كليوباترا وطرزان وصلاح سالم

تشم رائحة العنصرية في التعليقات والمواقف المصرية من إسناد دور كليوباترا إلى ممثلة سوداء في المسلسل الذي أطلقته منصة نتفليكس. يجادل المعلقون بأن المسلسل تشويه للتاريخ من زاوية أن كليوباترا لم تكن سوداء، وهذا يجعلها غير مصرية ولا تُشخّص وجها مصريا. لا نعرف الغاية من انتقاء ممثلة سوداء للدور في المسلسل، لكننا نعرف أن كليوباترا الحقيقية كانت يونانية مقدونية الأصل، ملكة على مملكة البطالمة، وهي المملكة التي ورثت مصر ضمن تقسيم العالم القديم لتركة إمبراطورية الإسكندر الأكبر. الحكام الأجانب توارثوا حكم مصر على مدى أكثر من ألفي عام، وهي مدة قياسية لم يسبق أن شهدها تاريخ حكم الأجانب لبلد مّا باستثناء البلاد المصرية.
في السبعينات احتفى المصريون باستقبال الممثلة إليزابيث تايلور. وصل الأمر بالرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى حد أنه استقبلها هو شخصيّا. سبب الحفاوة هو تقديم إليزابيث تايلور دورَ كليوباترا في فيلم يحمل اسم الملكة البطلمية. وفيما عدا التشبّه المصطنَع باستخدام المكياج ووضع كحل ثقيل على رموش وحاجبيْ تايلور، فإن لا لون ولا شعر ولا هيئة الممثلة تقول إنها “مصرية”. التاريخ، في تلك المرحلة، كان محصّنا من التحريف كما يبدو. لكن السبب بالطبع هو أن كليوباترا الفيلم عام 1963 كانت بيضاء، بيضاء جدا، بينما كليوباترا المسلسل عام 2023 سوداء. كليوباترا مقبولة وكليوباترا مرفوضة، ولا يمكن تفسير السبب إلا بالعنصرية.
عنصرية اللون ليست سرا عسكريا في مصر. النوبي الأسود هو الخادم/السفرجي أو البواب في الأفلام المصرية. لم يسلم من العنصرية حتى الزعماء، إذ لم يتردد أشهر صحافي مصري وهو الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل ضِمْن كتابه “خريف الغضب” في التذكير بأن الرئيس السادات من جدّة سوداء.
يقول لك المصريون إن انفصال السودان عن مصر كان جزءا من مؤامرة بريطانية لتقسيم البلاد. المسمى الرسمي للعاهل المصري فاروق كان ملك مصر والسودان. ثم جاءت ثورة يوليو 1952 “التحررية” وتعاملت مع السودانيين بتعالٍ. عندما أرسلت القيادة المصرية أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة للتعامل مع مشاكل السودان، تصرف بطريقة لا تختلف عن تعامل الدول الاستعمارية مع مستعمراتها، بل وصل به الأمر إلى حدّ الرقص والتقاط صور يظهر فيها مع السودانيين شبه عار. في نقاش مع صديق ودبلوماسي مخضرم عاصر تلك المرحلة وكان شاهدا عليها، قال “ذهب عضو مجلس قيادة الثورة في مصر صلاح سالم إلى السودان وتصرف مع الوضع هناك تصرف طرزان مع القبائل الأفريقية”. كنا نحاول أن نجد تفسيرا لحالة الدهشة التي انتابت مصر وهي تراقب تطورات الأحداث الجارية الآن في السودان.
طرزان مصر الأبيض لا يستطيع أن يفهم ما يجري طالما يرى نفسه شيئا مختلفا. العنصرية شيء مكْلف كما تعلمت أمم الأرض من تجاربها المريرة.