حرب على الحبلين
هي ليست رقصة شاب إسباني مع يافعة يحاولان أن يذوبا في بعضهما بحركات متناسقة على حبل معلق في السقف، ولا حركات تؤديها لاعبة جمباز روسية كفراشة يتغير لونها بتغير الأزهار التي تستريح عليها، هي بهلوانيات واقعية في سيرك الحياة.
يقولون، امرأة أو رجل لعوب لمن يحوّل فؤاده في الهوى والعشق كما يشاء، لكن يظل هذا الأمر تحت السيطرة، فمن اكتوى بالنار يستطيع أن ينسحب، ومع الزمن سينسى الأمر ويطيب الجرح.
لكن بهلوانيي سيرك الحياة يمتلكون أكثر من وجه ومشاعر متقلبة وحتى حركات وردود أفعال، وهذا ينطبق على الصديق والعدو وما بينهما من زملاء العمل وجلساء المقهى والجيران وغيرهم، فلا صديق ينتقد صديقه أو يذمه في وجهه، ولا يمدحه أيضا في غيابه.
لنأخذ مثلا خضّار الحارة الذي يبسط واجهة من الفواكه النضرة التي تسرق العين وتسيل اللعاب.. يمنعك من لمسها حتى لا تفسد جمالها، والجميلات يعلّقن كالمزهريات واللوحات للتأمل فقط.. يتكفل بتعبئة حاجتك مما سرّ القلب منها.. يزنها وتدفع مهرها لتكتشف حين تعود إلى البيت حقيقة أن ما سرّك من بضاعته بقي عنده.
لا يمكن أن نتصور أنّ الزبون صافح في حلمه امرأة قبيحة، وتفسير هذا المنام يشير إلى الذنوب والمعاصي التي ارتكبها الحالم، فعاقبه الخضّار.
الجزار أو القصاب هو الآخر يُعلّق الشاة غضّة كفتاة فارسية تسبح في ماء النهر (على رأي مظفر النواب)، يقصده الشاري لينال نصيبه منها وله من المال ما يكفي.. ما إن يُلقي عليه التحية حتى يضع الجزار يده في جيب سرواله ويقسم أنه ذكر (نحن لا نحبّ أكل لحم النعاج أو العنزة).
البقال يلعب على الحبلين كذلك، فلا يبيعك بضاعة مفقودة أو نادرة في السوق إلا إذا اشتريت من عنده أشياء لا تحتاجها كالزيت والسميد والسكر.. أشياء قاطعتها منذ أن قال لك الطبيب إنك تعاني من مرض السكري المزمن وحرم عليك الخبز والحلويات وكل ما يتعلق بالكربوهيدرات.
هي الحياة بحبلين، واحد للحزن وآخر للفرح تهديهما لمن تشاء وقت ما تشاء، وحبل للخير وحبل للشر تمسكه الشياطين وتلوح به لمن له وجهين من الناس واحد يضحك به للناس وآخر يدسه خنجرا في الظهر.. حبل للصحة نتمنى أن يدوم وآخر للمرض نرجو أن يزول.. حبل للكرم والعطاء والتسامح وحبل للأنانية والبغضاء والحقد ونحن بين هاتين المتلازمتين مكرهون على الاختيار.
في الحروب اللعب يتم على حبال متشابكة كالثعابين في كيس أو دهليز، من يتمايل على الحبل يُصلى بلهيبها لأنها نار ليس لها إلا صفعات الوداع للأحياء والأموات من أي طرف مسكنا بعصاها.
