تردّي البنية التحتية الرياضية يفاقم مشاكل الأندية التونسية

تفاقمت أزمة البنية التحتية الرياضية في تونس لتبلغ مدى حادا يصعب التكهن بمآلاته وباتت العاصمة تفتقر إلى ملاعب قادرة على احتضان المباريات وسط دعوات متصاعدة لتدخل الدولة لحلحلة الملف أو إيقاف الدوري التونسي عن النشاط في ظل بنية تحتية مهترئة، فضلا عن الاتهامات التي توجه للفاعلين في القطاع بترذيل المشهد الرياضي وإهمال المنشآت.
تونس - يعتبر ملف صيانة الملاعب الرياضية في تونس من أكبر الملفات المعقّدة وبات يمثل تحدّيا كبيرا وأولوية من الأولويات الملحّة بعد حدة انعكاساته على الأندية والشارع الرياضي، فضلا على تراجع المستوى الفني للدوري التونسي وعجزه عن تقديم صورة واضحة على واقع كرة القدم محليا.
وكانت الرابطة الوطنية لكرة القدم قد أعلنت في وقت سابق عن تأجيل المباراة، المؤجلة أصلا، بين الترجي الرياضي والنجم الساحلي بسبب عدم وجود ملعب يحتضنها بما أن ملعب حمادي العقربي برادس غير جاهز لاحتضان الكلاسيكو بسبب أشغال الصيانة، وملعب الشاذلي زويتن غير مؤهل بدوره للقاء، وبالتوازي مع ذلك فقد رفضت بلديات حمام الأنف وباجة والمرسى وبنزرت استضافة المواجهة.
كما قرّرت الرابطة تأجيل مواجهة النادي الأفريقي واتحاد بنقردان لحساب المرحلة الخامسة بملعب حمادي العقربي برادس بعدما كانت مبرمجة بملعب الشاذلي زويتن.
وأعلن مكتب الرابطة في بلاغ له حينها أن “الموعد الجديد لمباراة النادي الأفريقي واتحاد بنقردان والذي كان مقررا يوم 30 ديسمبر الجاري، جاء بناء على مراسلة بلدية تونس التي أكدت من خلالها عدم جاهزية ملعب الشاذلي زويتن لاحتضان مقابلة رياضية قبل تاريخ 1 يناير المقبل”.
وحسب رأي المراقبين كانت تونس تتوفر على بنية تحتية رياضية محترمة وعلى العديد من الملاعب من أبرزها الملعب الأولمبي بالمنزه وملعب الشاذلي زويتن وملعب 15 أكتوبر ببنزرت (شمال)، والتي ظلت في حاجة إلى الصيانة وإعادة البناء، فضلا عن أخرى لم تعد صالحة لإقامة المباريات بعدما أهملتها السلطات على غرار ملعب الكاف (شمال غرب البلاد) وملعب عزيز جاء بالله بمنزل بورقيبة (شمال).
واحتضن ملعب حمادي العقربي برادس مواجهتين في أقل من 24 ساعة بسبب أزمة الملاعب خصوصا بعد قرار غلق ملعب المنزه لإعادة تهيئته، وتواصل عملية الصيانة والإصلاح في بقية الملاعب التي لا تستجيب للشروط الدولية.
وأصبحت تونس لا تملك سوى ثلاثة ملاعب مؤهلة لاحتضان المباريات الدولية، وهي ملعب رادس (شمال) وملعب الطيب المهيري بصفاقس (جنوب)، وملعب مصطفى بن جنات بالمنستير (وسط).
ويرى قيس بن أحمد الناطق الرسمي باسم النجم الرياضي الساحلي أنه للأسف في الوقت الذي يتطور فيه مستوى كرة القدم في العالم بتنظيم أبرز التظاهرات الرياضية، فإن تونس تفتقر إلى ملعب لاحتضان المباريات.
وقال في تصريح لـ”العرب” “الدعوة لإيقاف نشاط الدوري لا يخدم مصلحة أحد، لا النوادي ولا الشارع الرياضي في تونس وعلى الدولة أن تصلح الأمور، لأن كرة القدم أصبحت وسيلة دبلوماسية”.
وتابع بن أحمد “لا بدّ أن تتضافر كل الجهود لإصلاح الرياضة في تونس، والدولة الممثلة خصوصا في وزارة شؤون الشباب والرياضة ومختلف الفئات المسؤولة عليها أن تأخذ المبادرة في ذلك، فضلا عن إصلاح التقسيم المحلي للملاعب ومراجعة معمقة للترتيبات والقوانين المنظمة للعبة”. واستطرد قائلا “هذه قضية دولة وطنية، ويجب أن يوضع الملف على طاولة الحوار لأن كرة القدم تجلب الاستثمار”.
ويشهد ملعب رادس وضعية عشب متردية، حيث سبق وأن احتضن في أكثر من مناسبة مباراتين في أقل من 24 ساعة، بسبب ضغوط البرمجة في روزنامة البطولة، والالتزامات الدولية للمنتخب التونسي ومنتخبات الشبان.
وترى أوساط رياضية في تونس أن غياب الإستراتيجيات الواضحة حال دون إصلاح البنية التحتية الرياضية في البلاد محملين وزارة شؤون الشباب والرياضة ومن ورائها الدولة مسؤولية تردي الأوضاع الرياضية.
وقال اللاعب الدولي السابق توفيق الهيشري إن “غياب الإستراتيجيات والتقييم هو الذي ساهم في تراجع مستوى كرة القدم التونسية، فضلا على غياب البرمجة الواضحة ورصد الميزانيات اللازمة لإصلاح الرياضة”، مشددا “على الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها”.
وأضاف في تصريح لـ"العرب"، "ليس من المعقول أن تقوم الدولة بأشغال في الملاعب خلال شهر ديسمبر، وعلى الهياكل الرياضية أن تفكّر في هذه الحالة في تقليص عدد النوادي من 16 إلى 12، وهذا يتطلّب إرادة سياسية".
وأردف الهيشري "يجب إعادة بناء الملعب الأولمبي بالمنزه (وسط العاصمة) من جديد وبمواصفات عالمية، فضلا عن إعادة بناء ملعب الشاذلي زويتن وصيانة ملعب حمادي العقربي برادس، كما يجب على وزارة الشباب والرياضة أن تفكّر في بناء ملاعب خارج العاصمة تونس وبناء ملعب خاص بالمنتخب التونسي".
وسبق أن أصدرت وزارة الشباب والرياضة في يونيو الماضي بيانا أشارت فيه إلى أن أشغال إعادة تهيئة ملعب المنزه ستنطلق في 10 يونيو وتتواصل على امتداد عامين ونصف وبتكلفة تقدر 100 مليون دينار مرصودة من ميزانية الدولة التونسية.
وستشمل الأشغال إعادة تهيئة المدرجات وتدعيم هياكلها وإصلاح التغطية القائمة وإحداث منطقة جديدة خاصة بالصحافيين فوق حجرات الملابس وإحداث منطقة لإجراء حوارات مع اللاعبين فضلا عن تهيئة حجرات الملابس وتجديد شامل للمنصة الشرفية وإحداث قاعة لكبار الشخصيات وتجديد شامل لجميع الشبكة الكهربائية والإنارة.
وبدورها، اعتبرت بعض الجماهير الرياضية أن منسوب الشغف بكرة القدم تراجع في تونس، بعد أن كانت اللعبة تستقطب الشباب ومتنفسا لهم في كامل أنحاء البلاد، وسط دعوات البعض منها إلى إيقاف النشاط الرياضي والتركيز على إصلاح المنظومة برمتها.
وأفاد أشرف السمري، وهو من جماهير النجم الرياضي الساحلي، بأن “انعكاسات البنية التحتية والملاعب بدأت تظهر حتى من خلال ترتيب الدوري التونسي”، واصفا عدم وجود ملعب لاحتضان المباريات بـ”فضيحة دولة”. وقال لـ”العرب”، “هناك إهمال للرياضة من قبل الدولة، حتى أن شغف الجماهير بالرياضة تراجع بل انعدم تماما، فضلا عن تداعيات التداخل الرياضي والسياسي”.
وفي الوقت الذي كان فيه المنتخب التونسي منشغلا بمشاركته في مسابقة كأس العالم التي أقيمت في قطر، تم الإعلان عن غلق ملعب حمادي العقربي برادس من أجل إعادة تهيئته ودعوة جامعة كرة القدم والرابطة للتحرك من أجل إيجاد ملاعب أخرى تعوض هذا الملعب لاحتضان مباريات الترجي الرياضي والنادي الأفريقي.
وكان مدرب الترجي الرياضي التونسي نبيل معلول قد انتقد حالة أرضيات الملاعب واعتبرها أحد أسباب تراجع نتائج النوادي في الفترة الأخيرة. ويأمل فريق الترجي أن يكون ملعب رادس جاهزا قبل تنظيم مباريات رابطة الأبطال الأفريقية في فبراير القادم.