ملتقى الشارقة للراوي يجمع خبراء تراث وحكواتيين من 47 دولة

يعتبر الرواة حفّاظ جانب هام من التراث البشري، ألا وهو التراث الشفهي، الذي تناقلته الأجيال من حكايات وخرافات متنوعة تمثل كل منها روح الشعب الذي تنشأ وتتطور فيه. واهتماما بدور الرواة الكبير، يأتي ملتقى الشارقة الدولي للراوي، والذي صار تقليدا سنويا راسخا.
يجتمع 120 خبيرا وباحثا وحكواتيا من أكثر من 47 دولة في النسخة الـ23 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي الذي ينظمه معهد الشارقة للتراث، وذلك خلال الفترة من الثامن عشر حتى العشرين من سبتمبر الجاري، تحت شعار “حكايات النباتات”.
وتتضمن أجندة الملتقى هذا العام أكثر من 60 فعالية ما بين ندوات وورش عمل، إلى جانب جلسات المقهى الثقافي والعروض الفلكلورية.
حديث السندباد
يناقش المشاركون في الملتقى القضايا المتعلقة بالتراث، إضافة إلى الموضوع الذي ينعقد الملتقى تحت شعاره هذا العام وهو “حكايات النباتات”.
وبمناسبة اختيار دولة قطر ضيف شرف ممثلة في علي شبيب آل سالم المناعي، والشخصيتينِ الفخريتين محمد سعيد البلوشي وخولة محمد عبدالعزيز المناعي، فإن الجلسة الافتتاحية سوف تحتفي بالتراث القطري والجهود المبذولة على المستويين الفردي والمؤسسي لحفظه.
ويتزامن مع انعقاد النسخة الـ23 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي نشر عدد كبير من الإصدارات التي تدور في فلك الموضوع الرئيسي للملتقى (حكايات النباتات).
ويقول الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس اللجنة العليا المنظمة لملتقى الشارقة الدولي للراوي، إن الملتقى صار تقليدا تراثيا راسخا، ومناسبة تتجدد سنويا، محمّلة بكل جديد ومفيد في التراث الشفهي العربي والدولي، ومحتفية بالكنوز البشرية من حملة الموروث الشعبي الإماراتي.
◙ الملتقى ساهم في تكريس حالة من التلاقح الثقافي والأدبي بمشاركة مفكرين وباحثين ورواة من مختلف أقطار العالم
وبحسب قوله، فهو حدث يرتقي بالثقافة المحلية، والذاكرة الشعبية والهوية الوطنية، ومشروع ثقافي وبحثي دائم لحصر ومتابعة وتوثيق مرويات وخبرات ومشاهدات الرواة الإماراتيين ودعمهم ثقافيا واجتماعيا وماديا، وتكريم المتميزين منهم.
وحول بداية انطلاق الملتقى في عام 1987، يشير المسلم إلى أن أول انعقاد لـ”الراوي” كان خلال فترة عمله بوحدة التراث بالدائرة الثقافية بالشارقة، وكان الراوي الأول الوالد راشد الشوق، الذي كان راويا موسوعيا مقتدرا وبامتياز، والذي توفي في 26 سبتمبر عام 2000. وقد جاء انطلاق يوم “الراوي” تكريما له ولحملة الموروث الشعبي، بمشاركات محلية وخليجية فقط، ثم تطور “يوم الراوي” إلى ملتقى دولي لتكريم الرواة حماية الكنوز البشرية، بمشاركة دولية واسعة تعدّت الـ25 دولة، وبذلك تكون إمارة الشارقة وجهة رئيسة للاحتفاء بالكنوز البشرية على المستوى الدولي.
ونوّه المسلم بأنه على مر السنين الماضية، كرم المعهد ما يقارب مئة وخمسين راويا وراوية في دورات الملتقى المتتالية، من أصحاب المهارات الموروثة، ممن غادرونا، ومن الرواة المتخصصين في شتى مجالات التراث الشفهي، حيث كان أولهم راشد الشوق، دفتر الشارقة، وأشهر رواة الإمارات.
وقالت عائشة راشد الحصان الشامسي مديرة مركز التراث العربي والمنسقة العامة لملتقى الشارقة الدولي للراوي، إن دورات ملتقى الشارقة الدولي للراوي تأتي لتعيد للدنيا حديث السندباد، ولتثمين جهود حملة التراث الثقافي وإرساء منظومة كفيلة بحمايتهم، والعمل على تمرير ما يحتفظون به من معارف ومهارات للأجيال الشابة من خلال معرفتها، وحصرها، ومن ثم نشرها لضمان ديمومتها، والحفاظ عليها من الاندثار والضياع.
وأكدت على أن معهد الشارقة للتراث يطرق مختلف الأبواب الثقافية من أجل تجسيد الرسالة الثقافية والتراثية في إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ورأت الشامسي أنه يحسب لهذا الملتقى التفرد وامتیاز انطلاقته من المحلية إلى العالمية، عبر تنويع الفعاليات والمشاركين، وضمان تكريس حالة من التلاقح الثقافي والأدبي، بمشاركة مفكرين وباحثين، ورواة من مختلف أقطار العالم، كما يحسب له – بحسب قولها – ثباته على فعالية تركز على الراوي، وأهميته في الثقافة المحكية، كونه مخزون الذاكرة التي لا تموت.
وأعلنت مديرة مركز التراث العربي والمنسقة العامة لملتقى الشارقة الدولي للراوي، أن دورة هذا العام من الملتقى تأتي محمّلة ببرامج وأطروحات فكرية، وحكايات من تراث الشعوب، ومجالس فكرية، ومنتديات ثقافية تثير قضايا جديدة لم تثر من قبل، وتناقش ما ورد فيها من أخبار، وتعرضها في قالب حديث يواكب العصر، مع مراعاة عدم الإخلال بثوابتها وأصولها.
حماية الكنوز البشرية
اعتبر الدكتور منّي بونعامة مدير إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث ورئيس البرنامج الفكري للملتقى، أن “الراوي” هو ذلك الكنز الذي يختزن في ذاكرته الكثير من المعارف والفنون التي استقاها من واقعه وخلاصة تجاربه في الحياة، حتى أصبح كنزا بشريا يحتفى به في المحافل الدولية، تقديرا لجهوده القيمة التي بذلها في حفظ تراث مجتمعه، ونقله إلى الأجيال الصاعدة بأمانة وموضوعية.
ووصف الملتقى بأنه مناسبة سنوية يتجدد خلالها اللقاء بالرواة، وبمعارفهم الشعبية القيمة، وأنه – أي الملتقى – أصبح قبلة يؤمها حملة التراث الشعبي من كل حدب وصوب.
وشدّد بونعامة على أن معهد الشارقة للتراث كان موفقا في تكريم حماة التراث من الرواة وحملة التراث الإماراتي الذين أسهموا إسهامات قيمة في حفظ المعارف الشعبية والفنون التراثية، والذاكرة الجمعية للمجتمع والدولة في الإمارات عبر سنوات طوال شهدت فيها المنطقة تحولات كبيرة وكثيرة طالت مختلف بناها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأثرت في رحلة عيش السكان ومصادر الحياة.
◙ المشاركون يناقشون في الملتقى القضايا المتعلقة بالتراث والموضوع الذي ينعقد الملتقى تحت شعاره هذا العام هو "حكايات النباتات"
ويعد ملتقى الشارقة الدولي للراوي حدثا ثقافيا محوريا على قائمة الأجندة الثقافية في إمارة الشارقة، وعلى مستوى دولة الإمارات والوطن العربي والعالم، وذلك لما له من دور بارز في الاحتفاء بكنوز التراث، وحرّاس الذاكرة، وحماة الهوية، وتقديرهم وتشجيعهم على حفظ التراث وتوثيقه وصونه من الضياع والاندثار.
وقد مر الملتقى – منذ أن كان يوما خاصا بالرواة إلى أن أصبح ملتقى دوليا – بمراحل متعدّدة شكلت علامة فارقة في تاريخه، وقدمت صورة عن الجهود المبذولة من أجل تكريم الكنوز البشرية من الرواة وحملة الموروث الشعبي على مستوى العالم.
وكانت الدورة الخامسة عشرة بداية منعطف جديد في تاريخ ملتقى الراوي، ومنها انتقل من طوره المحلي العربي إلى الفضاء العالمي الأوسع، ليصبح ملتقى الشارقة الدولي للراوي، محتفيا بفنون الراوي بمختلف تصنيفاته: راوي الحكايات والحكم والأمثال والتاريخ الشفهي.
وقد انتهج معهد الشارقة للتراث تكريم شخصيات فخرية عربية، تقديرا لإسهاماتها العلمية، وتتويجا لمسيرتها الحافلة بالعطاء، ومن هؤلاء من رحل عن دنيانا، ومن يواصل مسيرته في حماية التراث العربي والإنساني، وهم الأكاديميون: أحمد مرسي من مصر، نجيمة طاي طاي من المغرب، سعد الصويان من السعودية، يعقوب حجي من الكويت، البحرينية أنيسة فخرو، روبرتا موسكاس من سردينيا، آني طعمة ثابت من لبنان، وأحمد عبدالرحيم نصر من السودان.