رأسمال جبان.. رأسمال شجاع

أينما ولّيت وجهك في الخليج تجد الكثير من العمال الباكستانيين. الخليج بيئة عمل مهمة بالنسبة إلى العمال الوافدين من منطقة شبه القارة الهندية وشرق آسيا. ولعلهم يحتلون أقل الدرجات في سلّم الوظائف والرواتب. الوافدون العرب والغربيون وضعهم أفضل كثيرا.

الباكستانيون في الخليج متقشفون. يعيشون في بيوت مكتظة بهم، ويقتّرون على أنفسهم سعيا للادخار. لا يزورون بلادهم إلا لمامًا، والبعض يقضي سنوات يجمع الريال فوق الريال والدرهم فوق الدرهم ليعود في أول زيارة بما يُفرح أهله. قد لا يكونون الوافدين المثاليين، لكنهم منتجون بما يكفي لتصدّر صفوف العاملين هناك.

رأس المال يهرب من المناطق المضطربة. لا يهم إن كان الاضطراب أمنيّا أم ماليا. في باكستان، الاضطراب أمني ومالي. الحرب ضدّ طالبان – باكستان مستمرة والبلاد تنتظر تحركا من صندوق النقد الدولي يساعدها على الخروج من إحدى أسوأ أزماتها المالية. الباكستاني العادي لا دخل له في الاضطرابين. عهود الحكم السابقة، العسكرية والمدنية على حد السواء، ساهمت في إيصال البلد إلى ما وصل إليه. لكن، كما نرى اليوم، الباكستاني وطني. الباكستاني الفقير، العامل الوافد في الخليج، وطني حقيقي.

عندما ناشدت حكومة شاهباز شريف الباكستانيين في الخارج أن يهبوا لإنقاذ بلدهم بتحويل المزيد مما لديهم من العملة الصعبة، تجاوب هؤلاء الفقراء مع هذه المناشدة تجاوبا واسعا. أرقام البنك المركزي الباكستاني لشهر مارس تشير إلى تحويل أكثر من 2.5 مليار دولار إلى باكستان، بزيادة 25 في المئة عن شهر فبراير السابق.

أعتقد أن هذا هو تعريف النجدة وطنيا: ألّا تقف متفرجا أمام أزمة بلادك.

رأس مال الأثرياء جبان، يهرب من مناطق المشاكل. التجربة الباكستانية علّمتنا أن رأس مال الفقراء شجاع، يهب لنجدة البلاد.

لا شك أن صمود الكثير من الدول أمام أزمات الغلاء وقلة الموارد التي تعصف بالعالم هذه الأيام يعتمد بشكل كبير على ما يرسله أبناؤها من حوالات. لا يمكن تخيل كيف سيكون الوضع في مصر ودول شمال أفريقيا من دون تلك التحويلات. كثيرون يقومون بالتحويل لمساعدة عائلاتهم على تجاوز تصاعد كلفة المعيشة، أو حتى إيداع المبالغ في حسابات مصرفية محلية، رغم إدراكهم أن قيمة هذه الودائع تتآكل بسبب تراجع العملة أو اهتزاز القيمة الشرائية للعملات الثابتة نتيجة التضخم. العاملون الوافدون من البلدان العربية في الخليج، مثلهم مثل المهاجرين إلى أوروبا، يسجلون -رغم بساطتهم، بل وفقرهم أيضا- موقفا أخلاقيا تجاه أسرهم ووطنيا تجاه بلدانهم.

درس بليغ يعلّمه الفقراء للجميع.