"فن النعومة".. رسائل ومشاعر تحتاج إلى مهارات متنوعة وصبر ومثابرة

لكل فنانة أسلوبها وتوجهها، وبعيدا عن تأنيث الفن وتذكيره فإن للفنانات عادة أساليبهن الخاصة التي تتكئ على عوالم شعورية ثرية منها تستلهم كل واحدة منهن رؤيتها، وتدعم أفكارها بلمحات من ذاتيتها بصفتها مبدعة. والفنانة والأكاديمية المصرية نجاة الفاروق تعي هذا جيدا ولذا نرى في لوحاتها وأعمالها الفنية امتدادا واسعا لمشاعرها وأفكارها. وفيما يلي حوار معها حول عملها الفني وروافدها.
القاهرة - يستحوذ عالم الطفولة على جانب كبير من التجربة الفنية للتشكيلية والأكاديمية المصرية نجاة فاروق حيث تحتفظ بهذا العالم داخل عقلها وقلبها، وتستحضر الكثير من مشاهده من المخزون البصري لديها، وتجسده في لوحات فنية مبهرة.
وتعد تجربة فاروق من التجارب التشكيلية التي تتميز بالثراء والتنوع، والقدرة على اكتشاف الذات والتعبير عن المشاعر الداخلية – وذلك وفقا لمتابعين ونقاد - وهي تجربة ترجع بدايتها إلى عام 1987، لتواصل مسيرتها في ترسيخ بصمة فنية تميزها عن أقرانها وهو ما نجحت فيه.
مرح وحنين
بدأت فاروق ممارسة الرسم والتصوير بشكل أكاديمي، وبعد أن خاضت تجربة العمل في إحدى الدول العربية وعادت إلى وطنها مصر مجددا، كان لديها مخزون بصري وذكريات من عمر طويل راحت تستدعي تفاصيلها في أعمال فنية جرى عرضها في عدد من المعارض التشكيلية.
وحول تلك التجربة تقول الفنانة والأكاديمية نجاة فاروق إن تجربتها الفنية مرت بالعديد من المراحل كان أهمها انتقالها إلى المدرسة التعبيرية التجريبية، وهي حركة فنية وصفتها بأنها تعبر عن المشاعر الداخلية للفنان من خلال صور شخصية، كما أحبت التجريب في كافة المجالات التشكيلية، وأرجعت ذلك إلى دراستها بكلية التربية الفنية، حيث درست الرسم والأشغال الفنية والطباعة.
وتروي الفنانة كيف بدأت في تسجيل مشاعرها وحنينها إلى عالم الطفولة بمعارضها الخاصة، واستخدامها للونين الأبيض والأسود في تصوير نفسها وهي تلعب مع رفيقاتها من البنات، متخيلة تلك الألعاب وقد طغى عليها طابع المرح والحنين حتى وإن حملت معاني ورموزا من الطقوس الشعبية الموروثة، والتي تمثل عالما كبيرا وغريبا، وكيف أن الجدة تقوم بقص عروسة ورق، ثم تأخذ إبرة وتتمتم بأسماء وكلمات ثم تقوم بثقب العروسة الورق، وهو طقس موروث كان يمارس للحماية من الحسد.
وتضيف فاروق “لقد تشكّل وجداني وحبّي للحياة من متعتي باللعب بالورق وبالقص، وكنت أنظر إلى الدخان باعتباره يمثل تشكيلات غاية في الجمال”.
وترى بأن ولعها الشديد بالطفولة هو بمثابة اكتشاف للذات، ومحتوى تعبيري ترسّب في ذهنها، وأنها انتقلت إلى المساحات البيضاء حيث الاستغراق دون التحرك لنقل كل ما تشعر به في تلك اللحظات بحب شديد ومتعة حقيقية في اللعب فقط.
وتوضح بأن المركب الورق، أو العروسة والطائرة الورقية، وهي من ألعابها البسيطة التي تحمل معنى السفر ورؤية البعيد والجديد، والطفولة والرجوع إلى الذكريات حيث تحضرها تفاصيل دقيقة بقيت عالقة في ذاكرتها، جميعها هي موضوعات حاضرة في أعمالها الفنية.
وتحمل لوحات فاروق عادة العديد من الفتيات بملامح مصرية جميلة تستمدها من بناتها حيث العيون العميقة التي ترمز للأمل، والبريق الفرح والحياة.
فن النعومة
تلفت الفنانة فاروق إلى أن الخط يمثل عنصرا هاما في لوحاتها، ونوّهت إلى أن الخطوط تأخذها إلى عالم غامض ومختلف ولكنه واضح ومحدد، حيث يتولد حوار لانهائي بينها وبين الخطوط، وتصف علاقتها بالخطوط في اللوحة بأنها “علاقة حب/أمان/انقسامات/شغف/قلق، ورسائل بصرية”.
ومنذ ثلاث سنوات، بدأت أعمالها الفنية تأخذ منحى مختلفا، وتدخل مرحلة فنية مختلفة، ولكنه ليس اختلافا بالمعنى المتعارف عليه كما بيّنت، حيث راحت تنقل من خلال أعمالها الفنية نوعا من الرسائل أو المشاعر التي تتجاوز المعنى الحقيقي للخامات والتقنيات، وأصبح جلّ اهتمامها هو كيف تتخطى كل المشاعر عندما تبدأ في عمل فني، خاصة تلك الأعمال التي تستخدم فيها قصاصات القماش والخيوط، وكيف تعبر عن أفكارها ومشاعرها، وكيفية تأثير قطعة القماش على باقي القصاصات، كل ذلك دون أن تستغنى عن الرسم بألوان الإكريليك.
لدى الفنانة مخزون بصري ثري وذكريات من عمر طويل راحت تستدعي تفاصيلها في أعمال فنية بأساليب متنوعة
وتصف انشغالها بتثبيت القصاصات والخيوط بأنه عمل يساعدها كثيرا على التفكير بهدوء ويشعرها بالسعادة ويمنحها المزيد من الطمأنينة.
وترى فاروق أن فن القص واللزق هو “فن النعومة”، وأن الهدوء هو جزء من قوة المرأة، وأن “القوة الهادئة” التي تتصف بها المرأة هي من الصفات اللازمة عند استخدام الإبرة وقصاصات الأقمشة في العمل الفني، وهو عمل يحتاج بحسب قولها إلى مهارات متنوعة وصبر ومثابرة، وقدرة على التحكم الدقيق في الملمس واللون والتركيب مع التفرد في التصميم، وهي ترى أن ذلك العمل يساعد على تحسن المزاج، والتخفيف من حدة التوتر والقضاء على مشاعر القلق.
يذكر أن الفنانة نجاة فاروق تشكيلية مصرية حاصلة على درجة الدكتوراه في فلسفة الفن، عن رسالة حملت عنوان “القيم الجمالية والرمزية في الأسطورة المصرية القديمة كمدخل لاستحداث تصميمات لفن خيال الظل في مسرح الطفل”، وتشرف على إدارة الفنون التشكيلية بقطاع صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية، وقد أقامت خلال مسيرتها التشكيلية الممتدة حتى اليوم العديد من المعارض الخاصة، إلى جانب مشاركتها في العشرات من المعارض الجماعية والملتقيات الفنية المحلية والدولية.