الكويتية عائشة عدنان المحمود تزاوج بين الإبداع الأدبي وفنون الإدارة الثقافية

هناك رأي مغلوط يقول بعدم إمكانية الجمع بين الإبداع والتسيير الإداري، وهذا ما تؤكده العديد من التجارب مثل تجربة الكاتبة الكويتية عائشة عدنان المحمود التي أتقنت المجالين بدقة، مؤكدة مكانة المرأة العربية سواء في عالم الإبداع أو عالم الإدارة والتسيير. ونطل في هذا المقال على أبرز المؤلفات التي قدمتها الكاتبة ورسخت من خلالها تجربتها كواحدة من أبرز الأسماء الأدبية الكويتية.
استطاعت الكاتبة الكويتية عائشة عدنان المحمود الجمع بين الإبداع الأدبي وفنون الإدارة الثقافية وتحقيق تفوق لافت في هذا المجال، متجاوزة بذلك إشكالية أن يكون المبدع إداريا ناجحا.
ونجحت المحمود في أن تواصل مسيرتها بصفتها أديبة تحظى إبداعاتها في مجالات الرواية والقصة القصيرة وأدب الرحلات بمتابعة واهتمام كبيرين من قبل النقاد والقراء، وأن تحقق قفزات في مجال عملها بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآدب في وطنها الكويت، وهي تشغل اليوم منصب الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس.
تجربة أدبية وثقافية
رغم انشغال عائشة عدنان المحمود بالكثير من الملفات الثقافية الهامة فإن للأدب حضوره الكبير في طقوس يومها
وسط انشغالها بالكثير من الملفات الثقافية، وعلى رأسها ملف الاحتفال بمرور نصف قرن على انطلاق المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فإن للأدب حضوره البهي في طقوس يومها، لتقدم لنا نصوصا أدبية تحمل بوحا من نوع خاص، ولغة مثلت ظاهرة متفردة – بحسب النقاد والباحثين – وسردا محملا بالدهشة وبنكهة الماضي وعبقه الأخاذ.
انطلقت المحمود في مسيرتها الإبداعية بإصدار مجموعتها القصصية “آخر إنذار” التي صدرت طبعتها الأولى عام 2014 عن الدار العربية للعلوم (ناشرون).
وفي عام 2016 صدرت لها عن دار نوفا بلس للنشر والتوزيع الطبعة الأولى من كتابها الذي ينتمي إلى أدب الرحلات “في حضرة السيد فوجي سان: مشاهدات سائحة في اليابان”.
وفي العام 2017 أصدر لها بيت غشام للصحافة والنشر بمسقط في سلطنة عمان “كلمة وفكرة: من الكويت إلى سلطنة عمان”، وهو مشروع إبداعي مشترك.
وفي سنة 2018 صدر لها عن دار سؤال رواية “وطن مزورْ: يوميات البن والحناء”. ثم صدرت في العام 2022 رواية “عباءة غنيمة” عن الساقي، وهي الرواية التي وردت ضمن قائمة الستين من الروايات المطبوعة المرشحة لنيل جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها التاسعة.
وللمحمود مجموعة من الإصدارات قيد الطبع منها “عابرون” وهي مجموعة قصصية، و”على متن الطلقة” كتاب في أدب الرحلات، و”هوامش على خارطة السفر”، وهو أيضا مؤلف ينتمي إلى أدب الرحلات، و”خلف الصورة أمام الكاميرا”، وهو كتاب في النقد الفني.
وحظيت إصدارات المحمود باحتفاء نقدي كبير، حيث ظفرت كتبها المختلفة من الروايات والمجموعات القصصية وكتب أدب الرحلات بالكثير من القراءات والدراسات النقدية لعدد كبير من الكتاب والنقاد العرب بينهم: أمير تاج السر، وسعدية مفرح، وحيدر الأسدي، والحسام محيي الدين، والدكتور عبدالفتاح شهيد، وعمرو الغزالي، وشريف صالح، وحمد الناصر، والدكتورة سعاد العنزي.
وتألفت المجموعة القصصية “آخر إنذار”، التي كانت باكورة الإصدارات الأدبية للمحمود، من أربع عشرة قصة قصيرة عمدت خلالها الكاتبة إلى تأسيس القصص على أعمدة من الاستهلالات النصية لكبار الأدباء العرب والأجانب البارزين في العالم، أمثال إبراهيم نصرالله وغادة السمان وجوناثان سويفت وغابرييل غارسيا ماركيز وآخرين، في نزعة واضحة لكتابة النص عبر استدعاء الموروث الأدبي والفلسفي الإنساني في مؤشراته النصية إلى داخل القص وإثقاله بمحمولات الفن والفكر والأدب في أعمق مستوياتها الجمالية والدلالية.
إصدارات متنوعة
أما آخر إصداراتها الأدبية، وهي رواية “عباءة غنيمة”، فقد تصدرت الروايات الكويتية ضمن قائمة الستين للأعمال المنشورة وغير المنشورة، المرشحة للفوز بـ”جائزة كتارا للرواية العربية” في دورتها التاسعة للعام 2023.
وتدور تفاصيل أحداث رواية “عباءة غنيمة”، التي جاءت فصولها في لغة رشيقة، حول “فيصل” الذي هاجر من الكويت للدراسة في بيروت، حيث اصطدم هناك بما لم يعتدْه: كيف لمدينة أن تحولنا وتصنعَ منا نسخا جديدة؟
من فتى يخشى الجلوسَ بجوار فتيات بألبسة ملونة، إلى رجل يغريه الاختلاف والتلون والتحرر والركوب خلف المقود وطعم السيجارة الأولى. حتى وقوعه في حب لين، أستاذتِه الجامعية، وتسطيرهما حكاية في الخفاء.
في قلب منطقة عربية تغلي، وفي أوجِ الحرب اللبنانية، تطلِق المحبوبة جملة مدوية على مسمع فيصل “كل واحد منا سيشهد نهاية العالم من شرفته الخاصة في بيته وحيدا أو بصحبة من لا يريد”.
أما رواية “وطن مزورْ: يوميات البن والحناء”، وهي ثالث إصداراتها الأدبية في مجالي القصة القصيرة والرواية، فقد حظيت بدراسة أكاديمية حملت عنوان “الظاهرة النحوية في وصف الشخصية في رواية ‘وطن مزور’ لعائشة المحمود”، وأعدتها الدكتورة حنان أحمد الفياض، ونشرت بالعدد السابع عشر من مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب بالمملكة الأردنية الهاشمية في شهر أبريل 2020.
وجاء في ملخص الدراسة أنه في إطار الكشف عن تجليات الظواهر النحوية في وصف الشخصية الروائية من خلال التطبيق على رواية “وطن مزور” لعائشة المحمود، نجد أن الكاتبة اعتمدت على عدة ظواهر نحوية في تقديم الشخصية بصورة تفصيلية دقيقة تمكن من فهم الأبعاد النفسية للشخصية، وترسخ انطباعات موجهة في ذهن المتلقي الحاضر حضورا بينا في عملية الإبداع.
ويركز البحث على الظواهر النحوية التي برزت في وصف الشخصية الرئيسية تحديدا، وهي الشخصية التي تتمحور حولها الأحداث والسرد. وقد خلص البحث إلى عدد من النتائج كان من بينها أن ظاهرة إطالة بناء الجملة قد تسيدت الظواهر النحوية في وصف الشخصية، وذلك لامتداد تلك الظاهرة بتنوع الطرق التي تأتي بها من طول التبعية وطول التعدد وما يندرج تحتهما من أساليب ووظائف نحوية مختلفة، وأن العطف قد شكل ظاهرة لافتة في أسلوب الكاتبة، وقد أحسنت استثماره بإضافة عناصر ومتعلقات له زادت من امتداده، مع أنه في ذاته طريقة من طرق إطالة الجملة.
أما أول إصدار للكاتبة في مجال أدب الرحلات، فقد كان كتاب “حضرة السيد فوجي سان… مشاهدات سائحة في اليابان”، ويمثل الكتاب رحلة ذات أبعاد مكانية وزمانية متنوعة تأخذنا من خلالها الكاتبة إلى أعماق موغلة في الدهشة سردا وقصا ووصفا.
ويتضمن الكتاب الكثير من الأحداث والقصص التي ترويها المحمود من خلال زيارتها إلى اليابان بأسلوب أدبي مشوق قريب جدا من القصة، أكثر من الاستطلاع الصحفي، ومن ثم فإن مادة الكتاب – كما أسلفنا – تندرج ضمن أدب الرحلات بمواصفات شيقة ومدهشة.
وتقول المحمود في متن كتابها “بداية علي أن أخبركم بأنني لن أكون أنيس منصور الرحالة العربي الأهم في عصرنا الحديث، ذاك الذي طاف العالم كصاروخ يقطع القارات ليلغي المسافة بين بحار مالحة ومحيطات منداحة في فضاء الكرة الكبيرة، رحلة يفصل بينها نصف القرن وعمر بأكمله، رحلة تقطع فوق أشواك الخوف وأمنيات الترقب، كنت حينها بعكسه أحمل حقائب ثقيلة وقلبا مغمورا بالتحفز (…) وكنت أرسم أفقا معزولا عن المحيط لأجتاز عوالم الفوضى، وأتخطى مدن الضجيج والفساد، ولعلني نجحت لا أعلم، لكن ما أعرفه جيدا أن في قصتي ما يستحق السرد وما يستدعي الحضور البهي”.