حرب غزة ومآلاتها الإقليمية والدولية

ونحن مع الأمتار الأولى من العام 2024، تقترب حرب غزة من شهرها الثالث، دون نتيجة واضحة المعالم، فهل حققت حركة حماس أهدافها المزعومة من عملية طوفان الأقصى؟ وهل كان أحدها الثأر لقاسم سليماني؟ كما جاءت تصريحات الحرس الثوري الإيراني، وماذا حققت العملية العسكرية الإسرائيلية غير الدمار وآلاف الضحايا من المدنيين، وهو ما يفسر انخفاض الدعم الغربي لإسرائيل، ولو نسبيا مقارنة في بداية الحرب، فضلا عن الضغوطات الشعبية في الداخل الإسرائيلي، والتي تطالب بتحقيق الهدف المركزي للعملية، وهو تحرير الرهائن.
تساؤلات عديدة في ظل أجواء رمادية تسود المنطقة، فضبابية الموقف ما بعد الحرب في غزة، أصبح تحديا مهما، لا بد أن تلعب فيه الأطراف الإقليمية الفاعلة دورا مؤثرا، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ويعيد القضية الفلسطينية إلى مسارات السلام، للوصول إلى مقاربات عادلة ومنصفة تحقق حل الدولتين.
لقد فشلت الإستراتيجية الإسرائيلية في إجبار الشعب الفلسطيني على النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، ثم إلى الأراضي المصرية، فالعالم تغير كثيرا وزمن التهجير انتهى، كما هو الحال للقيادات الفلسطينية على مر العقود الماضية، والتي خسرت الكثير من الأراضي، بسبب حلم استعادة فلسطين بشكل كامل، دون النظر إلى الحسابات الواقعية الحقيقية، والميليشيات المسلحة التي تدار من خارج الحدود، ولا تحقق أهداف القضية الفلسطينية العادلة بل أجندات داعميها.
◙ التعامل مع النظام الإيراني سيتطلب مقاربة جديدة، قد تكون عبر دمجه في مسارات تعاونية اقتصادية، ما قد يدفع إيران مع الوقت إلى إعادة حساباتها
وتواجه إسرائيل تحديات عسكرية في شمال القطاع وجنوبه، فحرب المدن معقدة في ظل أفضلية لأصحاب الأرض، فحماس لا يهمها الالتحام بشكل مباشر مع الجيش الإسرائيلي بقدراته العسكرية الهائلة، طالما لم يهمها سقوط شعب غزة الأعزل، عندما غامرت بعملية تسببت في دمار 80 في المئة من غزة، ويبدو أن حماس تحاول تطويل أمد الحرب والمفاوضات، لعلها تخرج بنصر معنوي ولو على حساب الأبرياء.
لقد أظهرت المأساة الإنسانية في غزة حقائق سياسية وأخلاقية مهمة، لعل أبرزها ازدواجية المعايير الغربية بشكل عام، وخصوصا الولايات المتحدة التي عطلت كافة مشاريع قرارات وقف إطلاق النار عبر مجلس الأمن الدولي، في استمرار لتراجع المكانة الأميركية الدولية، وكأنها أزمة قيادة سمتها الرئيسية هي الضبابية، فلم تعد سياسة واشنطن واضحة وشفافة في عهد إدارة جو بايدن، التي تركز على قضايا هامشية تكسب بها نقاطا في الدوامة السياسية الداخلية على حساب التحديات الجيوسياسية العالمية، والتي يفترض أن تلعب فيها كقوة عظمى دورا مؤثرا في تحديد مساراتها الأمنية، على الأقل حفاظا على مصالحها الاقتصادية.
وإسرائيل ليست ببعيدة عن سياق الفشل في إدارة الأزمات، فحكومة بنيامين نتنياهو تشكل الخطر الأبرز على إسرائيل، التي تمر بمرحلة احتقان داخلي قبل السابع من أكتوبر ولو انخفضت قليلا بعد الهجمات، وهو أمر طبيعي أن يتوحد الصف الداخلي مؤقتا بسبب صدمة طوفان الأقصى، إلا أن واقع الحال سيعيد الاحتقان إلى ما كان عليه، ما قد يعرض حكومة نتنياهو إلى الإطاحة عبر الحزب أو الائتلاف وحتى شعبيا، ما يصب في صالح اليسار الإسرائيلي.
وهو ما يأخذنا إلى المستفيد من التصعيد الراهن في الممرات المائية كأحد تداعيات حرب غزة، فالتنسيق بين ميليشيات النظام الإيراني واضح، ودخول ميليشيا الحوثي على خط التصعيد يعد إحدى أدوات الضغط الإيرانية الرئيسية على المنطقة، وهو ما يعيد إلى الأذهان ملف اليمن، وسيطرة الحوثيين على مواقع ممكن من خلالها تقويض أمن الملاحة في البحر الأحمر، متى ما أرادت إيران الضغط على المجتمع الدولي، فالميليشيات بالوكالة لا تقاس بسلوك الدول، فوجودها يعتمد على الصراعات المزمنة.
ومن جديد تنظر الولايات المتحدة إلى أزمة الممرات المائية من زاوية ضيقة، عبر تشكيل تحالف دولي متعدد الجنسيات، دون النظر بشكل شمولي إلى أبعاد الأزمة اليمنية، وأطرافها الموالية لإيران وأطرافها الأخرى الفاعلة على الأرض والأقرب إلى الدول العربية المحورية والقوى العالمية، ومن خلالها يعاد التقييم في ملف اليمن ومساراته الحالية، وإيجاد مقاربات مبتكرة تفك العقدة اليمنية، بما يخدم أمن المنطقة وأمن التجارة العالمية، والحد بشكل نهائي من تهديدات الحوثيين التي تخدم الأجندات الإيرانية، الساعية إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي.
◙ الإستراتيجية الإسرائيلية فشلت في إجبار الشعب الفلسطيني على النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، ثم إلى الأراضي المصرية، فالعالم تغير كثيرا وزمن التهجير انتهى
لا بد أن تكون أدوات حلول حرب غزة واقعية، خصوصا عند التعامل مع المحرك الرئيسي للتصعيد، فمن المستفيد من تعطيل أجواء السلام التي اقتربت بين السعودية وإسرائيل غير إيران، التي فشلت كافة إستراتيجيات واشنطن في تحييدها، سواء عبر الضغط عليها بالعقوبات في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي لم تنجح في إنهاء القدرات الإيرانية بل إضعافها، أو سياسة التساهل في عهد إدارة بايدن، والتي منحت إيران الوقت الكافي لاستعادة قوتها وفاعليتها.
ولهذا، سيتطلب التعامل مع النظام الإيراني مقاربة جديدة، قد تكون عبر دمجه في مسارات تعاونية اقتصادية، ما قد يدفع إيران مع الوقت إلى إعادة حساباتها، فالاقتصاد محرك السياسة، وعندما تحسب عائدات الاقتصاد بشكل واقعي، فلا شك ستكون جسور التنمية أكثر نجاحا من طريق الحروب والدمار بالوكالة.
مآلات حرب غزة الإقليمية والدولية تظهر أهمية إنهاء الصراع بشكل عاجل، والولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على إيقاف الحرب، فمع توسع الحرب إلى ممرات التجارة البحرية، واليمن والعراق وسوريا، تزداد مخاطر تصاعد الأزمة إلى حرب إقليمية شاملة، قد تجذب اللاعبين الدوليين المؤثرين إلى الدخول في الصراع العسكري، وهي بالتحديد النافذة التي تتغذى من خلالها إيران ووكلاؤها من الميليشيات الإسلامية المسلحة، والتي تجد في الوقت الراهن فرصة مواتية لتصعيد خطابها الأيديولوجي الديني المتطرف، لتحصد تعاطف الشارع العربي والإسلامي من خلال الأزمات، لأنها تريد إبقاء المنطقة في خانة الفوضى، وتعطيل مشاريع التنمية الطموحة التي تقودها دول الاعتدال العربي.