مطربون في الحمام وعلى صفحات التواصل

التكنولوجيا صارت تؤلف لنا الأغاني وتلحنها ثم تعزفها وتغنيها بصوت نبرمجه كما نعتقد أنه الصوت الذي يناسبنا.. هكذا لا أحد يشكك في أننا مطربون.
الأربعاء 2023/11/29
التطبيقات أتت بالحل

من منّا لم يستمتع بعذوبة صوته داخل الحمّام فانتابه الإحساس بأنه أفضل ممن يرددون الأغاني في أعراس أهل الحي وحفلات ختان الأطفال.

ورغم أني أشك في أن فهد بلان أو بافاروتي عاشا التجربة مثل بقية الناس، فإنني أكاد أُجزم أن أم كلثوم  وعبدالحليم وسيد  درويش وكثيرين غيرهم عدلوا أصواتهم في هذا الأستوديو الدافئ قبل أن يذهبوا إلى الكونسرفاتوار.

كنت أعتقد أن جمال صوتي يأتي من الوقوف حافيا عاريا مع نفسي.. فالأصوات تحب الحرية إلى أن عرفت سر الحكاية، وهو أن الصوت عندما يصدر من الحلق ينتشر في ساحة الحمام الفارغة دون أن يصطدم بحواجز فيكون واضحا نقيا يمسّ طرف المشاعر، وكلما زادت الرطوبة العالية من كثافة الهواء ازداد الصوت انتشارا ليبدو مع الأسطح العاكسة أكثر وضوحا يدندن حلما، فنزداد نحن شعورا بالحرية والاسترخاء.

وإذا خرجنا من الحمام يخجل الصوت فينا، يختبأ في ثيابنا ونسكت عن الحلم..  قليلون من  يتمسكون بحقهم في الغناء بصدق وبابن خالة الصدق فيصيرون مطربين ومغنين ومؤدين، أما الفنانون الحقيقيون فهم قلة نادرة يفنون العمر يغنّون أحاسيسنا وشوقنا وولعنا، كما يغني العراقي ياس خضر بصوته الحزين لحظات فراق حبيباتنا في آخر الموسم الدراسي “مسافرين وعيني مشدودة لدربكم/ مسافرين وآخ لو عندي قلبكم”، لتصدح فيروز منتصرة للعاشقات من أرز لبنان، “راجعين يا هوى على نار الهوى/ على نار الهوى راجعين.

منقول رايحين منكون راجعين/ على دار الحب ومش عارفين”.

راحوا حبايب وأتوا حبايب على الألحان المنبعثة من الراديو والفونوغراف وآلة التسجيل  وآلات أخرى تنوعت إلى أن دخلنا في صندوق المعارف والأسرار والذكاء الذي يفوق العجائب.

أتت مع صندوق الكمبيوتر التطبيقات والبرامج والخوارزميات القادرة على صنع صوت احترافي من ذلك الصوت الذي لا نحتمله إلا في الحمّام، تجعله حزينا مع الأغاني الحزينة وطريا مع أغاني البهجة والعودة إلى ذواتنا بكبسات الأزرار.

حلّت بيننا التكنولوجيا التي صارت تؤلف لنا الأغاني وتلحنها ثم تعزفها وتغنيها بصوت نبرمجه كما نعتقد أنه الصوت الذي يناسبنا.. هكذا لا أحد يشكك في أننا مطربون مجددا لكن في غرقنا المغلقة، لكن لا نستطيع أن نستعير جماهير تصفق لنا وتمطرنا هتافات.

الحقيقة أننا لا نحتاج إلى الخروج من الصندوق فائق العجب حيث يمكننا أن نصنع مريدين لنا من خلال صفحات التواصل الاجتماعي المتنوعة.. ننشر أغانينا تلك التي تبنيناها ونسبناها إلى أنفسنا لنجني “اللايكات” والقلوب الحمراء والمعجبات اللاتي سيلاحقننا لنخربش لهم توقيعات على صور لنا.. ثم نكدس المال.

في النهاية لا تلوموا من صدّع رؤوسكم وعكّر أذواقكم الراكدة.

18