حشيشة رمضان
كل الناس يهنئون ويباركون برمضان في دلالة على أن هذا الشهر المبارك لديه وقع خاص على الناس، يغير حالهم من حال إلى حال ويجدد فيهم الطاقة الروحية. لكن القصة أنهم ينظرون إلى رمضان في جانب واحد أنه صيام عن الأكل والشرب، وهذا يستدعي التخلي عن واجبات أخرى بزعم أن الصائم لا طاقة له أو أنه يفتقد دافع القهوة والتدخين والشيشة الذي كان يقوى به على مواجهة مصاعب حياته.
كثير من الناس يجد في مشقة الصيام مبررا للكسل والنوم طيلة النهار، فهو مرهق ومتعب ولا يمتلك الطاقة التي تساعده على العمل، وحين يسأل عن ذلك يرد بعصبية وتوتر كما لو أنه على حق، ويفترض أن رمضان حين يأتي تتوقف الدنيا عن الحركة وتغلق جميع الإدارات والشركات والمهن الحرة أبوابها، فقط عليها أن تدفع له راتبه ليجد ما ينفق بسخاء.
حشيشة الصوم (كناية على افتقاد مفعول المنبهات في الجسم) تجعل البعض غير قادر حتى على الخروج إلى الناس والتحدث إليهم أو ركوب وسائل النقل العمومي التي تتحول بمناسبة رمضان إلى عقاب جماعي بسبب خروج الناس وعودتهم في الوقت نفسه في ظل نظام الحصة الواحدة.
والأمر نفسه لا يختلف لدى من يركب سيارته الخاصة حيث تسيطر الزحمة على الطرقات ويفقد السواق أعصابهم ولا تسمع سوى الصراخ والسباب لصائم يفترض أن يكون رطب اللسان حلو الكلام.
تجد الشجار نفسه وبنفس العبارات في الأسواق التي تكتظ في رمضان استجابة لثقافة دينية شعبية حولت شهر الصيام إلى مسابقة دولية حول من ينفق أكثر ومن يأكل أكثر ومن يتلف الطعام أكثر.
والمفارقة أن بعض الناس الذين يقومون بهذا كله بداعي "حشيشة رمضان" يعود إليه صفاء النفس أحيانا فتراه يحدثك عن التقشف، ويحضّك على الصدقة وفضل الجار، ويجلب آيات كريمة وأحاديث شريفة ليقنعك بأنه تقي نقي وأن عليك ألا ترفع صوتك على العباد وأن تحترم الشهر الكريم، وكأن الذي كان يشتم ويعارك في السوق والنقل العمومي وفي الصفوف على شراء الخبز أو في الإدارة كائن آخر أو أن الرجل لديه توقيتان وقت صباحي بمزاج وآخر مسائي بمزاج مناقض له.
رمضان الذي في الكتب والخطب لا يمشي في الأسواق ولا يخالط الناس، وما نراه نسخة أخرى نأمل أن تقترب من نسخة الكتب ولو بعشر في المئة.
المهم ألا يقف الصيام عند ترك الأكل والشرب، وألا يكون صياما عن التفكير والعمل في أمة ترى في رمضان معادلا للنوم والكسل والاستغراق في الماضي.
وكل رمضان وأنتم بألف خير..
