"أحبك يا شعب" مقولة الزعيم حشاد التي يزايد بها الجميع على الجميع

لا يختلف اثنان في أن الاتحاد يمارس السياسة على عكس المعمول به في كل المنظمات النقابية في العالم وهو نفسه لا ينكر ذلك مبررا الأمر بأنه "واجب وطني" يفرضه تاريخه النضالي.
الأربعاء 2022/12/14
صلابة غير مبررة

لا يمر حدث أو ذكرى مناسبة وطنية كانت أو عربية – قومية، إلا وسجل الاتحاد العام التونسي للشغل في مقره التقليدي المزين برايات العلم الفلسطيني في ساحة محمد علي الشهيرة بعض المواقف، وحتى المآخذ ضد الحكومة كما جرت العادة.

ولم تفوت المنظمة النقابية العريقة في تونس هذا العام ذكرى اغتيال الأب المؤسس، الزعيم النقابي فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر 1952 دون أن يعبر منتسبوها عن امتعاضهم، ويبدون بعض اللوم والتقريع على عدم اعتماد هذه الذكرى مناسبة وطنية رسمية على غرار غيرها، وأسوة بباقي الشعوب والدول التي تحترم رموزها كما جاء في أحد البيانات.

وجاء في البيان أن 25 يوليو 2021 كان حلقة جديدة في سلسلة “التجاوزات التي تلحق بمنظمة الشغيلة وتسيء إلى نضالاتها”، في انتقاد صريح لسياسة الرئيس قيس سعيد، الذي بادر منذ ما يقارب العام ونصف العام بحلّ الحكومة والبرلمان الذي يرأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.

◙ هي حسبة قد يصفها بعضهم بـ"غير العادلة" وتنم عن بعض الاستقواء ولي الأذرع، وقد يعتبرها آخرون في المقابل، مطالب عادلة ومشروعة لأقدم وأكبر منظمة نقابية في تاريخ البلاد

“ليتها آخر المآخذ وأبسطها” كما قال أحد المعلقين، لكن المنظمة النقابية التونسية العريقة تمضي في انتقادها المعلن والمبطن للحكومة في كل شاردة وواردة، بعد وقبل كل مفاوضات اجتماعية حول جملة مطالب باتت مكررة وعصية على التحقق في ظل أزمة خانقة يتعنت فيها الاتحاد بحسب رأي الحكومة التي تقول إنها تنازلت، ولم “تستبق شيئا” بحسب زعمها.

أما صندوق النقد الدولي والجهات المانحة فلا يزالان يصران على مطالبهما الإصلاحية كشرط أساسي.. وتستمر “حكاية إبريق الزيت” بين الطرفين كما يقال في المشرق العربي.

يبدو أن المعضلة ليست هنا، ذلك أن الحرب إذا استمرت بين طرفين ولم تتوقف، فهذا يعني أن كلا الطرفين على خطأ كما قال أحد المفكرين الفرنسيين.

أين الخلل إذن؟

واضح أن اتحاد الشغل في تونس “تأخذه العزة بالإثم أحيانا” ويمضي في إصراره على مناصرة قواعده وافتكاك حقوقها المشروعة، لكن بنوع من الصلابة غير المبررة في أوقات كثيرة.

السبب يعود إلى كون هذه المنظمة النقابية تشكل قوة ضاربة ضاغطة في ظل ما يشبه غياب التعددية النقابية وخفوت صوت المنظمات المعنية بالدفاع عن الصناعيين والتجار وباقي هياكل القطاع الخاص.

هي حسبة قد يصفها بعضهم بـ”غير العادلة” وتنم عن بعض الاستقواء ولي الأذرع، وقد يعتبرها آخرون في المقابل، مطالب عادلة ومشروعة لأقدم وأكبر منظمة نقابية في تاريخ البلاد، علاوة على رصيدها الوطني الذي يجعلها شريكا لا غنى عنه في كل ما تخطوه الحكومة.. ألم تقد في أحلك الظروف الحوار الوطني، ونالت على إثره مع شركائها جائزة نوبل للسلام.

هذه المشروعية التاريخية جعلت الاتحاد العام التونسي للشغل وقياداته فوق التقول والشبهات، ومنحته قوة ضاربة تتجاوز حدوده المطلبية.

◙ المنظمة النقابية العريقة لم تفوت ذكرى اغتيال الأب المؤسس الزعيم النقابي فرحات حشاد دون أن يعبر منتسبوها عن امتعاضهم ويبدون بعض اللوم على عدم اعتماد هذه الذكرى مناسبة وطنية رسمية

لا يختلف اثنان في أن الاتحاد يمارس السياسة، على عكس المعمول به في كل المنظمات النقابية في العالم، وهو نفسه، لا ينكر ذلك مبررا الأمر بأنه “واجب وطني” يفرضه تاريخه النضالي.

وفي هذا الصدد، يشار إلى أن المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أعلن عن تنفيذ إضراب عام مركزي وجهوي في كل المصالح التابعة لمؤسستي الإذاعة والتلفزيون التونسيتين يومي السبت والأحد 17 و18 ديسمبر أي بالتزامن مع الانتخابات، مما يوحي برسالة واضحة لا يمكن أن ننزع عنها رائحة السياسة، لكن أمينه العام نورالدين الطبوبي أكد  في تصريح إعلامي على أن الاتحاد لم يدع إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، وأن الهيئة الإدارية للاتحاد المنعقدة منذ الاستفتاء أعطت حرية التصويت الفردي للمنتسبين.

وأضاف على هامش إشرافه على انعقاد المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي بمدينة صفاقس جنوب شرق البلاد أن منتسبي الاتحاد يلتقون حول خيارات ومضامين، لكن هناك تنوع في المجال السياسي، حسب تقديره.

ويتساءل مراقبون دوليون في حيرة من أمرهم: هل يريد اتحاد الشغل أن يكون حاضرا سياسيا في تونس أم لا؟ مرة ينسحب من التزاماته مع الحكومة ومرة يطالبها بالحديث معه.. نريد أن نفهم، هل هو قوة سياسية شبيهة بالأحزاب العمالية أم جهة نقابية ذات نزعة مطلبية لا أكثر ولا أقل؟

وإذا أراد الاتحاد أن يخوض في الشأن السياسي صراحة، ودون تورية، فليتهيأ إذن للخلافات الداخلية، شأنه شأن جميع الأحزاب السياسية.

“أحبك يا شعب” مقولة الزعيم النقابي فرحات حشاد، الخالدة، يزايد بها الجميع على الجميع، وصار الإرث الحشادي مهددا بالاضمحلال والضمور في ظل معادلة صعبة، وتكاد تكون مستحيلة.

9