مرض الأبناء اختبار لمدى متانة العلاقة بين الزوجين

اكتشاف معاناة أحد الأبناء من مرض مزمن يمثّل صدمة نفسية للأبوين تخلّف لديهما آثارا عميقة على المستوى النفسي وكذلك على المستوى الاجتماعي والعلائقي.
الثلاثاء 2023/11/07
مرض الأبناء قد يوطد العلاقة بين الزوجين

تونس - تزداد علاقة عدد من الأزواج متانة في حال مرض أحد أطفالهم فتجدهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، في حين يدخل الشقاق بين أزواج آخرين إذا كان لديهم طفل مصاب بمرض خطير أو يحمل إعاقة ذهنية أو جسدية فيتهرب أحد الطرفين، وعادة ما يكون الأب، من المسؤولية ليلقيها على كاهل الطرف الآخر وهو الأم التي تجد نفسها في بعض الحالات مطلقة، ما يعكس مدى هشاشة العلاقة بين الزوجين، أو قد يكون العكس وتتخلى الأم عن ابنتها المريضة وتتركها في رعاية الأب أو أحد الأقارب.

حنان ومكرم زوجان تجمعهما قرابة دموية لا يتجاوزان الـ45 عاما من عمرهما، أنجبا بنتا وولدا وكانت البنت البالغة من العمر 10 أعوام لا تبصر جيدا عند الولادة حتى أصبحت كفيفة في عمر الست سنوات، ما اضطرها إلى الدراسة بمدرسة المكفوفين في محافظة بن عروس.

ورغم أن البنت لم تجد رعاية منذ ولادتها إلا أن ذلك لم يكن حافزا لوالديها ليهتما بها، عندما أصبحت صبية، أو ليصلحا علاقتهما الزوجية التي دائما ما كانت تشوبها المشاكل بسبب مرض ابنتهما. وقد بادرت أمهما بترك البلاد والعمل خارجها بتعلة توفير المال من أجل إجراء عملية لابنتها قال الطبيب إن كلفتها 10 آلاف دينار (3184 دولارا).

لكن الأم استغلت وجودها بعيدا عن عائلتها لتطلب الطلاق وتترك ابنيها في رعاية حماتها العجوز وزوجها الذي لا يعرف أصلا كيف يهتم بفتاة كفيفة.

وقالت الحماة لـ”العرب” كنت أعتقد أن زواج ابني من بنت خالته سيكون له حماية من مصائب الدهر وستكون زوجته عونا له على المرض والبأس، لكن حصل العكس.

وتضيف أنها كانت تعتقد أيضا أن مرض ابنتهما سيكون جامعا لهما وليس مفرقا بينهما ودافعا لهما كي يتنافسا في البحث عن علاج لها وأن تقربهما هذه المحنة، خصوصا وأن روابط دموية تجمعهما.

تعامل الزوجين مع وضعية الابن المريض يختلف حسب التنشئة الاجتماعية لكليهما، فقد يعزز مرض الابن اللحمة بينهما

وأشارت الحماة إلى أنها أرسلت حفيدها إلى أقاربها للاهتمام به بينما تهتم هي بالبنت بعد أن تم الطلاق بين والديها.

وختمت حديثها قائلة “جاء مرض البنت ليكشف أن علاقتهما كانت هشة منذ البداية وأن زواجهما لم يكون مبنيا على أسس سليمة أو متماسكة، فأول فرصة جاءت للأم أدارت ظهرها لنا وتركتنا وغادرت دون عودة”.

ولا يختلف حال مفيدة الشقراني عن حال مكرم فقد تركها هي أيضا زوجها بعد أن أثبتت التحاليل والكشوفات المتتالية أن ابنهما مصاب بطيف التوحد.

وقالت الشقراني لـ”العرب” إن هجر زوجها لها بسبب مرض ابنه أثر في نفسها أكثر من المرض في حد ذاته لأن المرض قدر من الله حسب قولها، في حين أن ما فعله زوجها “يعد تهربا من المسؤولية ونكرانا للواجب وتخليا عن فلذة كبده وعن أسرته في وقت هي في حاجة أكيدة إليه”.

وأضافت أن زوجها أصبح يفتعل المشاكل ويختلق الأعذار ليهجر البيت، مؤكدة لا مبالاته تجاه مرض ابنه.

ويشير المختصون إلى أن اكتشاف معاناة أحد الأبناء من مرض مزمن يمثّل صدمة نفسية للأبوين تخلّف لديهما آثارا عميقة على المستوى النفسي وكذلك على المستوى الاجتماعي والعلائقي.

تأثير الأمراض المزمنة أو الخطيرة للأبناء على علاقة الوالدين يمثل مبحثا لم يتمّ درسه كيفيا أو إحصائيا

وقال الدكتور الطيب الطويلي المختص في علم الاجتماع إن الأمراض المزمنة للأبناء تستوجب عناية دائمة وتفرغا تاما للمصاب على حساب الشريك وبقيّة الأبناء على مستوى الاهتمام المادي والعاطفي، وأيضا على مستوى الزمن المادي العائلي.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تعامل الزوجين مع وضعية الابن المريض يختلف حسب المستوى الثقافي والتنشئة الاجتماعية لكليهما، فقد يزيد مرض الابن أحيانا من اللحمة بين الزوجين اللذين تنصب أحاسيسهما ودوائر الاهتمام لديهما في نقطة واحدة فتكون لهما أهداف واحدة تتمثل في الاعتناء بالطفل، وهو ما يقرّب بينهما أكثر.

ولكن في حالات كثيرة تقع المسؤولية الأكبر على عاتق الأمّ التي تجد نفسها وحيدة في مواجهة المرض وما يتبعه من إكراهات مادية ومعنوية، مع غياب شبه تام للأب الذي يتملّص من مسؤولياته تجاه الابن ووالدته، حيث يحمّل الأب في بعض الحالات مرض الابن للأمّ وكأنها هي السبب في علّة الابن، لقد استمعنا في بعض الحالات إلى شكوى أمّ من أن زوجها قال لها “لو تزوجت أخرى لما كانت لتلد لي طفلا معوقا”. أما أخرى فيعاني ابنها من التوحد فاتهمها زوجها بأنها السبب المباشر في مرضه لأنها كانت تضعه لساعات أمام التلفزيون، وفي كلتا الحالتين انتهت العلاقة الزوجية بالطلاق.

وتابع “إن تأثير الأمراض المزمنة أو الخطيرة للأبناء على علاقة الوالدين يمثل مبحثا لم يتمّ درسه كيفيا أو إحصائيا، رغم أنه موضوع متداول على المستوى الإعلامي وشائع في مختلف العائلات، كما يمكننا رؤية مختلف الحالات، التي يختلف فيها تأثير مرض الابن على الأبوين، من مزيد التحام الثنائي الزوجي وتكاتفه لإعانة الابن على تجاوز محنته، إلى حالات يحاول فيها الأب الغياب عن البيت تاركا المسؤولية للمرأة، إلى حالات التصدّع التام داخل العلاقة وانفصالها. فتجربة الأمراض المزمنة للأطفال عسيرة وطويلة وذات أبعاد عديدة تبدأ من التشخيص إلى مراحل العلاج إلى الانتكاسات إلى النوبات المرضية، وما يرافق ذلك من أعباء مادية ونفسية وجسدية للمهتم المباشر بالابن المريض، وإن غياب المراكز التي تتكفل بمختلف هذه الأمراض كالتوحد أو الأمراض العصبية أو غيرها وغلاء تكلفة العلاج أو المراكز المخصصة لهؤلاء يزيد من الصعوبات التي يعانيها الآباء.

ويعاني العديد من الأطفال من إشكالات صحية دائمة مثل التوحّد أو الإعاقة العضوية أو العصبيّة أو مشاكل على مستوى النطق. كما يمثّل داء السرطان مرضا فتاكا صادما للعائلة ويقلب مختلف التوازنات داخلها.

15