السّلطة الفلسطينية وحماس بين سد الذّرائع وتقديمها

القفزة البهلوانية الأخيرة لحماس وأخواتها أفضت إلى المهالك في إطلاق يد إسرائيل للبطش بالفلسطينيين وتدمير عمرانهم مع إسناد روايتها عن الخطر الذي يتهددها وأنها تدافع عن نفسها فقط لا غير.
الجمعة 2024/02/09
الإصرار على حسم الصراع عسكريا خير هدية لإسرائيل

ليس من العسير القول إنّ حركة حماس وأخواتها قدمن الذرائع المناسبة لحكومة اليمين المتطرفة لاستكمال مخططاتها في الإجهاز على القضية الفلسطينية، والذي كانت غزة هي أولى المناطق التي ينفذ فيها هذا المخطط الاحتلالي الاستيطاني الإحلالي، ولو طرحنا سؤالا بسيطا عن المستفيد الأوّل من انقلاب حماس في صيف 2007 ومن ثم سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة، والتي أدّت إلى هجرة الكثير من الشباب خارج القطاع لتأمين لقمة العيش الكريمة لأسرهم، مع الأخذ بعين الاعتبار الحروب التي شنّتها إسرائيل ضدّ القطاع والتي بادرت حماس باثنتين منها، سيف القدس وطوفان الأقصى، ليس هذا فقط بل تحميل قطاع غزّة ما لا تحتمله دول إقليمية وتنوء بحمله الجبال، لوجدنا وكأن المطلوب من غزة هو تحرير فلسطين بالكامل من النهر إلى البحر وليس مطلوبا منها التصرف كجزء صغير من الدولة الفلسطينية المنشودة، تراعي كل ظروف الشّعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الحصار، وأن يكون مبتغاها هو تحقيق التنمية المستدامة ومعالجة كافة المشاكل المعيشية للشعب الفلسطيني، ولكن بسبب تمسك حماس ومن خلفها الإخوان وإيران، بقسم من الكعكة الإستراتيجية الفلسطينية، ألا وهي قطاع غزّة، التي تدمي القلوب والتي تحولت اليوم إلى قطعة متفحّمة.. فالمستفيد الأوّل والأخير هو إسرائيل.

بدورها اعتبرت إسرائيل انقلاب حركة حماس، واستمرار الانقسام الفلسطيني، المتمثل بحكم حماس الفردي والقمعي في قطاع غزّة، مصلحة حيوية وسياسية وإستراتيجية، ولهذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حريصا على استدامته واستثماره لأطول فترة ممكنة، ويتذرع به كي لا يعقد أيّ مفاوضات للسلام مع السلطة الوطنية، ولنا في التصريحات الحديثة لجوزيب بوريل عن تمويل إسرائيل لحماس خير دليل على ذلك.

◙ المأساة الفلسطينية اليوم تعادل المأساة اليهودية في القرن الماضي، ولذلك طلب الرئيس الفلسطيني أبومازن بسن قانون تجريم إنكار النكبة كمعادل لقانون تجريم إنكار الهولوكوست

إن إصرار حركة حماس على حسم الصراع مع إسرائيل بالطرق العسكرية هو خير هدية تقدم للأخيرة، فالمربع العسكري هو المربع الذي يرتاح فيه الاحتلال ويفرّغ به كل أمراض حكومته النفسية ويشفي غليلها بالتدمير والقتل والتجويع والتشريد، فقد كان ومازال قطاع غزّة وللأسف أفضل بقعة تصدر فيها حكومات الاحتلال المتعاقبة بعد الانسحاب الأحادي منه مشاكلها الداخلية، وأفضل مكان للمزايدة السّياسية والاستقطاب الانتخابي بين الفرقاء السّياسيين الإسرائيليين.

الأخطر من ذلك أن القفزة البهلوانية الأخيرة لحماس وأخواتها، أفضت إلى المهالك، في إطلاق يد إسرائيل للبطش بالفلسطينيين، وتدمير عمرانهم، مع إسناد روايتها عن الخطر الذي يتهددها، وأنها تدافع عن نفسها فقط لا غير، وزجّت بالفلسطينيين في قطاع غزة في معركة تفوق قدرة حتى السباع الضارية على التحمل، وتستنزفهم حتى آخر نقطة دم ونقطة ماء وكسرة خبز، بدل أن يحدث العكس.

في آخر إحصائية رسمية، ارتفعت حصيلة العدوان على غزة إلى 26751 شهيداً ونحو 65636 مصاباً، فيما لا يزال أكثر من 8 آلاف فلسطيني في عداد المفقودين تحت الركام وفي الطرقات، حيث تمنع قوات الاحتلال وصول طواقم الإسعاف إليهم.

ومن جهة أخرى، تعمل السّلطة الوطنية الفلسطينية بشكل مناقض تماما لكل ما تقوم به حماس، بالرغم من شراسة العدوان الإسرائيلي وهمجيته ضدها، عسكريا وسياسيا وماليا، والاستفزازات الإسرائيلية اليومية، فهي تسد الذرائع وتحمّل إسرائيل وقادتها أسباب فشل الحل السياسي، وتمارس أقصى درجات ضبط النفس، وترفض الانجرار خلف الدعوات غير البريئة لإشعال الضفة الغربية التي تشهد اشتباكات يومية في كافة مدنها ومخيماتها. فقد بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية وحدها بعد السّابع من أكتوبر 6390 معتقلا في حين أن عدد المعتقلين في قطاع غزة غير معروف تماما ويقدّر بالآلاف، ولم تسمح إسرائيل للصليب الأحمر بزيارتهم حسب نادي الأسير الفلسطيني. كما بلغ عدد الشّهداء في الضفة الغربية والقدس 400 شهيد بعد السّابع من أكتوبر.

وعليهِ تظهر السّلطة الوطنية الفلسطينية مرونة سياسية كبيرة، وهنا يجب تسليط الضوء على إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية انطلاق المرحلة الجديدة من تنفيذ البرنامج الإصلاحي في المنظومة القضائية والأمنية والإدارية والمالية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتعيين محافظين وسفراء جدد، وقد تمّ تقديم هذا البرنامج للعديد من الدول.

◙ إسرائيل اعتبرت انقلاب حركة حماس، واستمرار الانقسام الفلسطيني، المتمثل بحكم حماس الفردي والقمعي في قطاع غزّة، مصلحة حيوية وسياسية وإستراتيجية

وللمرور على الخطاب السّياسي للسّلطة الوطنية، فهو خطاب يحارب الاحتلال بنفسِ أسلحته، فدعاية الاحتلال منذ أكثر من قرن أنهم هم الضحايا وهم من في حاجة إلى حماية، وهم من يتعرضون للإبادة منذ الهولوكوست المدان فلسطينيا والمرفوض من شعبنا الفلسطيني وقيادته على مر السنين.

مما لا ريب فيه أن اليهود كانوا ضحايا الهولوكوست الشّنيع وما حدث لهم يندى له جبين الإنسانية جمعاء، ولكن ماذا عن الفلسطيني الذي يتعرض للقتل بلا جريرة والاعتقال بلا جريمة والتشريد على الهوية، فالفلسطيني هو ضحية الضحية، أي أن رد اليهود على الهولوكوست يحدث على أرضنا ويستهدف شعبنا المسالم بمفارقة غريبة. ينطبق على القيادة الإسرائيلية المثل العربي القديم “رمتني بدائها وانسلّت”، ولكن أليس من الذكاء إسقاط هذا القناع وإفشال عمليات حصد التعاطف العالمية بنفس الأسلوب والطريقة وسحب البساط من تحت أقدامهم وفضحهم وفضح سياساتهم العنصرية.

هذا الخطاب الفلسطيني الموضوعي المترافق للفعل النضالي الموضوعي المتمثل بالمقاومة الشّعبية التي تحرج إسرائيل وداعميها، والذي انعكس في كلمات الرئيس محمود عباس في طلب الشّعب الفلسطيني للحماية من هذا الاحتلال الفاشي، فنحن الضحايا وهم القتلة.

وليس هذا فقط فالمأساة الفلسطينية اليوم تعادل المأساة اليهودية في القرن الماضي، ولذلك طلب الرئيس الفلسطيني أبومازن في خطابه الأخير في الأمم المتحدة، بسن قانون تجريم إنكار النكبة كمعادل لقانون تجريم إنكار الهولوكوست.

 

اقرأ أيضا:

      • إدمان الغرب على الحرب يجب أن ينتهي في غزة

8