لا تستغرب من سيارة مجنونة

دواعش بعجلات صفراء سليطة اللسان والمقود تتنافس في الطريق.
الخميس 2023/01/05
"دواعش" الفوضى

لا تنزعج إذا صادفتك سيارة مركونة على الرصيف في شوارع تونس.. وإياك أن تغضب حتى إن وجدتها تسير على الرصيف.. إي والله على الرصيف أو في سكة المترو، فالمسكينة تعاني من اضطراب في عقلها الأتوماتيكي سبّبه لها سائق يمسك المقود باليمنى والهاتف الجوال باليسرى متباهيا كأنه يسوق دراجة هوائية بيد واحدة أمام معهد فتيات في زمن عبدالحليم وشادية.. لا تنزعج، بل اشغل نفسك بعدّ الحفر والمطبّات في الطريق.

السيارات هنا مصابة بالهبل والجنون وعمى الألوان، فلا تحترم المشاة وتسير في الاتجاهات الممنوعة، ولا تقرأ إشارات المرور لأنها ترى كل الأضواء خضراء، وحين يمسكها عون المرور تسعى بكل بساطة لأن ترشيه.

نعم نحن في السنوات الأخيرة نمارس الفوضى وصارت عادة لنا نمارسها في الليل والنهار.. ولا نخجل.

هل أتاك حديث دواعش الطريق؟ إنها ميكروباصات نقل المسافرين من الضواحي إلى وسط العاصمة ظهرت مؤخرا مع ظهور السلطعون في البحر المتوسط.

دواعش بعجلات صفراء سليطة اللسان والمقود تتنافس في الطريق تصطاد حرفاءها بالكيس “الكركارة” .. تتنابز.. تلاحق بعضها ونصب أعينها المارد البنكي وغول التأمينات.

فيها أغان تشبه الشتائم على إيقاع محركات المازوت، هم يشتمون بعضهم ويسبون الآخرين وكل مزاحم لهم، يشتمون حتى الركاب الذين لا يتعدى ثقل الواحد منهم دولارا واحدا.

ولا تستغرب إن توقف سائق أحدها ليقضي حاجته الخفيفة على جذع شجرة أو تحت حائط.

انظر إلى الدراجات النارية (أمّ الفواجع) بسرعتها البهلوانية على أنغام مناحة المنبهات في ساعات الذروة وسط شارع يمتلأ بالحديد والعباد.

المترجلون يصطدمون ببعضهم في أحيان كثيرة أيضا، والتعليق على ذلك يأتي مختلفا، وعادة ما يأتي تعبيرا عن الحالة النفسية وحال دفتر الديون وما يختلج في الأذهان والقلوب، فمن طلب عفو  إلى “افتح عينيك” بلهجة محكية مسمومة إلى تمتمات عابرة.

ولا تستغرب إن صادفك تونسي وقد اصطدم بنفسه فجأة.. لماذا تستغرب؟ ونحن نقول “فلان دخل بعضه” والأسباب عديدة من نكد زوجة إلى طلبات الأطفال التي لا

تنتهي إلى غطرسة رب العمل، حتى قفة الخضار يمكن أن تؤدي بصاحبها إلى الجنون رغم أن علماء النفس لم يصنفوها بعد كمسبب لفقدان الصواب.. لا تستغرب بل غنّ “ومن الحب ما قتل”.

إن كان هذا يغضبك فمعنى ذلك أنك ستغضب أيضا حين تجد شبابا يجلسون على المقاعد في المترو أو الحافلة وفي آذانهم سماعات للموسيقى وكبار السن معلقون واقفين طيلة الرحلة.. لا تغضب فأولئك متعبون أيضا.

أما إذا هطلت الأمطار في شوارع تونس وطرقاتها.. لن أقول لك ماذا سيحدث، أتركك لخيالك.

18