الكردي سيتار علي يحاكي مؤرقات الذات بأسلوب تجريدي

ينوع الفنان الكردي سيتار علي ألوانه وحتى الأساليب الفنية التي يعتمدها للتعبير عما يؤرق ذاته وما يعيده إلى انتمائه لمجتمعه، بكل مميزاته ومآسيه؛ لذلك تراه يقترب دائما من الوجع الجمعي دون أن يتخلى عن فرديته ودون أن يضر بضوابطه الفنية أو يتعداها، فيتمكن من المحافظة على الجمالية المعهودة في أعماله التشكيلية.
"الفنان ينبغي ألا يجري وراء إرضاء الجمهور، وإنما عليه إبراز قيم الفن الجمالية".
هذا ما قاله فناننا سيتار علي مرة، وبذلك يضع روحه وريشته على مفصل جوهري، وكأنه يقول لنا إرضاء الناس غاية لا تدرك، وذلك ليس من وظائف الفن، الفن الذي يسعى نحو إنجاز مساحات لونية تكتظ بالقيم الجمالية، فرغم أن سيتار مضرَّج بالوجع الوطني وكذلك بالوجع الإنساني إلى حد الذوبان إلا أنه يدرك تماما أن الصعود بالقيم الجمالية نحو ملكوت السموات التسع هو محاكاة لذلك الوجع.
هذا الصعود هو الذي سما بأعمال الفنان الكردي وأبعدها عن المباشرة والسقوط في براثنها، فالتوازن العذب والجميل الذي استطاع أن يخلقه بين أعماله الحاملة لذلك الوجع بلغة مغايرة وبين ذلك الوجع بتفاصيله المستحضرة من الذاكرة القريبة والبعيدة معا جعل تجربته تتخذ مسارها الخاص والمميز، وبأسلوبه المعتاد في تجربته الأخيرة، وأقصد هنا الأسلوب التعبيري التجريدي الذي به يحاكي مؤرقات الذات مجبولاً بمؤرقات البلاد.
وبهذا الأسلوب تتخذ القضايا عنده أبعادا مغايرة للمألوف ولما هو سائد تماما، فهو يستند على إرث يمتد في الزمان كما يمتد في المكان، وهذا ما يجعله مرهونا أيضا بزمن تاريخي فيه يمارس طقسه الفني ضمن وظيفة قيمية جمالية عالية.
سيتار علي فنان يقود عمله بمقود الباحث عن صياغات جديدة ستكون رصيدا له فيما بعد، صياغات ليست رمزية ولا تجريدية تماما بل صياغات فيها كل مكونات التعبير عن القضايا الشائكة التي تشغله وبخلق حركة علاقات بين مكونات العمل للوصول إلى حالة نهوض تسير نحو النضوج التام، نحو اضمحلال القاعدة في التقاط واجهات الضياع، بل يبتدع قاعدة قد تكون جديدة في المشهد التشكيلي الكردي، قاعدة الحركة الدافعة من داخل العمل ذاته كمفهوم للاقتراب من المجاراة لا من الانقسام.
إنه يؤكد عبر معادله الموضوعي شرطه الجمالي للوصول إلى معادل إبداعي به سيحاكي ملامح المرحلة بعوامل ستكون هي أيضا من ضمن دائرة تحولاته، تلك التحولات التي ستتوازن في مجمل أعماله، وهو بذلك يسعى إلى تشكيل خطاب جمالي تشكيلي مقياسه الأهم هو البحث عن بؤر فيها سيغدو نحو تحقيق وظيفة فنية مع تعزيزها، وذلك بالانتقال إلى وضع قلبه على نضج الوجع وضمن شروط غير مستعارة، وبعيدا عن القوالب الجاهزة، فكل عمل من أعماله هو مشروع لأصوات ستشغل خطابه بالدم الحار، مع تمازجه بتلك السجالات الكثيرة القائمة بين ألوانه القليلة نسبيا حيث يعتمد كثيرا على الأبيض والأسود مع زخات قليلة من الأحمر هنا أو هناك، فهذه هي ألوان المرحلة التي بها سيقول الكثير.
ويعتبر سيتار من أكثر المتحمسين لتأكيد أطروحة الغياب مع الاقتراب من الوجع بكل ملامحه وتفاصيله دون أن يضحي بأي جانب من مقاييسه الفنية، وهو ما قد يسيء إلى تجربته. فهو يهيئ المفاهيم الجمالية بمرورياته الكثيرة والمتفرقة والتي بها يقارب ظاهرة ثقافية من زاوية تخصه أولا كما تخص المتلقي ثانيا؛ إذ يفسر ظواهر تنتمي إلى حقله الجمالي وكذلك هي استمرار التأكيد على حركيّة الواقع عبر سعيه إلى مقياس متغير.
هذا ما يجسده الفنان في أعماله وبوعي داخلي ذاتي يقظ قد يكون هو ذاته من سمات تجربته التي سيفضي بها إلى محاكاة كل مستلزمات المجاورة، وعلى قاعدة الاقتراب من البؤرة الأهم عبر تعرفه بشكل أو بآخر على خصائص تحوّل تجربته وعلى نحو أخص الارتكاز المذهل على الجانب المختلف في تقطيع البنية وبعثرة الأشكال بصورة استثنائية في فلك العمل، مدفوعا بضغط عملية البحث عن مشاهدات تكاد تكون إدانة للهذيان المقيم في المكان.
لا سبيل أمام سيتار إلا خلق ممر لائق ومتوهج وبإظهار حالة من الصيرورة دون أن يعد بشيء من الخصومة، بل ينتج سحابة فيها كل مفردات الخصوبة وإن كان يهيمن على طروحات فيها من التنافس ما يجعله يبدع في منجزه بوصفه عالماً متخيلا يأخذ على عاتقه مهمة ترجمته.