المسرح والمجتمع.. مهرجان تونسي يقرّب المسرح من جمهوره

صالح الفالح: نطمح إلى تحسين واقع الإنسان باستعمال الطاقات الإيجابية.
الثلاثاء 2023/06/20
تصور جديد لعلاقة الفن المسرحي بالفضاء

الجمهور عنصر أساسي في الفن المسرحي ما إن ابتعد المسرحيون عن هواجسه حتى تراجع الإقبال على الفن المسرحي، وهو ما يدعو إلى إعادة ربط علاقات جديدة مع الجمهور تراعي مختلف شرائحه وتوجهه إلى خلق وعي فني وجمالي وفكري من خلال الحوار مع الأعمال المعروضة ومع المسرحيين. وهذا كان رهان مهرجان المسرح والمجتمع في محافظة سليانة التونسية.

يسعى مهرجان المسرح والمجتمع الذي ينظمه سنويا مركز الفنون الدرامية والركحية بمحافظة سليانة لإعادة رسم ملامح العلاقة بين الجمهور والفن المسرحي، وهي علاقة شابها في السنوات الأخيرة تذبذب كبير أثر على الإقبال على الفن الرابع، ما حتّم إعادة النظر في دور الجمهور واستقطابه وخلق متفرجين جدد من فئات مختلفة.

وفي هذه الدورة الثانية من المهرجان التي انتظمت من الثالث عشر إلى غاية الثامن عشر من يونيو الجاري، كان الجمهور على موعد مع عدد من العروض المسرحية وعروض الرقص المسرحي والسيرك علاوة على التربصات والحلقات النقاشية.

المسرح ومجتمعه

صالح الفالح: المهرجان ينشط في تفعيل القدرات الإيجابية لكل الناس
صالح الفالح: المهرجان ينشط في تفعيل القدرات الإيجابية لكل الناس

قدم المهرجان في دورته الثانية أربعة عروض مسرحية ممثلة في “تائهون” لنزار السعيدي و”الروبة” لحمادي الوهايبي، و”بلاك آوت” لمنير العرقي، بينما كان الجمهور على موعد مع العديد من عروض الرقص المسرحي منها عرض للراقصة نسرين بن عربية وعرض “خارج عن السيطرة” لأمال العويني، كما قدم المهرجان عددا من العروض الموسيقية مثل عرض موسيقى العالم بساحة المدينة وغيرها من الحفلات.

وكان الركن الأساسي المختلف الذي حافظ عليه المهرجان في دورته هذه هو التربصات المسرحية التي تقدم ورشات تدريبية لمحبي المسرح من هواة ومحترفين، علاوة على تنظيمه لحلقة أوريزونتال النقاشية التي تحلل وتفكك أبرز الظواهر الفكرية من خلال الفن المسرحي في علاقاته الجدلية مع الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس وتداخله مع بيئته ومجتمعه.

ويحسب للمهرجان انفتاحه على فضاءات أخرى خارج الخشبة، إذ يقدم عروضه في الساحات وفي أماكن غير تقليدية، حيث يذهب إلى الجمهور بمختلف شرائحه وينوع الفعل المسرحي غير مكتف بالأعمال المسرحية المتعارف عليها، بل يعول كذلك على عروض الأداء والفنون الأخرى التي تتقاطع مع المسرح كالسيرك والموسيقى والرقص وغيرها. بينما تبقى الجلسات الحوارية التي يساهم فيها أبرز الكتاب والمسرحيين والمثقفين في خلق جدلية فكرية تفكك الواقع وتبني تصورات أخرى في علاقة به.

حول اختيار ثيمة المسرح والمجتمع يقول المخرج المسرحي ومدير مركز الفنون الدرامية والركحية بسليانة صالح الفالح لـ”العرب” إن “المسرح يسكن المكان والفضاء العمومي من أجل الناس يدربهم على فكرة المواطنة والوعي العالي بأفكار تؤسس للبناء والحلم والأمل من أجل منجز فعلي يسعد الإنسان، هكذا كان الفن في حركته”.

ويضيف “كذلك المهرجان ينشط في تفعيل القدرات الإيجابية للناس من قبيل الحب والحلم ونبذ اليأس والوهن من أجل الفعل في إطار الحرية لصنع مستقبل يستجيب لطرح تحلو فيه الحياة. هكذا كان الاسم انطلاق مشروع لحب الحياة والسعادة”.

ويتابع الفالح في حديثه عن أهداف المهرجان القريبة والبعيدة، قائلا “كيف نسكن المكان والمعنى هذا هدف كل مشروع فني، أن تضرب في الأرض مكانة راسخة أن تشاهَد أن يُعترف بك أن يكون الجمهور في حاجة ملحة إليك أن يكون لوجودك معنى وأثر عندهم وأن يصبح الشعر لغة الجميع في المستقبل ويتغير ويتحول الإنسان باستعمال الطاقات الإيجابية والمحبة”.

المهرجان يقدم في دورته الثانية عروضا مسرحية وعروض الرقص المسرحي والسيرك علاوة على التربصات والحلقات النقاشية
المهرجان يقدم في دورته الثانية عروضا مسرحية وعروض الرقص المسرحي والسيرك علاوة على التربصات والحلقات النقاشية

ويشدد على أن هذا هو طموح المشروع، أن يجد المسرح والفن مكانا في المدينة وينشط هو وينشط الناس وأن ينشر الأمل ويصبح الفن ممارسة ديمقراطية سهلة لكل المواطنين، فيكون المهرجان الفني دائما طوال الوقت لا مجرد مناسبة تظهر وتختفي إلى الدورة اللاحقة.

الأجيال الجديدة

يقول الفالح “نريد أن تصبح الممارسة الفنية مسألة عضوية وحاجة أساسية كالهواء، نتنفّسها دون أن تكون لها مؤسسات تأذن لها بذلك أو تكون وصية عليها”.

ويتجاوز رهان المهرجان من أجل نشر الفن المسرحي تقديم العروض والندوات، ليراهن بشكل كبير على التربصات والورشات التي من شأنها ترسيخ الفعل المسرحي عند مختلف الأجيال، وبالتالي تكوين جمهور أكثر وعيا وأجيال جديدة على الخشبات.

ويقول مدير المركز “التربصات المنجزة في المهرجان مرتبطة بمشروع مختبرات المركز على امتداد السنة. فهناك مختبر قار موجه للكهول والشباب يدعم بتربصات لكفاءات وطنية كل مرة وفق برنامج محدد بصفة سابقة وفق أهداف تعليمية وبيداغوجية وفكرية للتمكّن من المهارات والأدوات الفنية في فن الممثل والنظريات المسرحية والجمالية”.

ويضيف “التربص يأتي في إطار المهرجان للمجموعة القارة وأيضا للمنخرطين الجدد من مختلف جهات المحافظة. فنجد تربصا تقدمه الفنانة سلوى بن صالح في الصوت. ثم تربصا ثانيا في صنع دمى الطاولة يشرف عليه الفنان وليد الوسيعي، وهو مواصلة لمشروع كبير انطلقنا في تأسيسه وهو نواة لفن العرائس بمركز الفنون الدرامية والركحية بسليانة، حيث تعدد النتاجات في هذا الاختصاص من الأعمال المسرحية، وسنفتح مختبرا قارا لهواة هذا الفن بالمركز وستكون نتائجه مشاريع تطبيقية وأعمالا محترفة”.

13