فيصل القاسمي لـ"العرب": الفن يحتاج إلى المجازفة والخروج عن المألوف

وظف فيصل القاسمي تكوينه في الهندسة ليخط لنفسه أسلوبا خاصا في التعامل مع الفن التشكيلي، وتحديدا مع فني الكاريكاتير والبورتريه اللذين يوظف فيهما أيضا التراث وخصائص المعمار الإماراتي والتراثي العربي والخليجي عامة.
فيصل القاسمي، فنان تشكيلي إماراتي تحوّل من الهندسة الميكانيكية وعالم الطاقة، إلى هندسة البورتريه والكاريكاتير وعوالم الفنون التشكيلية. عشق العمارة التراثية، وأبدع في رسم لوحات تنتمي إلى المدرسة الواقعية التي أحبها في إطار عشقه للطبيعة والمعالم القديمة، ومارس فن البورتريه، وأبدع في فن الكاريكاتير، وراح يؤرخ لهذا الفن إماراتيا وخليجيا وعربيا.
تأثر الفنان التشكيلي كثيرا بالمباني القديمة والعمارة التراثية في وطنه الإمارات، وكذلك بلدان الخليج العربي، وقد كان لعائلته دور في توجهه من الهندسة إلى الفنون، وتأثر في ذلك بوالده عاشق الرسم الزيتي، وجدته عاشقة العمارة القديمة، والتي امتلكت متحفا خاصا احتوى على الكثير من المقتنيات التي توثق لمظاهر العمارة التراثية، الأمر الذي جعله عاشقا للتراث بجانب اهتماماته الفنية.
شغف بالتراث
فن الكاريكاتير وتاريخه في الإمارات وبلدان الخليج والمنطقة العربية شغل حيّزا كبيرا من اهتمام القاسمي كباحث
حول حضور التراث في أعماله، قال القاسمي خلال مقابلة مع “العرب” إنه في إطار شغفه بالتراث والعمارة القديمة، جال في الكثير من المناطق في بلدان الخليج، من أجل إعداد بحث حول التراث والعمارة التقليدية في دول الخليج العربي، حيث شاهد معالم العمارة القديمة في المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت، وسلطنة عمان، إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة، وانبهر بمعالم الشارقة التراثية، وسجل من خلال بحثه الفوارق في العمارة بين كل منطقة وأخرى.
وتابع أنه اهتم بتجسيد المعالم والمباني الأثرية، وانبهر بمشروع “قلب الشارقة” وهو أحد المشاريع التراثية الكُبرى في دولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي.
وفي إطار تأثره بالتراث والعمارة القديمة، كانت إمارة الشارقة – مسقط رأسه ومحل إقامته – عنوان مشاركته بمعرض التراث والعمارة الذي نظمه قطاع الفنون بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت، وأشرفت عليه التشكيلية الكويتية ابتسام العصفور المعروفة بجهودها في مجال توثيق التراث والعمارة الخليجية والعربية.
وقد عبّر القاسمي عن اعتزازه وتقديره لجهود الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للدولة، حاكم الشارقة، في مجال صون وإحياء تراث الشارقة وعمارتها القديمة من خلال لوحة رسم فيها الشيخ سلطان وكانت ضمن مشاركته بمعرض التراث والعمارة بدولة الكويت.
كما تحدّث عن بعض مشاركاته العربية والدولية، مثل مشاركته في معرض دولي للكاريكاتير بمدينة زغرب، والمعرض المصاحب للاحتفال باليوبيل الفضي لإنشاء كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر في صعيد مصر.
التأريخ لفن الكاريكاتير
هذا الفنان الإماراتي الذي مارس فن الكاريكاتير بهدف التوعية ومحاربة الظواهر المجتمعية الخاطئة في مجتمعه والمجتمعات المجاورة، بأسلوب ساخر، استفاد من دراسته للهندسة في تطوير تجربته الفنية، وعمل على نقل تلك التجربة للآخرين من خلال تنظيمه لورش العمل والدورات التدريبية.
وقد ساهم القاسمي مع فناني وطنه الإمارات في التخفيف من آثار جائحة كورونا وتوظيف فن الكاريكاتير كوسيلة لإعادة البسمة لمجتمع الإمارات بعد ما كابدته البشرية جمعاء من تغيّر في نمط وأسلوب الحياة جراء الجائحة، خاصة وأن فن الكاريكاتير من الفنون المحبّبة للمجتمع الإماراتي، حيث أسهم القاسمي مع فناني الدولة في إعادة الثقة والتوازن في نفوس أفراد المجتمع جميعا، مؤمنا بقوة الكاريكاتير في خلق التأثير المباشر على الجمهور.
وفي إطار اهتمامه بهندسة الفنون، فقد جاء من بين إصدارات القاسمي كتاب حمل عنوان “هندسة البورتريه”، وكتاب حمل عنوان “هندسة الكاريكاتير”.
وروى الفنان الإماراتي لـ”العرب” أن رحلته مع فن الكاريكاتير بدأت في الجامعة، ثم وجد في المجتمع المحيط به في العمل الكثير من الأفكار التي وجدها صالحة ليتناولها من خلال الكاريكاتير، وأنه وجد في تلك الفترة الكثير من الأسئلة حول ممارسته لفن الكاريكاتير وكان يسأل نفسه هل ما يقوم برسمه صحيح أم غير صحيح؟ إلى جانب أسئلة أخرى تولدت من مفهومنا عن الكاريكاتير بأنه فن وجد للضحك.
وأوضح أن الكويت كانت المحطة الأولى في مشاركاته العربية بمعارض وملتقيات فنية معنية بفن الكاريكاتير، وأكد أنه تأثر في ممارسته لفن الكاريكاتير بفنانين من الكويت والمملكة السعودية ومصر، بجانب وطنه الإمارات.
وأشار فيصل القاسمي إلى أن فن الكاريكاتير وتاريخه في دولة الإمارات العربية المتحدة وبلدان الخليج والمنطقة العربية شغل حيّزا كبيرا من اهتمامه كباحث، ومن هنا كان مشروعه الذي يعمل به منذ فترة طويلة والذي يسعى من خلاله للتأريخ لفن الكاريكاتير إماراتيا وخليجيا وعربيا، وأنه في هذا المشروع راح يسأل كل فنان “ما هو الكاريكاتير من منظورك؟”.
وأوضح أن الفنان محمد حيدر ساعده في التعرف على من عملوا بفن الكاريكاتير في الإمارات مثل الفنان علي العبدان، وأنه عرف من خلال مؤلفات “العبدان” أن أول رسام كاريكاتير في الإمارات هو الفنان محمد أمين غياث، حيث التقى به وعرف منه أسماء الجيل الأول من رسامي الكاريكاتير وأجرى مقابلات معهم وثق من خلالها تجاربهم في هذا المجال، واعتبر أن الفنان علي العبدان هو أول من أرخ لفن الكاريكاتير في الإمارات.
وكشف القاسمي لـ”العرب” أنه استمر في سعيه لتوثيق مسيرة رواد فن الكاريكاتير على أرض الإمارات، والتأريخ لذلك الفن خليجيا وعربيا، واستعان في ذلك بجمعية الفنانين التشكيليين بالإمارات، ونجح في أن تكون لديه نسخة من أرشيف جيل الرواد وجُلّ من عملوا في مجال الكاريكاتير بالإمارات، وأنه بات لديه أرشيف لأعمال الجيل الأول، والجيل الثاني ثم الجيل الثالث، حيث وثّق كل ذلك في بحث مطول هو جزء من مشروع بحثي أكبر يعمل من خلاله على التعرف على تاريخ الكاريكاتير في العالم.
ولفت إلى أن هناك تباينا بين تجارب الكاريكاتير في بلدان الخليج العربي، وأن الرسوم التي تعالج القضايا المجتمعية هي الأكثر حضورا في فن الكاريكاتير الخليجي، وأنه ما زال من الفنون البكر في المنطقة، وأن هناك علاقة متجذرة بين فن الكاريكاتير في كل من مصر ومنطقة الخليج العربي.
كما رأى القاسمي أن فن الكاريكاتير في بلدان الخليج العربي هو “فن رجالي”، لكنه أشار إلى وجود بعض الوجوه النسائية الشابة التي أثبتت جدارتها في ممارسة ذلك الفن، وأن المشاركة الخليجية في المعارض الدولية المعنية بفن الكاريكاتير قليلة جدا.
ونوّه بأن الكثير من فناني الكاريكاتير في البلدان الخليجية اعتزلوا ذلك الفن بسبب عدم وجود مساحة كبيرة له في الصحافة الخليجية، ولكونه “فنا لا يفتح بيتا” بحسب قوله.
وقال إن مشروعه البحثي الهادف إلى التأريخ لفن الكاريكاتير في بلدان الخليج والمنطقة العربية، بدأ العمل به في عام 2016، وانتهى بالفعل من التأريخ لذلك الفن في كل من وطنه الإمارات، وسلطنة عمان، ودولتي الكويت وقطر.
هندسة البورتريه
وكما كان للفنان التشكيلي الإماراتي فيصل القاسمي، تجربته الخاصة مع فن الكاريكاتير، فقد كان له اهتمام بفن البورتريه، حيث أصدر عنه – كما أسلفنا – كتابا بعنوان “هندسة البورتريه”.
وفي هذا الكتاب قدّم تجربته في ممارسة ذلك الفن لكل محب للبورتريه، وكل راغب في سبر أغوار هذا المجال، وروى بأنه بدأ رحلته مع ذلك الفن عام 2012، بجمع قصاصات تحتوي على معلومات مفيدة لتعلم فن البورتريه، ثم احتكاكه بالفنانين.
ويؤمن فيصل القاسمي بأن فن الرسم يحتاج إلى المجازفة والخروج عن المعتاد، لحصد أفكار جديدة وإبداع خارج عن المألوف، وأن الرسم ليس هندسة أو مجالا طبيا لتكون له قواعد، وأن الفنان هو من يضع قواعد لنفسه دون أن يتقيد بأفكار غيره.