رهان قيس سعيد على الجزائر ينتظر نتائج على الأرض

اتفاقيات اللجنة المشتركة فرصة جديدة لاختبار موقف الجزائر من قيس سعيد وسلطته وأي تسويف أو مماطلة سيقرآن كموقف سلبي.
الأحد 2023/10/08
متى تتحقق الوعود

لا يُعرف ما إذا كانت الجزائر قد وعدت تونس بالدعم، وهو ما قد يفسر حجم الوفد الوزاري الذي رافق رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني إلى الجزائر ليشمل وزراء الداخلية، والخارجية، والمالية، والاقتصاد والتخطيط، والشؤون الاجتماعية، والتجارة وتنمية الصادرات، والنقل والسياحة.

ويظهر عدد الوزراء الذين زاروا الجزائر وتعدد اختصاصاتهم بأن الرئيس التونسي قيس سعيد يراهن فعليا على الجزائر لمساعدته على الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها بلاده بالتزامن مع التوتر الناشئ مع الاتحاد الأوروبي والبرود في العلاقة مع صندوق النقد الدولي ومن ورائه الولايات المتحدة، واشتراط دول صديقة ثرية الاتفاق مع الصندوق خطوة رئيسية لأيّ دعم مالي أو استثماري.

لكن المشكلة أن مسار الاتفاقيات قد يطول، وهي تحتاج إلى لقاءات ترتيبية ومشاورات ووقت، وبعضها قد لا يبدأ في وقت قريب، في حين أن تونس تحتاج إلى دعم جزائري عاجل لمساعدتها على مواجهة أزمة التمويل.

صحيح أن رئيس الحكومة التونسية سمع كلاما إيجابيا خلال زيارته إلى الجزائر سواء من خلال لقاء الرئيس عبدالمجيد تبون، أو رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن الذي تحدث عن “عهد جديد” في العلاقات بين البلدين. لكن، وماذا الآن، أي متى يرى التونسيون، الذين يعيشون وضعا اقتصاديا معقدا، نتائج الدعم الجزائري في حياتهم اليومية.

◙ المشكلة أن مسار الاتفاقيات قد يطول في حين تحتاج تونس إلى دعم جزائري عاجل لمساعدتها على مواجهة أزمة التمويل

تحتاج تونس الآن إلى تمويل لشراء القمح وتوفير المواد الأساسية الضرورية، وهو ما لا تقدر عليه حاليا في ظل غلاء الأسعار عالميا وصعوبة توفير العملة الصعبة. صحيح أن هذه مشكلة تونس وعليها أن تحلها بنفسها، وليست مشكلة الجزائر. لكن تصريحات المسؤولين الجزائريين، وخاصة الرئيس تبون توحي دائما بأن الجارة الشرقية حليف إستراتيجي.

كما أن الجزائر لا تخفي قلقها من أيّ أجندات خارجية في تونس، خاصة الأجندات الخليجية. ورأينا الحملة التي ثارت ضدها بسبب زيارة وزير الخارجية نبيل عمار إلى دول خليجية، وزيارة مسؤولين خليجيين إلى تونس، وخاصة من الإمارات.

من الواضح أن الجزائر لا تريد أن تنفتح تونس على أيّ محاور أو أجندات أو تبني علاقات اقتصادية وشراكات يمكن أن تنتج نفوذا مزاحما للجزائر، وهي تستغل الظرف الاقتصادي الصعب لجارتها الشرقية لأجل تنفيذ خطوطها “الحمراء”، وهو ما سبق أن فشلت فيه في السابق مع تونس قبل الثورة التي كانت مثالا في بناء علاقات دبلوماسية واقتصادية متنوعة من دون السقوط في دائرة الأحلاف.

لكن الجزائر التي تضع “الخطوط الحمراء” لجارتها الشرقية ظلت تكتفي بالمراقبة والمتابعة لما يجري فيها منذ 2011، من دون أن تدعمها بشكل حاسم لتستعيد توازنها.

وإذا كان حذرها في السنوات العشر الأولى مفهوما بسبب خوفها من فوضى سياسية وديمقراطية قد تنتقل عدواها إليها، إلا أن استمرار الحذر بعد الانتقال السياسي في 25 يوليو 2021، وإمساك جهة واحد بالسلطة، والعلاقة الشخصية المتينة بين قيس سعيد وتبون، يبدو غير مبرر، ولا يمكن تفسيره سوى بفكرة ترك تونس تتحمل مسؤولية انهيارها.

وفي يوليو 2022، قال تبون في مقابلة صحفية بأن “الجزائر تتعامل مع الشرعية وستواصل دعمها للجارة تونس، ولأن الرئيس التونسي قيس سعيد منتخب من طرف الشعب وبصفة شرعية، لا بد من التعامل معه بغض النظر عن المودة التي تربطنا كأشخاص”.

وأضاف “قيس سعيد أخي وصديقي، نكنّ من خلاله لتونس وللشعب التونسي كل المودة والاحترام، ونحرص دوما على ألا نتدخّل في الشأن الداخلي لتونس ولغيرها، كما نحرص على ألا يتدخل في شؤوننا الداخلية أيّ أحد، ومبدأنا هو دعم المؤسسات الشرعية”.

ومع مضي أكثر من عامين على 25 يوليو 2021، ما يزال التونسيون، وأغلبهم ينظر إلى الجزائر كشقيقة كبرى وليس مجرد حليف سياسي، ينتظرون الدعم الجزائري، بعيدا عن التقديرات والحسابات وصراع الأجندات سواء داخل الجزائر أو مقارباتها الإقليمية.

هناك مفارقة كبيرة، طرفها الأول أن الشارع التونسي يعتقد أن الجزائر هي الطرف الوحيد الذي قلبه على تونس، وأنها ستدعم قيس سعيد لضمان استقرار تونس، وفي ذلك ضمان لأمن الجزائر وتأمين لحدودها، لكن الجزائر تريد من تونس أن تكون حليفا قويا لها، رهن إشارتها سواء في الخلاف مع المغرب، أو في تقييم الوضع في ليبيا، وأن تكون في صف من تقف الجزائر إلى جانبه ويخدم أجندة حلفائها في الإقليم.

◙ الجزائر لا تريد أن تنفتح تونس على أيّ محاور أو أجندات أو تبني علاقات اقتصادية وشراكات يمكن أن تنتج نفوذا مزاحما للجزائر

وطالما أن الجزائر لديها ما يكفي من الأموال التي وهبها لها الله دون تعب ولا نصب من عائدات النفط والغاز وتنفق بعضها لـ”تنمية أفريقيا”، أو كعربون دخولها إلى بريكس، فما الذي منعها من أن تمنح قيس سعيد قرضا في حجم ما يعرضه عليه صندوق النقد الدولي، وهي تعرف أن الرجل يتجنب هذا الخيار لتأثيراته السلبية على شعبيته. وقتها بالتأكيد، فإن الرئيس التونسي سيجد نفسه موضوعيا حليفا للجزائر وصديقا لتبون ولا يحتاج إلى أن يتجه إلى غيره للبحث عن تمويلات.

وإذا كانت الجزائر تريد البحث عن “حماية مجالها الحيوي” في تونس، فلن يكون ذلك سوى بالاستثمار والمشاريع والخروج من مربع الوعود، خاصة أن الوقت تغير كليا، وصار العالم يتنافس على استقطاب الاستثمارات الخليجية، فما الذي يمنع تونس من أن تجرب حظها وتستعيد الاستثمار الخليجي الذي انكفأ بعد الاضطرابات التي سادت بعد ثورة 2011 وغياب أفق الاستقرار السياسي وقتها.

ستكون اتفاقيات اللجنة المشتركة فرصة جديدة لاختبار موقف الجزائر من قيس سعيد وسلطته، وأيّ تسويف أو مماطلة سيقرآن كموقف سلبي وانحياز لجهات أخرى ظلت تحوم شكوك حول وقوف الجزائر وراءها.

فهل يمكن التعويل على دعم جزائري حاسم ومستمر؟ وهل في تاريخ العلاقات ما يدعو إلى القول إن الطرفين متكاملان وإن من الممكن البناء على ما يردده السياسيون في البلدين من وعود كتلك التي سمعها الحشاني في زيارته إلى الجزائر؟

5