حافلة فصول السنة بلا كراس

الصيف لا يملك كرسيا يستقر عليه في الحافلة لكنه يطيل التمسك بالمقود، ربما لذلك صار الناس يحملون خزانة ملابسهم في حقيبة ظهر، فالأحوال الجوية لا تستقر على حال هذه الأيام.
الأربعاء 2023/11/01
وحده الصيف متربعا فيها يقودها في طريق بلا مطر

نأكل ثمار التين الشوكي والدقلة والرمان ولم يأتنا الخريف بعد، رغم أنه صار لنا وقت إضافي في الليل، لكننا لم نشبع بالنوم، ولم نر  أسراب الطيور “تطلب الدفء تهاجر/وتغني في حبور” كما أنشدنا في طفولتنا.

حتى الصيف لم يغادر.. الذين يحبون البحر والسهر حرقتهم شمسه، فصاروا  يستعجلون أن يرحل كما رحلت فواكهه.

وقريبا يحلّ فصل الشتاء كما يتوقع الفلكيون حيث يتم تحديد البداية للفصول وفقا لتعامد الشمس على المدارات المختلفة، فبعد لحظة الاعتدال الخريفي، تبدأ الشمس بالانحراف باتجاه الجنوب حتى يقصر طول النهار ويزيد طول الليل ويبلغ أقصاه، هنا تكون ذروة الشتاء.. مازالت الشمس في كبد السماء بعيدة، لتُكذّب أولئك القابعين أمام التليسكوبات، فلا نلبس صوفا، ولا نأكل طعاما يُدفّينا ولا نضمّ حبيباتنا حين تمسك بنا المطر في موعد تحت السماء.

يبدو أن حافلة الفصول فقدت كراسيها الأربعة المرتبة وراء بعضها بتدرج يشبه معزوفة موسيقية، كنت أفكر أن نحافظ على توقيتها بتغيير أسمائها، فنقول موسم البطيخ وفصل السفرجل، لكنني لم أر السفرجل.. نجعله فصل الرمان إذن، ثم يليه موسم البرتقال، ليختم الرباعي فصل الفراولة أو الكرز.

تسمية الفصول بالثمار لا تستقيم، فمنذ سنين لم يأتنا عام للفواكه، وبقيت الأيام كالحافلة بلا مقاعد، لا فصل يجلس وقته الكافي بل يختفي متى فتح الباب.

وحده الصيف متربعا فيها يقودها في طريق بلا مطر، لا يخشى الانزلاق كالعم الهادي التوني الذي لا يقف في الأضواء لأن سيارته خردة يخشاها الجميع.

بالمناسبة الهادي التوني (هكذا كنيته التي لا يعرف أحد معناها أو سبب تسميته بها حتى أقرب المقربين منه) يلبس خفيفا طيلة السنة في السجن أو في الأسواق، عكس جان فالجان الذي لا تغيب عنه الملابس الثقيلة لأن شتاءه كان طويلا وباردا وليله قاسيا.

الصيف لا يملك كرسيا يستقر عليه في الحافلة لكنه يطيل التمسك بالمقود، ربما لذلك صار الناس يحملون خزانة ملابسهم في حقيبة ظهر وكأنهم على سفر دائم أو بلا مأوى، فالأحوال الجوية لا تستقر على حال هذه الأيام.

عم الهادي الذي لا يصلي ولا يصوم ولا يصحو من سكره يقول بشماتة: تدربوا على جهنم ما دمتم أحياء بقدر ذنوبكم التي تعرفونها. وينطلق في ذكر هذه المعاصي لأنه يعتقد أننا نشترك فيها كلنا فلا أحد معصوم منها.

كان دائما ما يقف في باب المقهى يخبئ وجهه من الحرارة اللافحة أو من العاصفة التي تملأ الشارع غبارا وأكياسا بلاستيكية طردت الحمام من السطوح والعصافير من على أشجار الزيتون، يقول: حين تمطر سنرقص تحت السماء كما كنا أطفالا.

18