المصري إيهاب القسطاوي: الأدب لا يراعي خصوصية الطفل

الكتابة للطفل هي أصعب أنماط الكتابة وخاصة الروائية منها، لما فيها من مسؤولية تقع على عاتق الكاتب في أن يخاطب الطفل بلغة يفهمها لكنها تجذبه إلى المعرفة وتنقل له رسائل مدروسة، إلا أنها كغيرها من القطاعات الثقافية والأدبية لم تسلم من غزو الدخلاء الذين يكتبون دون علم وتمكن ودراية، ويجدون من يروج لهم ويدعمهم. وهذا ما يندد به الكاتب المصري الكبير إيهاب القسطاوي ويدعو إلى التصدي له.
القاهرة - يحظى أدب الطفل باهتمام خاص، لاسيما من المختصين في هذا النوع الأدبي ممن يرون أن المجال أصبح مخترقا من دخلاء وأشباه نقاد وشركات ربحية لا تبدي اهتماما بجودة المحتوى الموجه إلى جيل المستقبل، ولا تلتفت إلى خصوصيات العصر الراهن والانفتاح التكنولوجي الكبير، ما أسهم في تراجع المادة المقدمة للطفل وعزوفه عن القراءة.
وفي هذا السياق يقول إيهاب القسطاوي، الكاتب المصري المتخصص في أدب الطفل، ومدير كرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم (الألكسو)، إن “الجهود الرامية إلى النهوض بالأدب الموجه للطفل عربيا تصطدم بحزمة من التحديات، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى وضع رؤية قابلة للتطبيق للتعامل مع تلك التحديات”.
وأضاف القسطاوي أن أبرز التحديات تتمثّل في أن أدب الطفل يُصاغ بلغة لا تتصل بمفهوم اللغة التي تخدم الطفل وتبلور أهدافه، مشيراً إلى أن “ما يقصده هو اللغة التي تمكّن الطفل من فهم الآخرين، وعبرها نستطيع أن نشرح للطفل ما نريده منه، ويستطيع الطفل، في المقابل، أن يتعلّم ما يريد قوله ويتمكن من التعبير عن ذاته”. ونوّه إلى أن أحد التحديات الأخرى التي تعيق تقدم الأدب الموجه للطفل في العالم العربي هو “ظاهرة الدخلاء على المشهد الأدبي”، وهي ظاهرة تسببت في إحداث المزيد من السطحية والارتباك في مجال أدب الطفل.
وتابع الكاتب المصري قائلا إن “ظهور هؤلاء الدخلاء في المشهد الأدبي وحقل أدب الطفل سببه ‘المجاملات’ في بعض المؤسسات المعنية بالنشر، وامتد الأمر من عالم الكتابة الإبداعية إلى عالم النقد الأدبي، ليقوم الدخلاء على المشهد النقدي بنقد مؤلفات الدخلاء على المشهد الإبداعي، فيمنحونهم صكوك الإجادة في الإبداع”. وأكد على أن مستقبل أدب الطفل في العالم العربي مرتبط بطبيعة اللحظة المرتبكة التي يعيشها في الحاضر.
وحول رؤيته لحركة النشر في مجال أدب الطفل وتحقيق طموح الكتاب العرب، قال القسطاوي إن “حركة نشر الكتب الموجهة للطفل باتت ضعيفة ولا تُلبي احتياجات الأطفال ولا ترتقي إلى طموح المُبدعين من الكُتّاب والرسّامين”، مرجعا سبب ذلك إلى أن بعض دور النشر صارت لا تهتم بنشر القيمة، وتسعى لتحقيق الأرباح فقط، دون النظر إلى ما تقدمه من نصوص، لتسود لغة الأرقام واقتصاديات النشر على حساب المضمون.
وأوضح أن ما زاد من احتداد المشكلة هو تراجع دور مؤسسات النشر الحكومية في الكثير من البلدان، وخضوع حركة النشر فيها لما وصفه بـ”الشللية” و”المجاملات”، إضافة إلى ما تضعه من شروط تعجيزية أمام المبدعين الحقيقيين، وتجاهل تام للمعايير الحقيقية لاختيار النصوص، فضلا عن غياب الدعم الحكومي الموجه لقطاع أدب الطفل. لكنه أكد على أن الثقافة الرصينة قادرة على طرد الثقافة الرديئة خاصة عندما تتوسع رقعتها.
وحول رؤيته لأهمية حضور التراث في الآداب الموجهة للطفل، قال القسطاوي إنه على قناعة تامّة بأنّ الموروث الذي لا يبني حضارة ويصنع ذاكرة وميضها قيم وثقافة تتوارثها الأجيال، هو مخزون كاذب لا يستحق الحياة، مشيرا إلى أنه “ليس كل ما يحويه الموروث في طياته يصلح أن يكون مادة خصبة نستقي منها مضامين مهيئة للطفل لمواجهة تحديات العصر، لأن الموروث الشعبي ألَمّت به تحريفات وإضافات أخرجته عن مساره العقلاني والواقعي”.
وبشأن رؤيته للسبل التي تساعد على إزالة العقبات التي تعوق مسيرة أدب الطفل في العالم العربي، قال القسطاوي “لا بد من تفعيل دور المراكز البحثية في هذا المجال، باعتبار أنها القادرة على استشراف آفاق المستقبل”، لافتا إلى ندرة المراكز البحثية المتخصصة في القيام بدراسات ترصد اتجاهات وميول الأطفال بشكل واقعي، ووضع نتائجها أمام الكُتّاب في مجال أدب الطفل، وكذلك أمام المؤسسات المعنية بثقافة الطفل، لتتم معرفة احتياجات الأطفال والاستجابة لها بحسب نتائج تلك الدراسات.
وأشار إلى أنه منذ توليه مهام عمله كمدير لكرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم، تقدّم بمقترح لإنشاء مرصد للطفولة يكون مقره بيروت، وتكون مهمته رصد ميول واتجاهات الأطفال بالتعاون مع كل الأجهزة المعنية بالطفولة في العالم العربي، ولاقى المقترح موافقة ودعم الدكتور مراد محمودي، أمين المجلس التنفيذي والمؤتمر العام، القائم بأعمال مدير إدارة الثقافة بالألكسو، والذي ذلَّل كل العقبات ويسر كل الإمكانيات لنجاح ذلك المشروع، ليبدأ العمل قريبا بالمرصد والذي تمنى أن يكون بمثابة نواة.
وذكر أن هذا المرصد سوف يكون نواة لأكاديمية بحثية وتطويرية متخصصة تسهم في وضع الرؤى والمقترحات اللازمة للنهوض بكل ما يتعلق بالطفل وفي مقدمة ذلك أدب الطفل. وحول رؤيته للدور الذي يمكن أن تلعبه المعارض والمهرجانات الثقافية في خدمة أدب الطفل، قال “إننا في حاجة ماسة إلى إقامة المزيد من المعارض والمهرجانات والمؤتمرات والندوات التي تسهم في خلق حالة من التفاهم وتمنح المشاركين فيها فرصة لتبادل الرؤى والأفكار والتجارب، وتحقق استفادة حقيقية من الطاقات الإبداعية القادرة على حل جُل القضايا المتعلقة بالثقافة والكتابة وخاصة أدب الطفل”.
◙ حركة نشر الكتب الموجهة للطفل باتت ضعيفة، ولا تُلبي احتياجات الأطفال، ولا ترتقي إلى طموح المُبدعين من الكُتّاب والرسّامين
وبشأن رؤيته لسُبل النهوض بحركة نشر الكتب الموجهة للطفل وتوزيعها، قال القسطاوي إن “أكثر المشكلات التي تواجه حركة النشر هي ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الطباعة من ورق وأحبار، ولا بُدّ من قيام المؤسسات الحكومية المعنية بتقديم دعم سنوي لدور النشر لتواصل مسيرتها في تقديم مؤلفات جيدة للطفل من حيث الشكل والمضمون”.
يُذكر أن إيهاب القسطاوي كاتب مصري متخصص في أدب الطفل، وخبير تربوي، ومسؤول كرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم، وقد صدرت له العشرات من المؤلفات داخل مصر وخارجها. والقسطاوي هو أيضا معد برامج ثقافية، مقيم في بيروت، وصدرت له عدة مجموعات قصصية، والعديد من كتب الأطفال، وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات وأدرجت في المناهج المدرسية، كما أنه يكتب بانتظام في عدد من الصحف المصرية والعربية.
وفي السياق ذاته نظم العديد من ورش الحكي والسرد للأطفال في مراكز وزارة الثقافة والمتاحف، ونال العديد من شهادات التقدير والميداليات التذكارية وعددا من الجوائز، كان آخرها جائزة “أنا والصين” وجائزة “عميد الأدب العربي” عن القصة القصيرة. وله بعض الأعمال تحت الطبع. وكان القسطاوي ضيف شرف معرض “صفاقس الدولي لكتاب الطفل”، وقد تم اختياره مؤخرًا عضوا باللجنة الإعلامية في المجلس الأعلى للطفولة وهو الإطار الوطني للعمل الاجتماعي المختص بالطفولة في الجمهورية اللبنانية.