السي "قارو"

هو ليس ممثلا هوليووديا ولا رياضيا يعتلي المنصات الأولمبية حتى نكتب عنه بطاقة مديح أو إشادة، إنه عدو أرافقه منذ أربعين سنة أو تزيد، ورغم محاولاتي المتعددة للتخلص منه ظل يسكنني كإبليس.
نتلازم منذ الصباح أشعله مع القهوة، فيقول لي “أنا سأجعلك تشعر بالسعادة لفترة قصيرة ولكن بسعر باهظ!”، أتوهم أنني عدلت مزاجي و”فيوزات” رأسي لنقضي باقي اليوم معا، كلما تناسيته لكزني في رأسي ليذكرني بوجوده.
لست وحدي ضحيته، هو لم يقتلني بعد، لكنه قتل زملاء وأصدقاء لي ومشى في جنازتهم متباهيا.. إنه التدخين يا سادة صاحب أكذب إشهار في التاريخ.
الإشهار الذي جعلنا نعتقد أن السجائر عنوان الرجولة والرشد والخصوبة.. صرنا نعتقد أن رائحة التبغ لدى الرجل تجذب إليها النساء كما يجذب العسل الذباب.. حتى الفتيات صرن يدخن.. يظهر لهن بمظهر الجذاب ويسرق منهن نضارتهن وورد الوجنتين، فدخنّه من باب المساواة في المتعة أو تحديا لمجتمع أوصد في وجوههن باب الحياة.
أوهمنا أن له فوئد عديدة، وصدقنا الوهم بعد أن شاهدنا مشاهير يظهرون على الشاشة أو في صور المجلات وهم يمسكون سيجارتهم بأناقة النجوم.. حتى الأطباء يمكن أن يكذبوا ويقولوا إنه يعدل المزاج ويخفف من ضغط الحياة.
نحن معشر المدخنين لنا القدرة على تحليل نفسية المدمنين مثلنا، فالغني يدخن بوجاهة وكأنه “يقرمش” البسكويت، أما الفقراء فكأنهم يأكلون السيجارة.
“أرني كيف تدخن، أقول لك من أنت”، فمن السهل علينا أن نحدد الشخصية من خلال طريقة التدخين، نفهم الشخص من طريقة إمساكه للسيجارة حتى صرنا نظن أن هناك علاقة تربط بين التدخين ولغة الجسد للمدمن، تتمثل في كيفية حمل لفافة التبغ وملامستها لليدين والشفتين.. يظهر ذلك عند النساء أكثر.. المرأة تدخن عندما تتغنج بشكل مختلف عنه حين تكون غاضبة أو متجاهلة من حولها.
أنا لا أشك في أننا نعتمد على خبراتنا في مسكها ونفث دخانها إلى أعلى أم إلى الأسفل، بل أحيانا ننتظر إلى أن يطفئ الشخص سيجارته في المنفضة أو يرميها على الأرض لنقول لك من هو.
أرأيتم كيف دخل السي “ڤارو” من الإشهار الكاذب إلى تحليل النفس .. لا فرق بينه وبين إبليس في تزيين المساوئ.
يملؤنا وهما وقطرانا ونحن نضحك وندخن.. أنا عن نفسي نفخت في شقة بحديقة تتسع لبعض الشجيرات التي أحبها، زيتونة وياسمينة وشيء من القرنفل والنعناع.
ندخن حين نكون حزانى وحين نعشق ونسهر وحين نكتب وحين نفرح، حتى في وداع موتانا ندخن.
نشعل سيجارة لنفكر كيف نترك التدخين، نشعلها بسمفونية السعال خفية في المستشفى.. في نهاية الرحلة يودعنا أصدقاؤنا إلى مثوانا وهم يسعلون ويدخنون.