إضراب كتاب السيناريو.. سيناريو يصعب تحقيقه عربيا

العرب لم يخلقوا منظومة إنتاج في السينما ولا في التلفزيون أو الكتابة.
الأربعاء 2023/09/27
الدراما العربية لا يوقفها إضراب الكتاب

أكد الإضراب الكبير الذي خاضه كتاب السيناريو في أميركا أهمية قطاع السينما والإنتاج التلفزيوني، لكنه أثار الانتباه إلى أن الإنتاج مجال متشابك ومتكامل، وهو ما يفتقده مجال إنتاج الدراما في بلدان أخرى مثل البلدان العربية التي لم تتحول فيها بعد الدراما والسينما إلى عمل منتج ومتكامل العناصر.

ماذا يتبقى حين يضرب كتاب السيناريو في هوليوود ثم ينضم إليهم الممثلون؟ يصبح الأمر عندئذ، أشبه بالحديث عن الكتابة دون أدوات كتابة، وذلك انطلاقا من كون الممثل قلما والشاشة أو المسرح ورقة تعد للقراءة.

ماذا يحدث حين يتعطل ضلع أساسي من أضلاع مثلث الصناعة الدرامية؟ يحدث الكثير طبعا، وإلى درجة أنه يمنع أيّ شيء من الحدوث. ويصبح الأمر تماما، كالكلام عن صناعة دون أدوات صناعة والزراعة دون أدوات زراعة.

وفق هذه المقاربة البديهية، فإن ما تكبده القطاع السينمائي والتلفزيوني في هوليوود من خسائر طيلة خمسة أشهر من إضراب كتاب السيناريو، يقدر بالمليارات، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بكل ما يتعلق بهذه الصناعة في مجالات مباشرة وغير مباشرة.

أخيرا، توصلت نقابة كتاب السيناريو والأستوديوهات العملاقة في هوليوود إلى ما يشبه اتفاقا أو تسوية تنهي أشهرا من الإضراب الذي شل القطاع، مما قد يدفعهم إلى استئناف عملهم.

وكانت نقابة كتاب السيناريو أعلنت السبت الماضي أنها ستواصل المفاوضات مع الأستوديوهات، بعدما شهدت تقدما يوحي برغبة في التوصل إلى اتفاق يضع حدا للتحرك المطلبي.

قطاع حيوي

◙ أعمال تقتات من خزينة الدولة وتمولها بعض الشركات المتفرقة
◙ أعمال تقتات من خزينة الدولة وتمولها بعض الشركات المتفرقة 

وبعثت نقابة كتاب السيناريو برسالة إلى أعضائها قالت فيها "لقد توصلنا إلى اتفاق مبدئي في شأن حد أدنى جديد للعام 2023، وهو ما يعني توافقا من حيث المبدأ على مختلف نقاط الاتفاق، مع مراعاة الصياغة النهائية للعقد".

نحن هنا، نتحدث عن قطاع أشبه بصناعة السفن في اليابان أو زراعة الأرز في الصين أو تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود، لا بل يزيد عليها في بلورة وتشكيل وتسويق الرأي العام والتأثير عليه، بالإضافة إلى صناعة الترفيه في عالم تتجاذبه الضغوطات ويغلب عليه التجهم والعبوس.

لسنا إزاء قطاع موسمي خجول يقتات من خزينة الدولة وتموله بعض الشركات المتفرقة كما هو عليه الحال في العالم العربي، وإنما عن صناعة تهز عروش العالم، وتقوم على كتّاب يساهمون بسيناريوهاتهم السينمائية والتلفزيونية في "سيناريوهات" أخرى سياسية واقتصادية وثقافية.

لذلك، وتقديرا لهذا الإنجاز، تابعت نقابة كتاب السيناريو في الولايات المتحدة رسالتها "يمكننا القول بفخر إن هذا الاتفاق استثنائي، مع توفيره مكاسب كبيرة وحماية لكتاب السيناريو

◙ قطاع السينما في أميركا أشبه بصناعة السفن في اليابان وزراعة الأرز في الصين وتصدير الحبوب عبر البحر الأسود

في مختلف القطاعات التي يعملون فيها"، علما أن الرسالة لا تشير إلى تفاصيل الاتفاق، لكنها تذكر أن العمل جار على بلورة هذه التفاصيل وأن الكلمة الفصل ستكون للأعضاء.

منذ سنوات طويلة لم ينشط حراك نقابي ولم يرتفع صوت نقابي في الولايات المتحدة كما ارتفع صوت نقابة كتاب السيناريو اليوم بمثل هذه الحدة والصرامة، بدليل أن النقابة قالت في لهجة صريحة وحاسمة: لنكن واضحين، لا ينبغي على أحد استئناف عمله ما دامت النقابة لم تجز ذلك بشكل صريح، لا نزال مضربين حتى ذلك الحين، لكننا علقنا الاعتصامات اعتبارا من اليوم.

لا تحتاج هذه اللهجة الحادة الغاضبة إلى تفسير أكثر من كون قطاع السينما والتلفزيون، ماردا يتحكم في قطاعات متنوعة، عديدة وحساسة تصل إلى مراكز القرار، وتنذر ـ أو تبشر ـ بقيام “ربيع نقابي” يقوده آلاف الكتاب في السينما والتلفزيون.

الإضراب امتد منذ مطلع مايو، طالب فيه أصحابه بتحسين أجورهم والحصول على مكافآت أفضل عن كل عمل لهم يحقق نجاحا، بالإضافة إلى حصولهم على ضمانات من تقنية الذكاء الاصطناعي التي باتت غولا يهدد شرائح عريضة بفقدان وظائفها، خصوصا في العالم المتقدم.

خسائر فادحة تكبدتها شركات عاملة وأخرى مجاورة في المجال السينمائي والتلفزيوني، خلال خمسة أشهر من الإضراب وتسببت في تعطيل إنتاج الكثير من الأعمال المنتظرة. ومما زاد الطين بلة هو أن انضم إليهم الممثلون في منتصف يوليو، مما أدى إلى شل الغالبية العظمى من إنتاجات الأفلام والمسلسلات التلفزيونية في الولايات المتحدة.

لا خوف على العرب

◙ لا صناعة لدينا في السينما ولا في التلفزيون أو الكتابة
◙ لا صناعة لدينا في السينما ولا في التلفزيون أو الكتابة

ونحن نشهد ونتابع هذا “الحدث الهوليوودي” حقيقة لا تمثيلا، يمكن لأيّ متابع عربي أن يطرح على نفسه السؤال التالي: ماذا لو حدث الأمر في بلادنا العربية، وهل يتطور الوضع إلى حد الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية والسياسية؟

الجواب: حتما لا، ذلك أن لا صناعة لدينا في السينما ولا في التلفزيون أو الكتابة، ولا ذكاء اصطناعيا يتهددنا كي تكون لدينا أزمة، ذلك أن نشوء الأزمات ينمّ عن تطور ما في قطاع ما.

في أميركا يطالب الممثلون كما الكتاب بضمانات حول استخدام الذكاء الاصطناعي، إذ يخشون استنساخ صورهم أو أصواتهم، ويتخوف الكتاب من إمكان استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج النصوص والحصول تاليا على أجور أدنى، أو استعمل سيناريوهاتهم لتدريب الروبوتات، أما في العالم العربي، فهذا الأمر لا يزال مستبعدا، نظرا إلى عدم تطور هذه المجالات عندنا.

يمكن القول إنه، وباستثناء المملكة العربية السعودية التي تمضي في إنجاز خطة تطويرية تشمل القطاع التلفزيوني والسينمائي، لا خوف في العالم العربي من مثل هذه الإضرابات، لأن أغلب ما لدينا هم أشباه كتاب سيناريو وأشباه منتجين، وأشباه وأشباه.

اقرأ أيضا: 

اتفاق كتاب السيناريو والأستوديوهات خطوة لا تنهي أزمة هوليوود

12