأقصى بالسابع من أكتوبر.
الأربعاء 2024/02/21
طوفان.. ولكن من المعاناة

لم تكتف حكومة بنيامين نتنياهو بارتكاب فظائع بحق المدنيين، وصلت إلى أرقام غير مسبوقة من الضحايا والجرحى والنازحين، ليعلن نتنياهو استعداد الجيش الإسرائيلي لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، قد تكون المحطة الأخيرة في أحداث حرب غزة، في ظل تحديات سياسية وإنسانية واسعة.

تعمد نتنياهو الإعلان رسميا عن تحضير الجيش لخطة عسكرية في مدينة رفح، تشمل إخلاء السكان والنازحين مع الترويج إلى أن رفح هي المعقل الأخير لحركة حماس، وأنه لا يمكن تحقيق النصر دون القضاء على ما تبقى من البنية العسكرية والسياسية لحماس، بالإضافة إلى هدف تحرير الأسرى والرهائن، وكأن العملية التي تحضر لها إسرائيل ستبدأ من إخلاء سكان المدينة والنازحين فيها ويصل عددهم إلى 1.4 مليون نسمة، ثم تنفيذ العملية العسكرية، إلا أن السؤال الجوهري يكمن في المكان الذي يمكن للمدنيين النزوح إليه؟

فالخيارات محدودة ومسألة النزوح إلى مصر مستبعدة لتعارضها مع الأمن القومي المصري، والذي أعلنت عنه مصر بشكل واضح، بينما العودة إلى شمال قطاع غزة بعيد عن الواقع بسبب الدمار الذي لحق به، ولهذا تتجه التقديرات إلى منطقة المواصي جنوب قطاع غزة، وهي منطقة ساحلية وزراعية وتمتلك بنية تحتية بسيطة وضعيفة، ومن غير المعروف إن كانت المساعدات الدولية والإقليمية والأممية قد وصلت إليها، ما يعني أنها غير مؤهلة لوصول النازحين.

◙ الأزمات تولد الانفراجة مهما كانت صعوبتها، لتنتصر ثقافة السلام على الحروب، بدون أطراف تسببت في إشعال الحرب، وعلى رأسها حماس ونتنياهو وسلطة عباس

دوافع نتنياهو الرئيسية من عملية رفح هي تحقيق نصر معنوي عبر القضاء على ما تبقى من حماس، للتعويض عن إخفاق حكومته الأمني في عملية طوفان الأقصى بالسابع من أكتوبر، فعدم تنفيذ العملية بالنسبة لحكومة نتنياهو يعني هزيمة إسرائيل، ولو أن الإسرائيليين منقسمون حول أولويات الحرب، فهناك شريحة متمثلة بجمهور اليمين المتطرف ترى أن القضاء على حماس هو الأولوية الأولى، وهناك شريحة معتدلة  ترى أن تحرير الرهائن والأسرى هو أولوية الحرب، وفي نهاية الأمر ما يهم نتنياهو بشكل أكبر هو البقاء في السلطة عبر استماله جمهور اليمين المتطرف الذي يمثل القاعدة الشعبية الداعمة لاستمراره.

وبتقديري، سيكون لرأي المعارضة المتمثلة في شخصيات بارزة في مجلس الحرب مثل بيني غانتس تأثير كبير، فقد يكون هناك اتفاق حول الأولويات بشكل عام، أما التوقيت فقد تختلف حوله الأطراف الإسرائيلية، خصوصا بعد اهتزاز الدعم الغربي والأميركي لاستمرار الحرب على إثر العدد الكبير من الضحايا والجرحى والنازحين.

ستواجه حكومة نتنياهو تحديات مرتبطة بالمواقف الدولية والإقليمية، فالموقف الأميركي بات في زاوية صعبة مع سقوط الآلاف من الضحايا والجرحى، وسيزداد موقف واشنطن صعوبة في حال نفذت عملية رفح دون تأمين حياة الفلسطينيين، وهذا لا يعني أن إدارة جو بايدن لم تعط نتنياهو الضوء الأخضر كما فعلت عند بدء العمليات الإسرائيلية في غزة، وعلى نفس الخط لهجة الاتحاد الأوروبي الذي صعد من معارضته للعملية، كما تبدو مواقف الدول العربية المحورية ثابتة مع التركيز على الموقف المصري الذي وصل إلى التلويح بتعليق اتفاق السلام مع إسرائيل، فعملية عسكرية في رفح ستؤدي إلى كارثة مأساوية فوق الكارثة القائمة، ومن جانب آخر هناك التحدي الداخلي من عائلات الأسرى والرهائن الإسرائيليين، فالحرب في رفح ستهدد حياة المحتجزين ما يعني انخفاض الفرص لإعادتهم أحياء.

◙ نتنياهو تعمد الإعلان رسميا عن تحضير الجيش لخطة عسكرية في مدينة رفح، تشمل إخلاء السكان والنازحين مع الترويج إلى أن رفح هي المعقل الأخير لحركة حماس

ولهذا تكون السيناريوهات المحتملة حول رفح، هي أن تقوم إسرائيل بعملية واسعة وشاملة برغم التحديات والمخاطر، لحاجة نتنياهو إلى تحقيق نصر في قطاع غزة لتفادي هزيمته السياسية والاستمرار الوجودي لحركة حماس، أو تكون عملية محدودة بهدف الضغط على حماس وقبول شروط التهدئة وتحرير الرهائن، ما قد يخفف الضغط الدولي والإقليمي ولو نسبيا، ولو كان السيناريو الثاني أكثر واقعية، إلا أن عنجهية نتنياهو وحرصه على عدم تقويض مكانته في السلطة، قد يرجحان السيناريو الأول بتحدياته ومخاطره.

وضعت حرب غزة منطقة الشرق الأوسط أمام مفترق طرق، فإما المواصلة في طريق التنمية والازدهار أو الدخول في نفق الفوضى والأزمات، والتي كانت لعقود طويلة من الزمن أحد الأسباب الرئيسية في بقاء المنطقة في خانة التراجع، وهو ما أدركته الدول العربية المعتدلة خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي عندما قررت التركيز على رؤيتها الاقتصادية وتعزيز اقتصادياتها الوطنية وتنويع مصادر دخلها واستثماراتها، والانفتاح على دول العالم في الشرق والغرب.

وما يؤكد توجهات مشهد الدول العربية المحورية، هو أن برغم أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من تصعيد في غزة وتداعياته الإقليمية، اعتقد العالم أن المنطقة العربية تتجه من جديد للصراعات، لنجد أهم اللاعبين الإقليميين مثل الإمارات والسعودية مستمرين في أجندات التقدم والتنمية نحو المستقبل، ولو أثرت حرب غزة على جهود السلام، فلا يزال الأمل كبيرا، فالأزمات تولد الانفراجة مهما كانت صعوبتها، لتنتصر ثقافة السلام على الحروب، بدون أطراف تسببت في إشعال الحرب، وعلى رأسها حماس ونتنياهو وسلطة عباس، فما يحتاجه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو قيادات جديدة تبحث عن السلام والاستقرار.

 

اقرأ أيضا:

       • خارطة طريق فلسطينية منتظرة

8