حاضر أدب الطفل ومستقبله في العالم العربي مُبشران

الكتابة للطفل ليست بالأمر السهل، ورغم تطور أدب الطفل كميا ونوعيا بشكل كبير في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، فإن ذلك لا يخفي كمّ التحديات التي تواجه الكتاب والناشرين والرسامين المساهمين في إنتاج كتاب الطفل. فيما يلي حوار مع الرسامة والكاتبة المصرية نيروز الطنبولي حول واقع كتاب الطفل العربي الراهن.
القاهرة - قالت الرسّامة وكاتبة الأطفال المصرية نيروز الطنبولي إن حاضر أدب الطفل ومستقبله في العالم العربي مُبشران، ولفتت إلى “صحوة كبيرة تتمثل في الاهتمام بما يقدم للطفل من كتابات ونصوص أدبية سواء من حيث الشكل أو المضمون، وكذلك في طريقة التقديم”.
وتشير الطنبولي في مقابلة معها إلى أن حقل أدب الطفل في الوطن العربي شهد تطورا كبيرا نتيجة لعوامل عدة منها ما يقام من مسابقات محلية ودولية، إلى جانب ما تحدثه المعارض والندوات من رواج، وما يُنشر عبر مواقع التوصل الاجتماعي من أنشطة ومتابعات، حيث دفع “كل ذلك إلى السير قدما في تحقيق المزيد من التطور، وزاد من حماس الكثير من الكُتاب الشباب لخوض تجربة الكتابة والرسم للطفل، لتدخل دماء وأجيال جديدة من المبدعين من كُتاب ورسّامين للعمل بهذا الحقل الأدبي مُحدثة مزيدا من الرواج والانتشار، كما قللت من الفجوة العمرية بين الأطفال ومن يكتب ويرسم لهم”.
تؤكد الطنبولي أن من المهم مع دخول الأجيال الشابة من المبدعين في مجال أدب الطفل الانتباه لما يجب أن يُقدم للأطفال من قيمة، “ونحن نمتعهم بالنصوص والرسوم”، مشيرة إلى أن قيمة الكتاب لا تتوقف فقط على أن يكون كتابا ممتعا، “حتى وإن كان الإمتاع شكلا مطلوبا يؤدي لاستقطاب الطفل للقراءة”.
وحول رؤيتها لدور المجلات العربية الموجهة للطفل تقول الطنبولي إنه لا يمكن إنكار دور تلك المجلات في إثراء أدب الطفل، وخلق أجيال مثقفة من الأطفال، خاصة وأن عمر بعض تلك المجلات يعود إلى عقود طويلة، “ولا تزال باقية وقادرة على الاستمرار والصمود من أجل مواصلة رسالتها السامية، رغم أنها تباع للأطفال بأسعار زهيدة جداً”.
أدب الطفل وتحدياته
وترى الطنبولي أنه إذا كانت هناك بعض المجلات التي تُقدم مواد أقل جودة أو غير مناسبة من وجهة نظر البعض، فإن ذلك يرجع إلى ضعف الإمكانيات، معتبرة أن العاملين بتلك المجلات يبذلون جهودا تستحق كل الشكر والتقدير.
وأوضحت أنه “إذا أردنا أن نطور بعض المجلات فإنه لا بد من توفير دعم مادي لها ومساعدتها على استقطاب خبرات تكتب وترسم من أجل تقديم محتوىً لائق للأطفال”، لافتة إلى أن المشكلة التي ستبقى هي انسحاب المجتمع من القراءة وهي مشكلة يواجهها المنتج الأدبي أيّا كان شكله.
وحول رؤيتها لحركة النشر الحالية لأدب الطفل في العالم العربي، تقول الرسامة والكاتبة المصرية إن الحركة الحالية لحركة النشر في الكثير من البلدان العربية لا تلبي طموح الكتاب، مشيرة إلى تجربتها الشخصية في هذا المجال حيث ظلت تكتب وظل ما تكتبه من قصص موجهة للطفل مخزنة في الأدراج منذ عام 2007 حيث تجاوزت مؤلفاتها العشرين كتابا، ولم تر تلك الكتب طريقها إلى دور النشر إلا في عام 2017، وهو ما اعتبرته دليلا على أن وصول الكاتب إلى دور النشر ليس بالأمر السهل، بل يستغرق سنوات.
وأرجعت ذلك إلى عدم وجود جهات تساعد الكاتب الذي يظل يتلقى ردودا مبهمة من قبل دور النشر حين يقدم عمله للنشر، إضافة إلى أن الناشر لا يأخذ بيد الكاتب من أجل أن يطور نصه، ودور النشر باتت اليوم تبحث عن عمل “كامل ومُكمّل” تأخذه وتشتغل عليه فوراً دون أن يكون لديها الاستعداد لبذل جهد أكبر من أجل تجويد هذا العمل.
وحول التراث وأهمية حضوره في الأدب الموجه للأطفال العرب تقول الطنبولي إن توظيف التراث في أدب الطفل واستمرار تواجده بشكل لائق أمر مهم جدا بالنسبة إلى أدب الطفل. لافتة إلى أن الإنسان لديه ميل فطري إلى الماضي.
وتؤكد أن توثيق التراث العربي من خلال الأدب مهم جدا من أجل أن يحدث التواصل بين الأجيال، لافتة إلى أن الحكاية ليس لها عمر وليس لها زمن، ومن الممكن أن تتطور صياغتها لتتماشى مع مختلف الأزمنة، وأنه من أجل ذلك لا تزال الحكايات تبدأ بـ”كان يا ما كان”، وهي بداية اعتبرتها مناسبة ولائقة لكل العصور، خاصة وأن الطفل لديه شغف وتطلع لحكايات الجدات والتراث و”ألف ليلة وليلة” و”كليلة ودمنة”.
وتقول الطنبولي إن هناك مجموعة من العراقيل التي تؤثر على حركة أدب الطفل وتطوره، أولها لجوء بعض الكُتاب إلى تقليد الغرب، في ظل مخاوف بعض المبدعين من تطوير أدواتهم وأفكارهم وإبداعهم، والتطلع لما يقدمه الغرب من موضوعات تجذب الطفل.
وتؤكد أنه لا عيب في الاستفادة من خبرات الغرب في مجال أدب الطفل، لكن لا بد من الانتباه إلى أن الأطفال العرب مختلفون من حيث الثقافة وطرق الحياة، وطالبت الكُتاب بـ”تفهم طريقة الغرب في الكتابة للأطفال دون اقتفاء أثرهم بلا وعي ودون أن ننقل عنهم ذات الموضوعات والأفكار التي تجعل الأطفال العرب بعيدين عن واقعهم”.
وشددت على ضرورة أن يكون الكاتب على علاقة بالطفل وما يتعرض له من مشكلات وما يواجهه من ضغوط والاقتراب من عالمه وواقعة بدلا من تقليد الآخرين في بلاد الغرب، خاصة وأن “الجينات العربية ما زالت تنتج عقولا وأيادي قادرة على الإبداع في مجال أدب الطفل وفي كل المجالات ومن ثم فإن العرب ليسوا في حاجة إلى التقليد”.
إثراء الخيال
حول دور الحكومات العربية في توفير الدعم والرعاية لحقل أدب الطفل، تقول الطنبولي إن دور الحكومات هو دور “الراعي والمُسيّر للأمور والداعم المادي في الكثير من الأحيان، ودور الموجه الذي يشجع على الاتجاه نحو التراث وزيارة الآثار والتعرف على تاريخ الأوطان ومعالمها وإثراء الخيال من خلال زيارات الأطفال لتلك المعالم وتطوير تلك المضامين ووضعها في قوالب تجعل الطفل أكثر انتماء وأكثر اعتزازا بوطنه وبتاريخه وبحضارته”.
وتؤكد أهمية قيام الحكومات، ممثلة في المؤسسات المعنية بأدب الطفل وثقافته في توفير الخامات المستخدمة في طباعة اكتب والمجلات للأطفال بسعر مناسب، مع تشديد الرقابة على النصوص الموجهة للطفل حتى لا يقوم البعض بوضع “بعض السموم في تلك النصوص”، مثل تشويه التاريخ ونشر قيم لا تتناسب والمجتمعات العربية، وهي عملية تصفها بأنها تشبه “وضع السم في العسل”.
كما أكدت على أهمية قيام الحكومات بتشجيع القراءة، وترى أن دولة الإمارات تأتي كنموذج في تحقيق ذلك من خلال ما حققته من رواج كبير لكتب الأطفال وانتشار كبير لدور النشر.
وتتوقف الطنبولي عند مشكلة التوزيع التي تواجه الناشرين، ولجوء بعض الناشرين إلى النشر لأسماء معروفة فقط سواء من الكُتاب أو الرسّامين وتجاهل بقية المبدعين، مؤكدة أنه لن يحدث صعود لهذا الإنتاج إلا بتضافر الهمم بين الناشر والكاتب والمجتمع أيضا.
وتشير إلى أن الكتاب عمل جماعي تشترك في إنتاجه مجموعة كبيرة من الناس بداية من لجنة اختيار النصوص بدور النشر، والكُتاب والرسامين مرورا بعمال المطبعة، والمكتبات ومنافذ البيع، والعائلة والمجتمع بوجه عام، كل ذلك من أجل تقديم كتب ومحتوى يساهم في خلق جيل جديد أكثر ثقافة ووعياً.
يذكر أن نيروز الطنبولي رسّامة ومصممة عرائس، وكاتبة أطفال مصرية تقيم بالإمارات العربية المتحدة، وصدر لها العديد من النصوص والمؤلفات الموجهة للطفل.
وقد شاركت الطنبولي في العديد من المعارض والمؤتمرات المعنية بأدب الطفل، وتنفيذها الدوري لورش عمل تهدف إلى إثراء خيال الأطفال واكتشاف المُبدعين منهم وتشجيعهم وذلك بالتعاون مع المؤسسات المعنية في مصر والإمارات.