الإنتاج السينمائي في المغرب.. صناعة ثقافية واقتصادية أيضا

طنجة (المغرب) - في إطار استدعاء مشاركة الجهات الاثنتي عشرة في المغرب لدعم الصناعة السينمائية الوطنية وتنمية القطاع السينمائي وإقرار حوافز ضريبية لصالح المستثمرين الأجانب بهدف تحفيز الإنتاج السينمائي في جميع جهات المملكة، احتضنت مدينة طنجة ندوة حول الاستثمار في السينما والفنون والإبداع والصناعات الثقافية المرتبطة بها، وإبراز تأثيرها القوي على التنمية الثقافية والاقتصادية، وما توفره من فرص من شأنها ضخ دينامكية جديدة في الاقتصاد، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الجهات.
ونظرا لما يحتاجه الإنتاج السينمائي من موارد تسمح للمنتجين بتنويع مصادر تمويل مشاريعهم، تمت دعوة جميع الجهات في المملكة للمشاركة في الندوة، حيث أكد الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يونس بنعكي أهمية الاستثمار في السينما والفنون والإبداع والصناعات الثقافية بمختلف تنوعاتها.
وفي معرض تطرقه إلى توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في دعم الجهات للقطاع السينمائي، شدد بنعكي على خلق فضاءات لعرض الأفلام في مختلف المناطق، وفق جدول زمني منتظم ومرن يراعي احتياجات وانتظارات الشباب، خاصة في المدن الصغيرة، والأحياء الشعبية والأرياف.
وشدد بنعكي على ضرورة دعم المهرجانات السينمائية الجهوية، والاستفادة من إرثها الثقافي، وتحويلها إلى مناسبات كبيرة للترويج للثقافة السينمائية، واكتشاف المواهب المحلية، فضلا عن تسليط الضوء على المبادرات السينمائية التي يقوم بها الشباب.
وأكدت نائبة رئيس مجلس جهة الدار البيضاء – سطات، أسماء بلقزيز في مداخلتها على دور الجهات في تنمية القطاع السينمائي، وبينت أن هذه الصناعة تلعب دورا هاما في الاقتصاد الجهوي، سواء بخلق فرص الشغل أو التأثير الاقتصادي أو الإشعاع على مستوى المناطق، داعية إلى تعزيز نشاطات التكوين السينمائي في الجهات من أجل دمقرطة ولوج الشباب إلى هذه الصناعة.
وتحدثت بلقزيز عن الترويج لأهمية ما تمتلكه الجهات من إمكانيات بغاية جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع المهن السينمائية لدى الشباب من مختلف جهات المملكة.
وأكد المحلل الاقتصادي إدريس الفينة، في تصريح لـ”العرب”، أن هذه البوادر تدخل في إطار كل التراكمات التي حققها المغرب في هذه الصناعة التي تحتاج إلى دعم أكبر أصلا، خاصة بعد جائحة كورونا التي أثرت كثيرا على الاقتصاد المحلي ولاسيما السياحة التي هي في الأساس مرتبطة بهذا المجال.
واستطاع بعض المنتجين السينمائيين على مدار السنتين الماضيتين إقناع بعض الجهات من أجل المساهمة في تمويل إنتاجهم، ورغم ضعف هذا التمويل التكميلي، فإنه يبقى مشجعا وواعدا.
وفي خطوة مشجعة، قامت جهة درعة تافيلالت بدعم جمعية “لجنة الفيلم” لاستقبال الإنتاج الأجنبي، والبحث عن الاستثمارات في مجال السينما، وهي من يمثل جهة ورزازات في اللقاءات الوطنية والدولية وتساعد المنتجين والمخرجين على إيجاد أماكن التصوير، وجذب استثمارات أجنبية، وتؤكد الجهة استعدادها التام لمساعدة كل من يرغب في العمل بمجال الإنتاج السينمائي خاصة بما توفره من مواقع مميزة للتصوير.
وأكدت وزارة الاتصال أنها على استعداد لتوفير كل المقومات التي يحتاجها المستثمرون من بنى تحتية وإجراءات قانونية والترويج الملائم بما يجعل صناعة السينما مرآة للهوية المغربية، ومساهمة منها في تعزيز التنافسية للانتقال من الرصيد الكمي إلى الإنجاز النوعي.
وكانت الحكومة المغربية قد صادقت في العام الماضي على قانون يحدد شروط وإجراءات دعم إنتاج الأعمال السينمائية ورقمنة وتحديث وإنشاء صالات العرض وتنظيم المهرجانات مع توفير فرص العمل والخبرة للموارد البشرية المحلية العاملة بالقطاع.
كما وضعت الحكومة مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي لتمكينه من الارتقاء بصناعة السينما وتنمية أنشطتها لكسب الرهانات المرتبطة بالاحترافية والتنافسية والتنظيم.
وفي نفس السياق أكد عزيز غلالي، نائب رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، أهمية الحديث عن السينما كصناعة وليست فقط مكملة للمشهد الثقافي وما يمكن أن تقدمه للجهة في ما يخص تطوير الإنتاج السينمائي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وأن السياحة اليوم تتوقف على السينما كفعل تنموي ثقافي تربوي يرسخ الهوية الوطنية، ويعطي إمكانيات للاحتفاء بالمغرب.
وللنهوض بالسينما وبالقطاعات المرتبطة بالإنتاج السينمائي في المغرب، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإحداث مراكز تمنح فرصة ثانية للتأهيل في المهن السينمائية والإنتاج السمعي والبصري بمختلف أنواعه، مع التركيز بشكل خاص على الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة، ولم يتلقوا أي تدريب مهني خاص، وبالتالي لم يندمجوا في سوق الشغل ودعم فرص العمل.
ويرى العاملون بالقطاع أن فرص العمل التي يوفرها القطاع والحركية الاقتصادية والمردودات من العملة الصعبة، التي ستجنيها البلاد، تستدعي توفير أماكن تصوير بمواصفات خاصة مع ضرورة وضعها رهن شارة المستثمر الأجنبي بأسعار مشجعة.
وأجمع مشاركون في ندوة طنجة على أن شراكة الجهات مع المركز السينمائي المغربي، تتيح للمهنيين القيام بدراسة تستهدف بلورة إطار ينظم جميع أوجه الدعم التي يمكن أن تقدمها الجهات لعملية الإنتاج، أو لإحداث أو ترميم القاعات السينمائية على شكل منح أو اعتمادات مالية تخصصها كل منطقة في ميزانياتها للأنشطة السمعية البصرية وخصوصا السينمائية.
وترى الحكومة أن الكل معني بإيجاد مقاربة تشاركية لضمان حسن تأهيل هذا القطاع الحيوي وتطويره وإعطاء صناعة السينما أفقا أوسع لجعل المغرب مركز استقطاب إقليمي ودولي.
ودعا مهنيون إلى اتخاذ تدابير تحفيزية على مستوى الجهات لجلب الاستثمار الأجنبي بالتوازي مع الاستثمار المغربي، وإلى تسهيل الإجراءات القانونية لتشجيع النهوض بصناعة السينما، من جهة، والعمل على تجاوز العقبات التي ما زالت تعترض عملية الإنتاج السينمائي في المغرب، البلد الذي شهد في الماضي تصوير فيلم همفري بوغارتس كازابلانكا، من جهة أخرى.