هل سينتهي الانقسام الفلسطيني بنهاية الحرب على غزة

لو قمنا بمقارنة تصريحات حركة حماس وتصرفاتها منذ بداية الحرب لوجدنا بسهولة المفارقة والبون الشّاسع بين حماس في مطلع الحرب وحماس التي تعمل على تبييض صفحتها اليوم.
الأربعاء 2023/12/13
صورة طغت عليها الديماغوجيا

في مقالتي السابقة (العرب 8-12-2023) ناقشت ضرورة انخراط كل من اليمينين الفلسطيني والإسرائيلي في الحل السّياسي الذي لا بد أن تنتهي إليه حرب الإبادة ضد الشّعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة حاليا، وفي هذا المقال سأناقش قابلية اليمين الفلسطيني الدخول في منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي الانخراط في التسوية السياسية مستقبلا.

بدايةً، من الظاهر حرص اليمين الفلسطيني المتزايد على تسويق نفسه ليسقط عنه التهم الإسرائيلية المصنعة مسبقا، واهتمامه بشكل واضح بصورته أمام الرأي العام العالمي والرأي الإسرائيلي خصوصا، وهذا أمر محمود، طمعا منه بزيادة ضغط أنصار السلام وهم من اليسار ومعهم عائلات الأسرى في إسرائيل، على حكومة اليمين المتطرفة التي يوصف الكثير من وزرائها بأنهم من أصحاب السّوابق، لإنهاء المذبحة اليومية في قطاع غزة الذبيح.

لا تدخر كل من حماس والجهاد جهدا لتلميع صورتهما التي لوّثتها الديماغوجيا الإسرائيلية، كذبح أربعين طفلا واغتصاب النساء وتضخيم أعداد الضحايا، والشاهد على ذلك، حذف الصحافي الإسرائيلي إيشاي كوهين من على صفحته بمنصة إكس مقابلةً نشرها وتضمنت مزاعم تدعي أن “مسلحين فلسطينيين علقوا الرضع والأطفال على حبل، في مستوطنات إسرائيلية بغلاف غزة”، يوم 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي.

◙ عسى أن يكون لهذه الحرب بعض النتائج الإيجابية على شعبنا الفلسطيني التي نبلسم بها جروحنا، وأهمها الوحدة الوطنية التي تشكّل مطلبا ملحاً من كافة أطياف الشّعب

والغريب حقا أن كل من حركة حماس أو الجهاد، لم تتبن أو تنفي مقتل 1200 إسرائيلي في السابع من أكتوبر، وباعتقادي أن ديدن إسرائيل هو المبالغة في أعداد الضحايا لتضخيم قوة عدوها وبالتالي تبرير جرائمها وقوتها الغاشمة، فقد كانت تدّعي أن العدد هو 1400 ضحية ومن ثم تراجعت وادّعت أنه 1200 فقط.

ولو قمنا بمقارنة تصريحات حركة حماس وتصرفاتها منذ بداية الحرب لوجدنا بسهولة هذه المفارقة وهذا البون الشّاسع بين حماس في مطلع الحرب وحماس التي تعمل على تبييض صفحتها اليوم، حيث أنّه منذ الأيام الأولى للحرب، وفي التاسع من تشرين الأوّل/أكتوبر تحديدا، هددت حركة “حماس” بأنها ستبدأ في إعدام مختطف مدني إسرائيلي مقابل أي قصف إسرائيلي جديد على منازل المدنيين دون إنذار مسبق، بخبر تناقلته كافة وسائل الإعلام العالمية برعب بيّن، وفي الشهر الفائت إبان التبادل، أظهرت حركة حماس اهتماما مبالغا فيه ليس بالأسرى وبصحتهم فقط بل وبحيواناتهم أيضا، وقد تداول رواد التواصل الاجتماعي، عددا من الصور، بوصفها توثّق لـ”إنسانية التعامل مع أسرى دولة الاحتلال الإسرائيلي”، بينهم صورة لأسيرة فتاة مبتسمة وهي تحمل كلبها، وهذه الصورة تصدّرت الفضاء الرقمي، في السّاعات التي تلت الإفراج عن الأسيرة وكلبها، أضف إلى ذلك تصريحات الأسرى المفرج عنهم، وقد نقلت وكالة أنباء الأناضول قولاً لأسير إسرائيلي محرر إنه لم يخف من القتل على أيدي عناصر حركة حماس، وإنما أن يلقى حتفه في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.

وفي ذات الفكرة، قال إسماعيل هنية في خطاب متلفز سابق، “إن الحركة مستعدة للتفاوض وقدمت للوسطاء تصورا شاملا يشمل فتح المسار السياسي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وحق تقرير المصير”.

وهذا التصريح الذي سبقته تصريحات مماثلة لم تلق أيّ صدى في حينها، كالصدى الذي لاقته هذه الأيام بسبب الحرب، يفتح الباب أمام فرضية تحوّل حركة حماس إلى حزب سياسي يمارس السياسة وينبذ العنف ويتمسك بالقرارات الدولية ويطالب بتنفيذها.

◙ من الظاهر حرص اليمين الفلسطيني المتزايد على تسويق نفسه ليسقط عنه التهم الإسرائيلية المصنعة مسبقا، واهتمامه بشكل واضح بصورته أمام الرأي العام العالمي والرأي الإسرائيلي خصوصا

وممّا يعزز هذه الفرضية، تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني منذ عدة أيام، لوكالة بلومبرغ، والتي قال فيها “إن النتيجة المفضلة للصراع هو أن تصبح حركة حماس التي تدير القطاع حالياً شريكاً أصغر لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما أضاف أنه سيكون هناك مجال للمحادثات إذا كانت حماس مستعدة للتوصل إلى اتفاق والقبول بالمنهج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية”.

ويتحتم على السلطة عدم تكرار ما حدث في الانتخابات السابقة، والاستفادة من التجارب المريرة السّابقة، وألا تسمح لأيّ حركة أو حزب فلسطيني دخول الانتخابات قبل دخول منظمة التحرير الفلسطينية وإعلان الالتزام بأجندتها وقبول خطها السّياسي الذي تشكّل العقلانية والواقعية السّياسية حجر الزاوية في الدبلوماسية الفلسطينية التي تحظى باحترام غالبية دول العالم.

ومن الملاحظ أيضا، رفض السلطة الوطنية وقيادات حركة فتح، إدانة حركة حماس أو انتقادها، بل كانت تحمّل إسرائيل كامل المسؤولية، وشغلها الشّاغل هو وقف إطلاق النّار، وخير دليل على ذلك، انسحاب الرئيس محمود عباس من لقاء القمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن في الأردن، وعدم عقد القمة الرباعية بمشاركة مصر والأردن، لسبب واضح أنّه لن يكون من مخرجاتها وقف المجازر ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.

وهنا أيضا تقع المسؤولية على عاتق حركة حماس، حيث يجب أن تقوم بجهد مضاعف لتنقية الأجواء مع السلطة الفلسطينية تمهيدا للوحدة الوطنية التي لا مناص منها. وإخراس الألسنة المسمومة، كفتحي حماد المقيم في تركيا الذي هاجم السلطة الوطنية بكل صلف، ضاربا بالوحدة الوطنية عرض الحائط، وللعلم فإن لهذا القيادي الذي كان يشغل منصب وزير داخلية حماس تصريحات بمستوى الفضيحة، حيث طالب بخطاب جماهيري له أثناء مسيرات العودة، في الثاني عشر من يوليو 2019 بذبح كل يهودي، وحينها قامت حماس بإصدار بيان تبرأت فيه من تصريحاته الغوغائية.

وعسى أن يكون لهذه الحرب بعض النتائج الإيجابية على شعبنا الفلسطيني التي نبلسم بها جروحنا، وأهمها الوحدة الوطنية التي تشكّل مطلبا ملحاً من كافة أطياف الشّعب الفلسطيني الباسل، لدورها المهم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

 

اقرأ أيضا:

      كيف يبدو المستقبل

9