المشهد الإقليمي يضغط على القاهرة لمواصلة سياسة الاقتراض

القاهرة تدرك حجم الصعوبات الاقتصادية جراء تأثيرات الحرب الدائرة في قطاع غزة وإمكانية اتساع رقعة الصراع.
الخميس 2023/11/02
الوضع دقيق

القاهرة- تواصل الحكومة المصرية سياستها التي يعتمد جزء منها على الاقتراض من الخارج لتمويل مشروعات تنموية ومحاولة سد العجز في توفير العملات الأجنبية.

وتجاهلت الحكومة اعتراضات عديدة على الاستمرار في النهج الذي تسبب في مراكمة الديون الخارجية والمحلية، وهو أحد أبرز أمراض السياسة الاقتصادية التي توافق على رفضها مرشحون في انتخابات الرئاسة المصرية، وطالبوا بإعادة النظر في مسألة الاستدانة للحد من آثارها السلبية.

ومع بدء تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية أعلنت الحكومة المصرية عن تنفيذ سياسة ترشيد الاقتراض الخارجي، وحذرت توصيات المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته الحكومة منذ نحو عام من مخاطر الاستدانة لتأسيس مشروعات إستراتيجية.

وضربت الحكومة عرض الحائط بذلك وواصلت الاقتراض على نحو أقل نسبيا، وبدا الأمر معبّرا عن تصميم على عدم إدخال تعديلات جذرية على توجهاتها الاقتصادية، في وقت تتخوف فيه من عدم استقرار الأوضاع الإقليمية، وانعكاسات ذلك على أوضاع معيشية في حاجة إلى التعامل معها بسبل مختلفة لتوفير العملات الأجنبية.

سليمان وهدان: الحكومة تراجعت عن الكثير من القروض تحت الضغوط الشعبية
سليمان وهدان: الحكومة تراجعت عن الكثير من القروض تحت الضغوط الشعبية

ووافق البرلمان المصري الاثنين على اتفاقية قرض قيمته 500 مليون دولار من بنكى دويتشه الألماني والمؤسسة العربية المصرفية لصالح وزارة المالية بضمان المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، بهدف تمويل وإعادة تمويل مشروعات مدرجة بالموازنة العامة حتى نهاية العام المالي الجاري.

وقالت وزارة المالية إن القرض سيتم توظيفه لتطوير كفاءة بعض الفصول المدرسية وتجهيز منشآت التأمين الصحي، وتطوير نقاط الإسعاف، وشراء وسائل نقل وتأهيل المراكز الطبية المتخصصة، وهي ملفات واجهت الحكومة بسببها اتهامات بالتقصير في التعامل مع الأزمات التي تتعرض لها مع عجز أعداد المعلمين والأطباء وتراجع السعة الاستيعابية للطلاب في المدارس، إلى جانب ضعف البنية التحتية الطبية.

ويشكك معارضون في توجيه عوائد الاقتراض إلى الملفات المحددة، ويتخوفون من توجيه بعض القروض لسد أوجه الاحتياج للعملات الصعبة، وفند نواب معارضون في البرلمان أوجه القصور التي يمكن تلافيها في ملفات الصحة والتعليم من دون الحاجة إلى الاستدانة من الخارج.

وخففت الحكومة من توجهاتها القائمة على الاقتراض مؤخرا، وشهد المشهد السياسي نقاشات حول طبيعة التصورات الاقتصادية وجدواها، أبرزها ما دار داخل أروقة جلسات الحوار الوطني، وعبر تسليط الضوء على برامج المرشحين لانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها ديسمبر المقبل.

وتدرك القاهرة حجم الصعوبات التي يجابهها الاقتصاد جراء تأثيرات الحرب الدائرة في قطاع غزة وإمكانية أن تكون لذلك تأثيرات سلبية على المنطقة، حال اتسعت رقعة الصراع، ولذلك فتأمين الموارد من العملات الأجنبية عملية مهمة حاليا.

وأكد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد (ليبرالي) سليمان وهدان أن الحكومة تراجعت عن الكثير من القروض تحت الضغوط الشعبية وما تسببه من أزمات أكبر على مستوى حجم الديون الخارجية، وتجد نفسها الآن أمام ظروف إقليمية مضطربة، ما يجعل هناك حاجة إلى الانفتاح على مؤسسات دولية يمكن أن تسهم في تقديم يد العون.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة عليها إثبات أن طبيعة القروض التي تحصل عليها يتم توجيهها في مسارات تعود بشكل إيجابي ومباشر على المواطنين، فالاستدانة لأجل دعم الاستهلاك المحلي لا طائل منها، والسعي للنهوض بقطاعات خدمية ساعد على تمرير القرض الأخير، والذي سبقه قرض يتعلق بتطوير منظومة النقل وإنشاء خطوط سكك حديد تسهّل عملية ربط القاهرة بالموانئ على البحرين المتوسط والأحمر، ما يدعم حظوظ مصر في منظومة التجارة الدولية.

أي فاتورة لحرب غزة؟
أي فاتورة لحرب غزة؟

ووافق البرلمان المصري في مايو الماضي على اتفاقية قرض قيمته 2 مليار دولار لصالح مشروع إنشاء الخط الأول لشبكة القطار الكهربائي السريع الذي يربط المدن المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط، ويوجد بدائل تخدم حركة التجارة.

واعتبر وهدان أن انكفاء مصر على ذاتها دون الانفتاح على مؤسسات دولية شريكة في مشروعات تنموية بأدوات وأساليب مختلفة بينها الاقتراض لن يساعدها في تحقيق خططها التنموية، وعلى الحكومة أن تضع في حسبانها ذلك، ويبقى الحل الأمثل في ترشيد الاستدانة وتوظيفها بشكل سليم.

وشهدت جلسة البرلمان التي عقدت يوم الاثنين جدلاً بين نواب الموالاة الموافقين على القرض، وبين نواب المعارضة الرافضين له وطالبوا الحكومة بالمزيد من الشفافية حول إيراداتها ومصروفاتها، وقالوا إنها مصابة بمرض “متلازمة الاقتراض”.

164

مليار دولار حجم الديون الخارجية على مصر بينها 82 مليار دولار بضمان خزانة الدولة ما يعني أن الديون تتحملها الدولة وليس الحكومة

وأوضح عضو مجلس النواب (محسوب على المعارضة) ضياءالدين داود أن الجلسة العامة للبرلمان سبقتها جلسة مغلقة للجنة الاقتصادية حضرها وزير المالية محمد معيط، وكانت شاهدة على مواجهة صريحة وممتدة بين الوزير والنواب، رفضت المعارضة مبررات الحكومة للحصول على قروض جديدة.

 ووصل حجم الديون الخارجية على مصر إلى 164 مليار دولار، بينها 82 مليار دولار بضمان خزانة الدولة ما يعني أن الديون تتحملها الدولة وليس الحكومة.

وقال داود لـ”العرب” إن الجلسة تطرقت إلى الديون التي سددتها الدولة خلال الأعوام السابقة وبلغت 54 مليار دولار، وهو رقم ضخم يؤكد أن الدولة بكل مؤسساتها التنفيذية والاقتصادية والقطاع الخاص تعمل لحساب سداد الديون.

 ورفض وزير المالية الإفصاح عن كافة موارد مصر من النقد الأجنبي واعتبر أن ذلك من اختصاص البنك المركزي الذي يدير السياسات النقدية، على الرغم من مشاركته في لجنة مشتركة لإدارة السياسات المالية.

وأشار داود إلى أنه حاول أن يستوثق من وزير المالية طبيعة العوائد التي تستفيد منها الدولة جراء انضمامها إلى مجموعة بريكس، وما إذا كانت ستخفف الضغط بالفعل عن النقد الأجنبي من عدمه، لكنه لم يحصل على إجابة محددة.

ولفت ضياءالدين داود في حديثه لـ”العرب” إلى أن الأزمة تتمثل في غياب الشفافية من جانب الحكومة للتأكد من جدوى الاستمرار في الاقتراض، وأن حالة التسييس التي تهيمن على هيئات الائتمان الدولية وعدم استبعاد توظيفها للضغط على مصر في ملف الديون تجعل من الضروري مراجعة جميع خطوات الاستدانة من الخارج.

وتزايد الحديث الأيام الماضية حول إمكانية تقديم المزيد من المغريات للقاهرة لتوطين أهالي غزة في سيناء، مقابل حوافز اقتصادية، بينها سداد الديون الخارجية أو جزء منها وتسهيل مهمة القاهرة للحصول على قرض كبير من صندوق النقد الدولي، لكن الرفض المصري لخطة التوطين يعطّل هذا الاتجاه المسيّس.

1