مسلسلات تونسية تعاني ضعفا فادحا في كتابة السيناريو

"فلوجة" و"جبل الأحمر" يطرحان قضايا شائكة دون الغوص فيها.
الخميس 2023/03/30
"فلوجة" دراما للإثارة

كالعادة أشعل شهر رمضان لهذا العام النقاش حول الأعمال الدرامية في تونس بين مستنكر ومندد وبين مرحب ومهنئ بجرأتها، لكن بين هذا وذاك بدأت بعض الأقلام الجادة في نقد ما قدم، بعيدا عن المجاملات الرفاقية أو التحامل المجاني، وهو ما تتطلبه الساحة الدرامية لتتطور.

مع انطلاق الموسم الرمضاني، الموسم اليتيم للدراما في تونس، قدمت قناتان تونسيتان عملين دراميين جديدين أثارا جدلا واسعا بين عموم التونسيين، جدل يبدو أنه لن يتوقف.

ويتواصل الجدل حول المسلسلين التونسيين “فلوجة” و”جبل الأحمر” وموضوعيهما المتشابهين تقريبا كدراما اجتماعية تتناول العنف وعالم الجريمة والمخدرات والعلاقات بين الأفراد، وتصوير ما يعتبره مخرجا العملين جزءا مسكوتا عنه من الواقع التونسي.

يتناول مسلسل "فلوجة" للمخرجة التونسية سوسن الجمني الوسط المدرسي من خلال قصص متشابكة لتلاميذ في معهد ثانوي، وعلاقاتهم ببعضهم البعض ورؤاهم للحياة والعالم بطرق مختلفة عن الأجيال السابقة.

من خلال هؤلاء التلاميذ يحاول العمل تشريح المجتمع التونسي بالدخول إلى منازل العائلات وخفايا العلاقات بين الوالدين، التي يحكمها إما البرود أو الخيانة أو التسلط الذكوري، وبين الأبناء ووالديهم والتي تعاني من سوء الفهم والاستقواء أو من الغياب وعدم الالتزام بالدور التربوي والتوجيهي.

ومن ناحية أخرى تتناول المخرجة الحياة المدرسية داخل المعهد، لتكشف ما يعانيه قطاع التعليم من اضطراب يدفع ضريبته التلاميذ في نهاية الأمر، وما تواجهه المؤسسات التربوية من عنف وانتشار المخدرات واستفحال الانحراف.

السقوط في الإثارة

◙ عائلات مشوهة ومنظومة تعليمية مشوهة وبالتالي مراهقين مشوهين تائهين
◙ عائلات مشوهة ومنظومة تعليمية مشوهة وبالتالي مراهقين مشوهين تائهين

إذن نحن بصدد عائلات مشوهة ومنظومة تعليمية مشوهة وبالتالي نجد مراهقين مشوهين تائهين، إذ تخلت عنهم العائلة أو لم تعرف التعامل معهم كما تخلت عنهم المؤسسة التربوية التي لا تملك وسيلة لمواكبة تطلعات الجيل الجديد.

الفكرة وإن كانت جيدة في العموم ومبنية في عقدتها الأساسية على فقدان فتاة، وبعض الحبكات الثانوية كالمراهقين اللذين يبيعان المخدرات في المعهد، فإنها لم تتجسد بالشكل الجيد، بل ظلت حبيسة كليشيهات الأفلام الأميركية والإثارة التي ترافق الأفلام أو حتى مسلسلات التي تتناول الوسط المدرسي والتعليمي.

الوهن كبير في السيناريو حيث لم يخلق حوارات أو تفرعات درامية قادرة على تأطير القضية المطروحة، حتى الشخصيات تبدو سطحية في تأطيرها، إما ماسك الحزن الدائم كما في حال والدي رحمة أو الغضب كما في حال نوح المتشبه بمغني الراب الأميركي إيمينيم، ويتفاوت الأداء التمثيلي الذي تميزت فيه الوجوه الشابة بشكل لافت، ولكن تبقى أم المشاكل في السيناريو، حوارات فضفاضة وأحداث اعتباطية، وإثارة مجانية.

رغم أهمية القضية المطروحة في مسلسل "فلوجة" فإن عدم تأطيرها بالشكل الجيد ووهن السيناريو أطاحا بها في الإثارة
◙ رغم أهمية القضية المطروحة في مسلسل "فلوجة" فإن عدم تأطيرها بالشكل الجيد ووهن السيناريو أطاحا بها في الإثارة

رغم أهمية القضية المطروحة فإن عدم تأطيرها بالشكل الجيد ووهن السيناريو أطاحا بها في الإثارة وبالتالي الترويج للجريمة والمخدرات ولنمط حياتي بعيد عن حقيقة الواقع التونسي الذي يعاني اضطرابات أعمق من مجرد اللباس والكحول والمخدرات والعلاقات.

العمل الدرامي الثاني كان بعنوان “جبل الأحمر” للمخرج ربيع التكالي ويتناول في قالب درامي قصة واحد من أشهر الأحياء الشعبية التونسية، جبل الأحمر المتاخم لقلب العاصمة التونسية، والذي حيكت عنه قصص باتت أشبه بالأساطير لما كان يمثله من هامش تونس ومهمشيها المقصيين.

كما كان متوقعا يحفل العمل بالكثير من مشاهد الجريمة والعنف والاقتتال والمخدرات وغيرها من كليشيهات عن الأحياء الشعبية، كليشيهات لم تتوقف إلى اليوم، في اقتصار هذه المناطق على هذه الأجزاء فحسب، رغم انتشارها ووجودها الذي لا يمكن إنكاره.

يحكي العمل قصصا متداخلة بين عالم الحي الشعبي المهمش وشخصياته المنحرفة ولكنها تخفي جانبا قيميا وأخلاقيا خلف انحرافها ذاك وممارساتها للسرقة وقطع الطريق وتجارة الحشيش وغيرها، وينتقل بنا إلى عالم الأغنياء من خلال عائلة عبدالصمد الذي يقرر فجأة منح أملاكه إلى الجنائني.

من أين ندخل هذا العمل، الذي اجتهد مخرجه بمنح كل شخصية صوتا (voix off) لتقول رؤيتها للأحداث، بينما استغل كذلك تقنية الاسترجاع كاسرا خطية الزمن أحيانا، بينما كانت الكاميرا المتحركة في بعض المشاهد مصدرا جيدا للإيهام بحقيقة المشهد. كما اجتهد ممثلون من أمثال نصر الدين السهيلي في تأدية شخصياتهم بشكل مميز، لكن مع كل هذا الجهد نتساءل بشكل جدي: أين السيناريو؟

عمل بلا نص

◙ أهمية الفكرة لا تعكس أهمية العمل البعيد كل البعد عن أن يرتقي ليكون مسلسلا
◙ أهمية الفكرة لا تعكس أهمية العمل البعيد كل البعد عن أن يرتقي ليكون مسلسلا

هذا العمل يبدو وكأنه بلا سيناريو تماما، شخصيات تظهر وتختفي بلا مبرر، أحداث غير منطقية بالمرة، لنأخذ مثلا الجنائني الذي تحول إلى مدير شركات عبدالصمد، شركات تشغل المئات من العمال وقرر فجأة أن ينقذها بصفقة تصدير شاحنتي سمك بشكل دوري، أي منطق هذا؟ أو علاقات الشخصيات ببعضها البعض، علاقات لا تمشي وفق إطار مطلقا، القوي يتحول إلى ضعيف ثم قويا والعكس كذلك، علاقات لا يحكمها تصور للشخصية الدرامية وطرق تطويرها وتقلباتها.

أما الأحداث فهي شتات لا تمسك بخيط منها، عدا كونها تبرر العنف في كثير منها، خاصة مع ترسيخ الإفلات من العقاب وتحويل الفعل الإجرامي كردة فعل فحسب، بينما هو ظاهرة أبعد من ذلك بكثير.

◙ القصص التي شهدها حي الجبل الأحمر التونسي في الحقيقة أهم من العمل الذي عانى ضعفا كبيرا في السيناريو

رغم أهمية الفكرة والقصص التي شهدها حي الجبل الأحمر في الحقيقة والتي كان يمكن استثمارها، فإن نص العمل بعيد كل البعد عن أن يرتقي ليكون مسلسلا، سيناريو مهتز أطاح بالعمل وكل الجهد المبذول فيه.

ونلاحظ أن كلا العملين حاولا أن يوزعا البطولة على كل الشخصيات، منهيين فترة البطل الفرد في الدراما، وهو توجه جيد يواكب الأعمال الدرامية المعاصرة، ولكن هكذا توجه يحتاج إلى كتابة سيناريو جيد ولم لا الاستعانة بورشات كتابة ومنح الفرصة لشباب كتاب مميزين يمكن الاستفادة منهم.

لكن رغم وهن الأعمال المعروضة هذا العام فإنه لا يمكن مطلقا تبرير الرقابة عليها والاتجاه إلى محاكمة بعضها بأي حجة أخلاقية كانت، فالهدف هو تطوير الدراما لتكون قوة ناعمة لها دورها الترفيهي كما لها دورها الثقافي والجمالي والفكري والوطني حتى، لذا فمن الخطأ الفادح توجه بعض القطاعات إلى محاكمة الأعمال الدرامية بحجة الإساءة لها، كما فعلت نقابة الأساتذة مع مسلسل “فلوجة”، فتقييم الأعمال الفنية ليس من مشمولات المحاكم بل من قبل المشاهدين والنقاد.

13