عودة لإعلانات التلفزيون

لا شك أن عددا كبيرا من الإعلانات المميزة فاتتني مشاهدته خلال فترة هجري للبث التلفزيوني المباشر. ها أنا أعيد اكتشاف هذه المتعة البصرية من جديد.
الأربعاء 2022/11/30
متعة الإعلانات

تصر بعض خدمات البث التدفقي على إبقاء الإعلانات التلفزيونية التقليدية عن بضائع وخدمات، مثلها مثل قنوات البث التقليدية الأرضية والفضائية. في خدمة “ناو تي في” التي تتبع مجموعة سكاي، الإعلانات حاضرة في كل مسلسل أو فيلم يُبثّان تدفقيًّا. مؤخرا قامت أمازون بإضافة خدمات أو قنوات تقول إنها مجانية تقدم برامج مختلفة تتخللها إعلانات. خدمة أمازون الأساسية بلا إعلانات، مثلها مثل خدمة نتفليكس وشاهد. ثمة قرار في طريقه إلى التنفيذ بأن يصبح لديك خياران على نتفليكس، اشتراك غالٍ بلا إعلانات وآخر رخيص يتضمن الإعلانات.

الإعلانات جزء من التلفزيون. في القنوات البريطانية على سبيل المثال، يتم تنظيم بث هذه الإعلانات بسقف زمني لا يزيد عن 90 ثانية في الساعة. لا أعرف إن كان هذا الرقم قد جاء بعد دراسة وتجارب، لكنه بالتأكيد رقم متوازن. الهدف من الإعلانات هو جذب انتباه المشاهد إلى سلعة أو خدمة معينة، من دون إثارة ضجره والتسبّب في هجره البرنامج والإعلان، بل والقناة التلفزيونية معا. قنوات بي بي سي المدعومة بميزانية ضريبة التلفزيون لا تبث إعلانات أصلا.

على مدى سنوات أتابع البث التدفقي لنتفليكس وأمازون، قبل دخول خدمة “ناو تي في” إلى القائمة. ما كان ولا يزال يدفعني إلى مشاهدة التلفزيون بهذه الطريقة هو القدرة على اختيار توقيت المشاهدة الذي يناسبني. هذا على الأقل بالمقارنة مع متابعة القنوات الفضائية العربية. الحكاية هناك لها تفاصيل أخرى.

لو شاهدت حلقة من مسلسل عربي على يوتيوب بعد طرْح الإعلانات منها، ستجد أن طول الحلقة لن يزيد عن 35 - 40 دقيقة. وعادة ما يستغرق بث الحلقة كاملة (باحتساب مدة الإعلانات) ساعةً. بقية العشرين دقيقة تكون مكتنزة بالإعلانات. تفرّج على حلقة من الحلقات على فضائية في موسم رمضان، وستمعن في الهروب، ليس بسبب تخمة الإعلانات التجارية فقط، بل نتيجة الإمعان في تقديم إعلانات الصدقة والرحمة والأيتام ومرضى السرطان ونزلاء المستشفيات. أسأل أصدقاء عن ردود فعلهم، فيجيبون بأنهم يقاطعون المسلسلات الرمضانية لهذا السبب. ليس لأن الرحمة انعدمت من قلوبهم، وإنما شأن ذلك كشأن أي شيء آخر إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. اُنظرْ إلى الطريقة التي يهرول بها المصلون وهم يخرجون من باب الجامع تحاشيا لإلحاح الشحاذين المتزايدين، الحقيقيين منهم أو المحتالين. نجاح خدمة شاهد ليس بسبب أنها تقدم المسلسلات قبل أيام من عرضها على الفضائيات، فكثير منا ينتظرون تراكم حلقات عدة قبل أن يشرعوا في متابعة المسلسل، بل لأنها تجنب المشاهد الإعلانات بمختلف أنواعها.

لكن علي أن أعترف: ما إن شاهدت عودة بعض الإعلانات إلى خدمة البث التدفقي، حتى وجدت فيها متعة من نوع متجدد. فن الإعلان التلفزيوني له أساليبه الخاصة والمؤثرة. لا أتحدث عن الإعلانات البدائية التي تسوق مساحيق الغسيل وزيت الطبخ، والتي تزدحم بها قنواتنا الفضائية، بل عن الومضات الإعلامية الذكية التي تبهرك وتجذب انتباهك. هل هي من فئة الفنون التشكيلية أم الإنتاج البصري أم الإيقاع الموسيقي أم الدراما التي لا تزيد عن 15 ثانية؟ هذا يقدره المختصون. لكن بالنسبة إليّ، أجد في الإعلانات التلفزيونية إبداعا مكثفا يخلّف تأثيرا ذهنيا في المتلقي.

لا شك أن عددا كبيرا من الإعلانات المميزة فاتتني مشاهدته خلال فترة هجري للبث التلفزيوني المباشر. ها أنا أعيد اكتشاف هذه المتعة البصرية من جديد.

20