في جيبي ذكاء اصطناعي

أبل وضعت في جيبي وجها جديدا من وجوه الذكاء الاصطناعي. انتهت العقدة. أيها الأصدقاء، أرسلوا النصوص والروابط بالفرنسية.
الأربعاء 2023/02/22
تضمين الخاصية كتحصيل حاصل

يراسلني أصدقاء بنصوص أو روابط باللغة الفرنسية. في المشرق العربي اللغة الفرنسية أكثر من ثانوية، وبالكاد يتعلمها أحد خارج لبنان. بتعبير آخر: لا أعرف الفرنسية. تحول الأمر إلى عقدة تتجدد كلما وصلني نص على واتساب.

لحسن الحظ قدمت محركات البحث واجهات للترجمة. بعضها بدائي، مثل محرك استا فيستا (في التسعينات)، وبعضها الآخر متطور مثل غوغل. في البداية كنت أكتفي بالترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية. الترجمة من الفرنسية إلى العربية كانت إما منعدمة أو تقدّم نتائجَ بلا معنى مفهوم.

القفزات التي قدمها الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة حلت الكثير من عقد الترجمة بين اللغات. اليوم تفتح صفحة بلغة، فينبهك، أو يقترح عليك، متصفح غوغل كروم: هل تريد مطالعتها باللغة العربية؟ يمكن التحكم في الإعدادات ومنع مثل هذه الاقتراحات مثلا باللغة الإنجليزية. لغتي الإنجليزية سليمة.

لكن عقدة الفرنسية ظلت قائمة. لفهم النص المرسل، عليّ أن أنسخه من تطبيق واتساب مثلا، وأفتح صفحة الترجمة في غوغل، وألصقه هناك وأطلب ترجمته. إذا كان النص المرسل رابطا، فالأمر سهل نسبيا. إذا كان نصا طويلا، فإن اختياره ونسخه بالإصبع من على شاشة الهاتف مهمة ليست يسيرة. بعد معاناة الاختيار وحين تضغط على الأداة التي تظهر لتقول انسخ، “يفلت” النص من الاختيار المظلل، وتحتاج إلى تكرار المحاولة مرة أو أكثر إلى أن يتم النسخ، ثم اللصق في صفحة مترجم غوغل؛ إنها معاناة.

المهمة أسهل بالطبع على الكمبيوتر. ولمهتم مثلي، صار من انشغالاتي متابعة تطور الترجمة الآلية. مؤخرا انتبهت إلى قفزات حققها مترجم برنامج مايكروسوفت وورد. كنت تختار كلمة وتترجمها. الآن يعرض عليك: هل تريد أن تترجم الوثيقة؟ وبحسب الإعدادات، من الممكن أن يعطيك الترجمة كوثيقة ثانية مرافقة، أو أن يرسلك عبر متصفحه إيدج إلى مترجم موقع بينغ، برنامج البحث لمايكروسوفت. الفضول يجعلني أترجم نصا بغوغل وبينغ وأقارن. لكن كل هذا يحدث من على شاشة الكمبيوتر. عقدة الوصول إلى ترجمة للفرنسية بسهولة، أي عبر الهاتف، ظلت ترافقني. ثم جاءت البشرى من دون إعلان: برنامج أي أو أس الذي يشغل هاتف أبل أيفون يقوم بالمهمة الآن بسلاسة.

القاموس، وليس المترجم، كان جزءا من هاتف أيفون. تختار كلمة وتطلب ترجمتها. الذكاء الاصطناعي وسّع نطاق الترجمة. الآن تختار نصا فيعطيك برنامج أبل خيار الترجمة فورا. بخطوة واحدة حلت أبل عقدتين شخصيتين لي: اللغة الفرنسية، وصعوبة السيطرة على الاختيار والنسخ واللصق من على شاشة الهاتف. فوق كل هذا، هناك مكافأة إضافية: في نهاية النص المترجم هناك مؤشر يقول اسمع النص المترجم. الهاتف يقرأ لك النص أيضا. أنا الآن “أقرأ” الفرنسية مثل أي لبناني أو تونسي أو مغربي تعلم الفرنسية في الصغر.

كل هذا تم بصمت. تصرفت أبل بلا استعلاء وضمنت خاصية الترجمة الجديدة بين أكثر من 10 لغات دون ضجيج. بل تركتنا نكتشف وجود الخاصية بالصدفة. لو كنت أنا من فعل هذا، لعملت افتتاحا كبيرا ودعوت وزيرا مهما لقطع شريط والضغط على شاشة هاتف عملاقة. أبل اعتبرت أن الخاصية تطور طبيعي سبقتها إليه غوغل ومايكروسوفت، وأن أقل ما يمكن تقديمه لمقتني هاتفها الجبار هو تضمين الخاصية كتحصيل حاصل. بلمسة تحديث من إصدار لبرنامج تشغيل إلى آخر، وضعت أبل في جيبي وجها جديدا من وجوه الذكاء الاصطناعي.

انتهت العقدة. أيها الأصدقاء، أرسلوا النصوص والروابط بالفرنسية.

18